المفاوضات طبخة الدم
المفاوضات طبخة الدم
● مقالات رأي ٢٦ نوفمبر ٢٠١٧

المفاوضات طبخة الدم

في عام 2012 بدأ النظام ينهار مؤسساته وجيشه، سيطر الثوار على أكثر مناطق سوريا، حرر الثوار نصف أحياء دمشق وأصبحت محاصرة بطوق يبدأ من داريا مرورا بالغوطة والقلمون. وكان دخول الثواردمشق وشيكا، باعتراف الأعداء أنفسهم.

اتجه حلفاء النظام إلى خدعة المفاوضات، فصدر بيان جنيف لعام 2012، وخطة كوفي عنان ببنودها الستة، خمسة منها يجب أن ينفذها النظام أولا وبعدها يتم تشكيل هيئة حكم بصلاحيات كاملة واستُثنِي وضع رأس النظام، وصدر قرارمجلس الأمن 2118 باعتماد الخطة، ومع ذلك ترك عنان للثوار بنودا يستطيعون البناء عليها إذا توفر للثورة قيادة سياسية كفؤة وصلبة ومؤتمنة تدير المفاوضات. رفض الثوار إعلان جنيف لعدم النص صراحة على تغيير رأس النظام أساس المشكلة.

في منتصف عام 2014 قررت المعارضة الذهاب إلى جنيف اثنين - بدون شروط - يومها جادلنا رئيس الائتلاف طويلا كي لا يذهب إلى جنيف دون شروط، وقبل تنفيذ بنود خطة عنان  كما أقرها مجلس الأمن، والتي تلزم النظام بتنفيذ خمسة بنود تشمل وقف إطلاق النارفي سوريا وإطلاق سراح كل المعتقلين وإدخال المساعدات الانسانية إلى كل سوريا والسماح بالتظاهر السلمي ودخول وكالات الاعلام الدولية، وعندما يتحقق ذلك تذهب المعارضة إلى جنيف لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي مناصفة مع النظام نفسه، وهو تنازل كبير من الثورة السورية. أصر رئيس الائتلاف ومن معه على الذهاب إلى جنيف دون شروط، وقال إن لديه وعودا بتنفيذ خطة عنان بناء على اجتماع  لوزراء خارجية الدول الشقيقة الست عقد يومها في باريس.

كان واضحا أن حضور مؤتمر جنيف قبل تنفيذ خطة عنان بتسلسل دقيق سوف يضيع كل شيء، على طريقة مؤتمر الصلح في باريس بعد الحرب العالمية الأولى، ومؤتمر أوسلو القريب منا، وليس أقل.

عقد المؤتمر وطرح وفد النظام موضوع الإرهاب فقط وطرح وفد المعارضة الحل السياسي، وبعد الجلسة الأولى شكل وفد المعارضة برئاسة كبيرالمفاوضين واستمرت الاجتماعات  على مدى عامين دون تحقيق شيء. وبينما يرددون أن الحل في سوريا سياسي حصرا، تنهارالبراميل والصواريخ وقنابل النابالم والغازات السامة من أربع أركان الأرض والسماء على مدن ومناطق سوريا المحررة كلها.

في منتصف عام 2015 شكلت مجموعة فصائل جيش الفتح وتحالفت كل الفصائل في إدلب وحماه، وخلال شهرين حررت إدلب كاملة من وادي الضيف إلى جسر الشغور وريف حلب  ودخل جيش الفتح وفصائل ريف حماه إلى سهل الغاب وأصبح على بعد ثلاثين كيلومترا من القرداحة، ورأى العالم قوات النظام مهزومة في سهل الغاب. تكاتفت فصائل درعا والغوطة والجنوب وتقدمت فصائل الساحل وتوالت الانتصارات.

هرع قاسم سليماني إلى موسكو. وفي خريف عام 2015، دخلت روسيا إلى سوريا بجيشها وأساطيلها. وفي أول معركتين هزمت روسيا وحلفاؤها في ريف حماه وإدلب، ثم خسرت أمام ثوار حلب في معارك جنوب حلب وخان طومان، رأى الروس أن الثوار السوريون وبدون حماية جوية يموتون ولا يغادرون أرضهم.

عادت روسيا وحلفاؤها إلى خدعة المفاوضات وانتقلوا من جنيف إلى فيينا ولذلك دلالة واضحة، ودعيت إيران والقاهرة حليفتا النظام في مجلس الأمن وفي الحرب ضد الثورة السورية.  

