المشروع الإيراني تجرع السم سابقا وسيتجرعه لاحقا
المشروع الإيراني تجرع السم سابقا وسيتجرعه لاحقا
● مقالات رأي ٣ مايو ٢٠١٧

المشروع الإيراني تجرع السم سابقا وسيتجرعه لاحقا

العالم يتغير وأمام أمتنا مهمات عملاقة تؤديها وفق رؤى وخطط وبرامج، الاستفاقة حاضرة لكنها مطلوبة من الجميع، إن كانت قيادات سياسية أو عسكرية مع اقتصاد فاعل وإعلام ينبغي أن يكون حذرا أثناء السير في حقل ألغام المحور الإيراني.

العراق وطن محتلّ من إيران على طريقة تقية الملالي، مرتهن لجمهورية إيران الإسلامية، مختطف من تنظيم الدولة الإسلامية لولي الفقيه المرشد الإيراني خامنئي، يخضع لأوامر الحرس الثوري وقائد فيلق القدس قاسم سليماني بصفته الرسمية مستشاراً لرئيس الوزراء حيدر العبادي لشؤون الأمن الوطني، مستقبله في قبضة السفير الإيراني الجديد إيرج مسجدي وهو المستشار الأعلى لسليماني ومطلوب على لائحة الإرهاب الدولي. بتعبير أدق إنّ العراق عسكريا وأمنيا وسياسيا ودبلوماسيا في مقدمة المجال الحيوي لمشروع الإمبراطورية الإيرانية وأطروحاتها المذهبية التي ملأت المنطقة وشغلت الناس بجرائمها وإباداتها وفِتَنِها حتى استحقت عن جدارة لقب الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم. إذن من الطبيعي أن يكون العراق مصدرا للخطر الإيراني على الأمة العربية.

للميليشيات والعصابات المنتشرة، على اختلاف أعدادها وولائها وأهدافها ومنها تنظيم داعش، أساليب مشتركة وهي جميعاً، ودون استثناء، جزء من إفرازات الانفلات الأمني بعد الاحتلال الأميركي وتغييب الجيش العراقي وأجهزة الأمن الداخلي كمؤسسات وطنية تراكمت خبرتها على مدى عقود من الكفاءات والتجارب التي تستند على ركائز مهمة في التعليم والتدريب.

الميليشيات صناعة إيرانية بامتياز، تم إعدادها وتجهيزها ودعمها لتخوض حربا ضد وطنها الأم وبذات الشعارات الطائفية ومنذ بدايات تصدير ثورة الخميني، لكنها اتسعت لتشمل المعنى الواسع للإرهاب، من السرقات الصغيرة إلى الفساد المستشري وظاهرة نقاط التفتيش التابعة لقوى دينية وسياسية مارست الاغتيالات والاختطافات والمساومات المالية، وتجاوزت كل التقاليد والأعراف التي لم يكن يتجرأ أحد على المساس بها ومنها اختطاف الأطفال والنساء وعمليات إرهابية بدوافع الانتقام الطائفي، أنتجت لنا ردّات الفعل الكبرى التي تم تجاهلها إما بالصمت وإما بالتحريض ضدها لإسكات الأصوات بالعنف المسلح.

السلاح خارج السلطة المركزية في معظم مفاهيم السياسة الدولية يعني سلاحاً للمافيات والميليشيات ويجب مكافحته ومطاردة مجموعاته كمجرمين تطبّق بحقهم العدالة ويخضعون لقوانين العقوبات الجنائية؛ لكننا في العراق بدلاً من محاسبتهم يتم استرضاؤهم كقوى سياسية ووطنية، لأسباب الخوف أو لأنهم فعلا أدوات لترويع المكوّنات الأخرى، أو لحقيقة واقعة وثابتة نتلمسها في حياتنا تتمثل في تذويب العراق داخل الحاضنة المذهبية للمشروع الإيراني وأحزابه وقياداته السياسية والدينية ومرجعياته الفكرية الطائفية على اختلاف انتماءاتها وتضادد توجهاتها.

تخادم خطير بين أهداف داعش وأهداف الحرس الثوري أو الحشد الشعبي، تنظيمات قتلت العراقيين ودمرت مدنهم المطلوبة وبرّرت الجرائم المتبادلة والانتهاكات لغايات أوغلت في سذاجة أساليبها وفنونها. سياسة أثمرت نجاحها في تسطيح عقول كتل بشرية كبيرة بالتجهيل وفرض الطقوس والشعارات والرايات وتحريكها ضمن آليات مكررة لتحقيق مكاسب سياسية تتخذ من الممارسات الديمقراطية واجهة لأبشع حالة اختطاف للنظم الحديثة في الانتخابات؛ ماذا يعني صوت انتخابي بلا انتماء وطني أو قدرة على الاختيار خارج السياق الطائفي؟

تضمحل سيرة الحياة السياسية في العراق وتتقزّم سيادته الوطنية وتتأكد، ليس لنا، لكن للذين يراهنون على تسوية سياسية أو إصلاح قادم ويتخذون من مرحلة ما بعد داعش منصة إطلاق لعراق مختلف وبإرادات سياسية ومجتمعية، وهم على دراية وقناعة بأن العودة لنقطة الصفر أو المربع الأول في العملية السياسية، والتي تثير في نفوسهم الرعب، لم تعد تكفي لتصفير ازدواجيتهم في انتمائهم المطلق لمرجعية ولاية الفقيه الإيراني بصفته المذهبية والسياسية، وأيضا في محاولتهم إيهام الناس بمشروع وطني عابر للطائفية والمحاصصة.

