المشهد السياسي حول سوريا
المشهد السياسي حول سوريا
● مقالات رأي ٢٠ أغسطس ٢٠١٦

المشهد السياسي حول سوريا

يبدو المشهد العسكري في سوريا أكثر وضوحاً من المشهد السياسي، فالطائرات الروسية والسورية تقصف حلب وإدلب وريف دمشق ومواقع أخرى كثيرة، وتقتل الحياة في حرب إبادة للشعب السوري وبخاصة لأهل السنة الذين يستهدفهم النظام وحلفاؤه ويخطط لتهجيرهم من حلب وإدلب لإحداث تغيير ديموغرافي يحولهم إلى أقلية في سوريا. وبعض الساخرين يقولون إنه ربما يتحسن وضع أهل السنة حين يصيرون أقلية، فربما يهتم بهم المجتمع الدولي كما يهتم بكل الأقليات!

وقد ازداد المشهد العسكري وضوحاً بعد أن منحت إيران حليفتها روسيا حق استخدام قاعدة همدان العسكرية لتنطلق منها طائرات أشد فتكاً، وخلال الأيام الماضية شهد السوريون تصاعداً مريعاً في الهجمات وسقط مئات من النساء والأطفال ضحايا هذا العدوان.

ولكن هذا المشهد العسكري يواكبه غموض شديد في المشهد السياسي، ويشكل حالات من التناقض لا تفسير لها سوى أنها خداع مثل لقاء بوغدانوف مع بعض المعارضين السوريين في الدوحة باحثاً عن السلام، بينما الطائرات الروسية تقصف المدنيين في حلب وإدلب! والطريف المفجع أن روسيا أعلنت هدنة لثلاث ساعات ولكنها اخترقتها بعد ثلاث دقائق، ويقول الروس إن بينهم وبين الولايات المتحدة اتفاقاً عسكرياً حول عمليات مشتركة، ويقول الأميركان إنه لا يوجد اتفاق خارج القضايا التقنية التي تضمن التنسيق فقط في خطوط الطيران، والأميركان لم يقفوا ضد تحرير حلب، ولكنهم لم يقفوا بجدية ضد القصف الروسي المتصاعد، وهم يعرفون أن المدنيين السوريين يقتلون ولم تتجاوز عمليات الروس العسكرية ضد «داعش» واحداً في المائة من مجمل الأهداف، وقد وجهنا سيلاً من الرسائل إلى الأمم المتحدة نطالب بحماية المدنيين، وللأسف لم نجد رداً عملياً.
ويقول الروس إنهم غير متمسكين بالأسد، لكن وزير خارجية روسيا يقول إن طلب رحيل الأسد غير مقبول، بينما تقول الولايات المتحدة إنه لا دور للأسد في مستقبل سوريا، ولكنها ليست معنية برحيله عملياً، وأما إيران التي وثقت علاقاتها مع «الشيطان الأكبر» كما كانت تسمي الولايات المتحدة، فهي تمنح روسيا قاعدة عسكرية، وهذه ليست مساعدة لوجستية مهمة لقصف الشعب السوري فقط، فهي رسالة سياسية أيضاً للولايات المتحدة ولأوروبا كلها، وعلى رغم الانزعاج الأميركي تم التنسيق بين إيران وروسيا والولايات المتحدة دون استنكار حول حركة الطيران من همدان إلى الشمال السوري، ومع احتجاج شعبي إيراني لمنح روسيا قاعدة عسكرية خلافاً للدستور تم تبرير ذلك في البرلمان الإيراني بكونه مجرد تعاون عسكري، دون مناقشة الأهداف الحقيقية التي نفذها الطيران الروسي بعيداً جداً عن «داعش».

وتتجاهل إيران وروسيا أن الضحايا الذين يقتلهم «داعش» هم أهل السنة بشكل خاص، وهذا التنظيم المتطرف يعتبر «الجيش الحر» عدوه الأول، وآخر جريمة ارتكبها «داعش» ضده كانت في أطمة قبل أيام حيث قتل 35 جندياً.

وروسيا التي تدعم الانفصاليين من الأكراد وعدت تركيا بالكف عن هذا الدعم، بينما الولايات المتحدة التي تعلن حرصها على وحدة سوريا أرضاً وشعباً تدعم الانفصاليين الذين يعملون مع النظام، وترى أن «الجيش الحر» لم يقبل أن يتوقف عن محاربة النظام وأن يتفرغ لحرب «داعش» فقط، ومع حرصنا جميعاً على محاربة «داعش» والخلاص من حضورها الشرير، يجب أيضاً ألا ينسى أحد أن النظام هو سبب كل هذه الويلات التي اصطنعها للتعمية على مطالب الشعب وخلط الأوراق.

والمؤسف أن أوروبا وهي الجار الأقرب لم تعد تملك غير التصريحات المتناثرة، وبعضها غامض كذلك، ومجلس الأمن يرى قراراته ترمى في سلة المهملات فلا يملك غير التعبير عن القلق، وشعبنا السوري يباد، وديمستورا لا يملك أن يحدد موعداً لجولة مفاوضات جديدة ما لم يجد ظرفاً يوحي بنجاحها، والظرف الراهن يوحي بمزيد من الدمار.. لقد خرجت المظاهرات السورية الاحتجاجية ضد المؤسسة الأمنية التي ضيقت الخناق على الشعب، ولم يخطر لأولئك المتظاهرين أنهم سيواجهون إيران وروسيا و«حزب الله» ومليشيات العراق وشرق آسيا.. ومع ذلك سيبقى الشعب السوري رغم فظاعة المحنة، صامداً صابراً متمسكاً بحقه في الحرية والكرامة.

المصدر: الاتحاد الكاتب: رياض نعسان آغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