وصدر القرار 2254 الذي ألغى عمليا خطة عنان والقرار 2118  وتم تكليف السعودية بعقد مؤتمر الرياض وتكليف الأردن بتصنيف المنظمات الإرهابية في سوريا، تفكك جيش الفتح وتحالف الفصائل واستمرت المليشيات الشيعية تقاتل مع النظام بغطاء روسي وقبول أمريكي وصمت من دول إعلان فيينا.

عقد مؤتمر الرياض وشكلت هيئة خاصة للمفاوضات وشكل الوفد المفاوض مع عشرات المستشارين والناطقين، كان الاعتقاد جازما أن وفد الهيئة لن يذهب إلى جنيف قبل أن تنفذ البنود الخمسة من خطة عنان المعتمدة بالقرار 2118 كاملة، وإنه لن يكرر كارثة جنيف (2). ولكن ذهب الوفد بدون شروط وعاد بدون شيء، ولم تبدأ المفاوضات حتى الآن. أعلنت الهيئة أن لديهم كتابا من نائب الأمين العام للامم المتحدة يتعهد بتطبيق قرارات مجلس الأمن. تجاهل الأمين بان كيمون هيئة المفاوضات وأناط المهمة بنائبه لعلمه أن وفد الهيئة سيذهب إلى جنيف في كل الأحوال.

قال أعضاء هيئة المفاوضات إنهم ذهبوا بطلب من السعودية، وإن جون كيري هددهم إما أن تذهبوا وإما أن يسحقكم الروس، قالوا ذلك بعد أن غادر جون كيري منصبه.

مات جنيف (3) في جلسته الأولى، وما حدث بعدها اجتماعات مع ميستورا وسفراء الدول ودخلنا في لعبة تغيير رئيس الوفد المفاوض، ولاحقا عدم الرضا عن رئيس الوفد الجديد، وأصبح لدينا ثلاثة من كبار المفاوضين. قبلت الهيئة أن يدعو ميستورا كل الذين أرادهم  كمستشارين، وقد ظهر تأثيرهم في سير عملية جنيف كلها.

في جنيف (4) تم ابتكار السلال الثلاث وليس فيها هيئة الحكم الانتقالي وطلب إضافة سلة الارهاب. لم يوافق ميستورا لأن هذا  سوف يفتح أبواب جهنم كما قال. وافقت هيئة المفاوضات على سلة الإرهاب، ورئيس وفد النظام يصرح علنا أن وفود المعارضة هم عملاء وإرهابيون.

لم يتحقق شيء فلا أفرج عن المعتقلين ولا دخلت المساعدات ولم تبدأ مناقشة الحل السياسي، وفي جنيف (7) فوجئ الثوار باجتماع وفد الهيئة مع منصتي موسكو والقاهرة في لوزان، ثم وجهت الدعوة للمنصتين للاجتماع في الرياض. وكل ذلك تمهيدا لعقد اجتماع الرياض بشكله الحالي.

كانت أهم بنود القرار 2118 وحتى القرار2254 وقف إطلاق النار ومحافظة كل طرف على مواقعه في الأرض مع بدء المفاوضات، إضافة لبندي الإفراج عن المعتقلين وإدخال المساعدات وهي بنود غير تفاوضية. ولكن وفي ظل اجتماعات جنيف تم حصار الزبداني ومضايا حتى الموت، وتم خنق داريا والمعضمية وحي الوعر ووادي بردى والقلمون وتم تفريغها من كل أهلها بعد قصف وحرق وجوع حتى الموت. تم اقتلاع سكانها من بيوتهم ونقلهم إلى ادلب في حالة قهر تنوء بحملها الجبال وإحلال سكان آخرين مكانهم، وسقطت حلب. واستمرت الوفود تذهب وتعود إلى جنيف وعواصم أخرى. ولم تعد الدول الصديقة والشقيقة تعير اهتماما للهيئة والمعارضة كلها وبعد كل اجتماع معها يصرح القادة الأوروبيون والأمريكان بأنه لا يوجد بديل  لبشار الأسد. إلى درجة أن بان كيمون يكرم المجرم بشار الجعفري وهو يغادر منصبه.

