المعارضة وتحديات (فيينا 2)
المعارضة وتحديات (فيينا 2)
● مقالات رأي ١٦ نوفمبر ٢٠١٥

المعارضة وتحديات (فيينا 2)

تبدأ اليوم أعمال اجتماع «فيينا 2» وسط حالة من التناقض في أحاسيس المشاركين فيه والمعنيين به، نظرًا للتعقيدات المحيطة بالاجتماع، التي سعى المشاركون في اجتماع فيينا السابق إلى الإيحاء بها، وكأن التوافقات على الأبواب، وهو ما عكسه البيان الصادر عن الاجتماع السابق بنقاطه التسع، بالقول إن المشاركين في الاجتماع متفقون على نقاط أساسية، وسوف يتابعون توافقاتهم في الاجتماعات التالية، انطلاقًا من اجتماع «فيينا 2» الحالي بحضور ممثلين لعشرين دولة إضافة إلى الأمم المتحدة وفريق المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.

أبرز مشكلات الاجتماع، هو غياب المعارضة السورية عن الاجتماع، وهو خطأ مكرر عن الاجتماع السابق، تم تأكيده مجددًا. ومن غير الكافي القول إن أصدقاء الشعب السوري وداعمي المعارضة حاضرون في الاجتماع، إذ المطلوب حضور أصحاب الشأن مباشرة، لأنهم الحامل الأساسي المعوَّل عليه لأية نتائج أو توافقات، يمكن التوصل إليها في الموضوع السوري، بينما يتأكد حضور نظام الأسد من خلال حضور روسيا وإيران حليفي النظام الأساسيين اللذين يمنحانه كل أسباب البقاء والقوة بصورة سافرة وعلنية، ويؤكدان خياراته ومواقفه دون أن يحملاه أية مسؤولية أو التزامات مباشرة.

وباستثناء مشكلة غياب المعارضة عن الاجتماع، التي لا يخفف منها وجود شخصيات من تنظيمات معارضة سياسية وعسكرية على هامش الاجتماع، فإن ثلاثة من التحديات تقف في وجه نتائج إيجابية مرتقبة للاجتماع، تهدد بخروجه بلا نتائج غير بيان هش، يجري الاتفاق عليه في اللحظات الأخيرة حفظًا لماء وجه المشاركين.

أول التحديات يمثله الإطار الذي يتخذه مسار فيينا في معالجة القضية السورية، وهو مسار أشار إليه الاجتماع السابق باعتباره مستندًا إلى بيان جنيف لعام 2012 ونقاط فيينا التسع، وثمة تناقضات بين الاثنين في نقاط مفصلية؛ أبرزها أن بيان جنيف يمثل مرجعية دولية متوافقًا عليها، بينما لا تملك نقاط فيينا التسع ذات القوة، كما أن بيان جنيف وضع إطارًا لمسار الحل، انطلاقًا من التفاوض بين النظام والمعارضة وصولاً إلى تحديد الغاية، وهي إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، وحدد آليات الانتقال عبر هيئة حكم انتقالية بكامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، التي تحل بصورة غير مباشرة معضلة الأسد ومستقبله في سوريا، التي لا يمكن أن يكون فيها رئيس بلا مهمات أو صلاحيات، بينما عجزت نقاط فيينا التسع عن رسم مثل هذا المسار، وهو أمر جعل روسيا تطرح مبادرة ترسم مسار الحل، وتتراجع عنها سريعًا بفعل المعارضة والاحتجاج التي قوبلت بها.

التحدي الثاني أمام «فيينا 2» هو تحديد من هي المعارضة، وهو تحدٍ يضرب أساس إجماع دولي كبير، تشكل حول الائتلاف الوطني السوري بما يضمه من طيف واسع، يمثل تنظيمات سياسية ومدنية وعسكرية وشخصيات عامة، يمكنه أن يشكل غطاء سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا للمعارضة السورية سواء بانضمام بقية التشكيلات إليه أو عبر العمل تحت مظلته دون أن تكون جزءًا من بنياته التنظيمية على نحو ما هو حال علاقة الائتلاف مع التشكيلات العسكرية المعارضة، لأن من الضرورة الكبرى أن يكون للمعارضة وعاء واحد يجمعها لتسهيل مشاركتها في العملية السياسية وصولاً إلى أفضل النتائج الممكنة، وكله بخلاف مساعي روسيا وإيران وخلفهما نظام الأسد الساعين نحو تكريس معارضات متناقضة متنافرة خارج السيطرة، الأمر الذي يضعف المعارضة، ويجعل من الصعب توافقها على الحل، والمضي على طريق تنفيذه بالتزامات مؤكدة، وكلها أمور ضرورية، إذا كان هدف «فيينا 2» وما يليه من جهود، معالجة جدية للقضية السورية.

والتحدي الثالث أمام «فيينا 2»، يمثله تحديد جماعات الإرهاب في سوريا. وثمة انقسام عميق بين موقفين أحدهما وهو الأوسع يحصر جماعات الإرهاب في تنظيمين أساسيين؛ «داعش» بما هو معروف عنه، و«جبهة النصرة» باعتباره جزءًا من تنظيم القاعدة، والثاني موقف نظام الأسد وتحالفه الروسي الإيراني الذي يصنف تشكيلات المعارضة العسكرية باعتبارها جماعات إرهابية ومتطرفة، ويضيف إليها بعض جماعات المعارضة السياسية، ودلالات موقفه لا تحتاج إلى تأكيد في الحرب المدمرة التي يخوضها النظام وإيران وميليشياتها على مدار السنوات الماضية، وهو السلوك ذاته الذي اتخذه التدخل الروسي العسكري عبر عمليات طائراته، التي لم تستهدف «داعش» إلا بنحو عشرة في المائة من غاراتها، بينما كان القسم الأكبر من العمليات موجه للتشكيلات المعتدلة حسب مفهوم الدول الغربية شديدة الحذر في موضوع الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

والأكثر إشكالية في تحديد الجماعات الإرهابية، هو غياب الحديث عن ميليشيات طائفية مثل حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية والأفغانية والإيرانية، التي تقاتل إلى جانب النظام منذ سنوات، ولها أهداف لا تقل تطرفًا عن أهداف «داعش» وممارسات ليست أقل إجرامًا من ممارساته.

وإذا كانت التحديات السابقة تمثل الأهم، فيما يواجهه اجتماع «فيينا 2»، فثمة تحديات أخرى تقاربها منها مستقبل الأسد. لكن كل هذه التحديات يمكن اختصارها في تحدٍ كبير جوهره الدور الروسي في القضية السورية الذي انتقل بعد التدخل العسكري الروسي ليصير اللاعب الرئيسي، وهو يسعى عبر «فيينا 2» وما يليه إلى تكريس ذلك الدور في القضية السورية.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