فضيحة اختطاف صيادين عرب وإطلاق سراحهم بعد مدة طويلة، وقبلها اختطاف العمال الأتراك في مدينة الصدر في مساومة لتبادل سكاني مقيت في سوريا بما عُرِفَ باتفاق البلدات الأربع؛ تركت مساحة فراغ لأهمية مراجعة دور الحشد الشعبي كوعاء من 100 ميليشيا بتشخيص رئيس الوزراء “الإصلاحي” حيدر العبادي الذي سعى إلى تقديم وصفة برلمانية لا تقدم عليها أي حكومة في العالم تحترم إرادتها ومستقبل أجيالها، عندما تم تمرير قانون لحماية الميليشيات الإيرانية وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة. رغم ذلك، إيران وحرسها الثوري وفي استباق لصراعها القائم مع أميركا، لا ترى العبادي مؤهلاً لقيادة مرحلتها القادمة في العراق. إيران في الداخل تنتظر إصلاحياً، وفي العراق تنتظر واحداً من حرسها الثوري وتمهد له لتسلم مقاليد السلطة المقبلة بالأغلبية السياسية، الطائفية طبعاً وبمقاسات الولي الفقيه الداعم لكل أنواع الإرهاب ومن مختلف المذاهب لإحداث الفوضى المطلوبة في المنطقة.

الحشد الشعبي وفي بادرة من قيادته أعلن عن بدء عملية تحرير قضاء الحضر التاريخي وأكمل المهمة خلال 48 ساعة. الحشد فرض الأمر الواقع وتجاوز تعهداته العسكرية بأداء مهماته في العزل والتطويق. قضاء الحضر هو ذاته الذي اقتحمته 5 عجلات فقط من داعش وقبل احتلال الموصل بأشهر وتحديدا في فبراير 2014، كانت الذرائع حينها ضعف التنسيق بين القوات الأمنية وتأخر وصول الإمدادات؛ ألم تكن الحضر ناقوس خطر لما حصل بعدها في الموصل؟

الحشد الشعبي في بداية العمليات لتحرير نينوى والتي انطلقت من سن الذبان جنوب الموصل باتجاه مدينة تلعفر، كانت حركته سريعة ودعائية وقواته تجاوزت الحضر وتل عبطة وشهود عيان من المواطنين كانوا يطالبون بتطهير قراهم من داعش وهم بأعداد قليلة ويشيرون إلى أماكن تواجدهم، لكن قطعات الحشد كانت تتسارع إلى تلعفر؛ لماذا تغيّرت المهمات؟ ولماذا أعلن عن تحرير الحضر في سبتمبر الماضي؟ هل عاد داعش إليها؟ وفي هذه الحالة من يضمن عدم عودة داعش إلى أي منطقة يتم تحريرها؟ هل الحضر منطقة رخوة تحقق في توقيتنا الحالي أهدافا إيرانية إعلامية؟ أو لإشعارات مؤقتة تتعلق بالأطماع الإيرانية في الآثار ومراكز النفوذ؟ أو ربما تكون الحضر خطوة ضغط لإطلاق سراح الحشد في مهمة تحرير مدينة تلعفر المؤجلة.

إيران لا تهتم بمصير العرب من طائفة مشروعها المذهبي، إنها تستخدمهم في خدمة حربها القومية الطائفية، هل ننسى تحشيد الآلاف وفتح الطريق إلى جسر الأئمة ببغداد بأوامر زعماء الأحزاب المعروفة والتضحية بهم؟ ومن يرسل أفواج الزوار بالمئات من العراقيين إلى المراقد الدينية في دمشق ويستهدفهم في لعبة مفاوضات دولية لنصرة النظام وفي ظل ظروف أمنية غاية في التعقيد؟ ومن يستهدف قافلة المهجرين من الفوعا وكفريا لتمرير الفتنة وشيطنة الثورة السورية وتبرير الإبقاء على النظام السوري ودعمه دولياً على حساب دماء الأبرياء وتعميم الإرهاب على كل فصائل الثورة؟

اتفاق البلدات الأربع تجسيدٌ صريح لغياب السيادة في سوريا، المفارقة أن روسيا وإيران فقط تتمسكان بسيادة الدولة السورية على أراضيها؛ أما السيادة في العراق فهي مرتبطة تماماً بسيادة قوة الحشد الشعبي على مقدرات العراق الآن وفي مرحلة ما بعد داعش. ما نؤكده أن التغيير الديمغرافي في العراق أو في سوريا تمّ تحت حصار منهجي منظم مورست فيه كل جرائم الإبادة والتجويع والنهب والسلب لترويض الثورة السورية وإشغالها وتحويل مساراتها، وإطفاء جذوة الكرامة والحرية والعروبة في المدن العراقية المختطفة من قبل الإرهاب ودُعاة المشروع الإيراني.

العالم يتغيّر وأمام أمتنا العربية مهمّات عملاقة تؤديها وفق رؤى وخطط وبرامج، الاستفاقة حاضرة، لكنها مطلوبة من الجميع، إن كانت قيادات سياسية أو عسكرية مع اقتصاد فاعل ومتعاون وإعلام ينبغي أن يكون حذراً أثناء السير في حقل ألغام المحور الإيراني، حقل ستتفجر فيه ألغام كثيرة وبإرادة جرّبت تجرّع السُم سابقاً وأكيد لاحقاً؛ أي من صادرات الخميني إلى خامنئي حيث منتجات فرق الموت والإرهاب.

المصدر: صحيفة العرب الكاتب: حامد الكيلاني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