عندما كانت الهيئة في الرياض تحضر للقاء منصتي موسكو والقاهرة كان ماغورك ممثل الولايات المتحده يجتمع مع عشائر الرقة على الأرض السورية ولثلاثة أيام تمهيدا لما بعد داعش، ولم يتذكر أن يدعو أحدا من المعارضة. وعندما كانت الهيئة تجتمع مع منصتي موسكو والقاهرة – للتحضير للحل السياسي - كانت قوات النظام وروسيا وحزب الشيطان تجتاح البادية السورية بدباباتها وطائراتها وتستولي على دير الزور وتقترب من مليشيات إيران في البوكمال التي دخلتها أخيرا، وعلى الطرف الآخر كانت ميليشيا قسد الإرهابية بغطاء وحماية أمريكية تجتاح الرقة والحسكة وتستولي على ثروة سوريا من النفط والغاز والفوسفات وكل زراعة سوريا وأنهارها الثلاثة الفرات والخابور ودجلة. هذه المناطق التي طالما أوهموا أنها غير مفيدة، وتركوها وديعة عند إرهابيي داعش ليستلموها الآن. وقد منعت الولايات المتحدة وروسيا فصائل الجيش الحر الموجودة على تخوم البوكمال من المشاركة في تحرير مدنهم من داعش وحتى لواء الشهيد العقيد بكور السليم وعضو هيئة المفاوضات الذي اغتالته داعش هو وشقيقه لم يسمح لهم أيضا.

لو تمسكت الهيئة بالقرار 2118 وخطة عنان كما يفهمها كل خبراء ومفاوضوا العالم، لركض ممثلو الدول وراءها ولما ضاع الزمن وقتلت الفرص.

تصدت تركيا وحيدة للتدخل الروسي منذ البداية وأسقطت روسيا الطائرة التركية خارج الأراضي السورية وردت تركيا بإسقاط الطائرة الروسية في الأجواء التركية، ودعمت الثوار في الساحل والشمال السوري معتمدة على وجودها في الخندق الأول لحلف الناتو منذ نصف قرن.

غدرت الولايات المتحدة وأوروبا بتركيا وتخلى عنها الجميع، وكانت مؤامرة الانقلاب الفاشل ومعركة كوباني الوهمية لخلق مليشيا قسد الإرهابية المتحالفة مع النظام السوري. تبدلت الأوضاع والتفتت تركيا للحفاظ على أمنها القومي الذي تحيط به أخطار كبيرة. وتحولت أولوية السعودية إلى الحرب الطاحنة على حدودها في اليمن، ولاحقا انشغلت قطر بالحصار ومعالجة الأزمه مع أشقائها من دول الخليج العربي. ومع وجود الهيئة بدأت مفاوضات أستانة في ظل إشراف غير متوازن فالروس وإيران في وجه تركيا وحدها، وبدأت الوفود تتغير كحال الهيئة، مقابل وفد المجرم بشار الجعفري في جنيف وأستانة، وظهرت اتفاقيات خفض التصعيد، التي التزمت بها الفصائل، وحولته روسيا والنظام وإيران إلى مذابح في إدلب وريف حماه الشمالي والأتارب ودرعا وحصارالغوطة حتى الموت جوعا وتدمير ما بقي منها، وتكتشف الأغذية التي اؤتمنت الأمم المتحدة لإيصالها إلى الغوطة مكدسة في مستودعات جيش النظام، ولا يتحرك ضمير لصناع اتفاق القاهرة، ولا تفعل هيئة المفاوضات شيئا. وتحول خفض التصعيد إلى تصعيد خطير.

أمام هذه الأوضاع المأساوية يجب أن يتمخض مؤتمر الرياض عن تشكيل منصة للثورة، وهي ليست مسؤولية الدول الشقيقة والصديقة بل هي مسؤولية المعارضة، مسؤوليتكم وحدكم في هيئة المفاوضات، وكيف يمكن لمن يقدم نفسه باسم منصة موسكو التي تذبح الشعب السوري، والقاهرة التي تقف مع النظام ضد الثورة في السياسة والحرب. كيف يمكن أن يمثل الثورة السورية.

كيف يمكن أن يشكل أعداء الثورة وفدها، مع أنه كان الأولى أن تحدث التغييرات في وفد النظام لأنه لم يوافق مرة واحدة على مناقشة الحل السياسي ولا هيئة الحكم الانتقالي، وكان الأولى أن يفرضوا أشخاصا في وفد النظام يقبلون الحل السياسي الذي تعلن أمريكا وروسيا وكل العالم أنه لا بديل عنه. يجب أن يكون التزامكم ببيان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن 2118 وأنكم لن تذهبوا إلى أي جلسة مفاوضات قبل تنفيذ البنود الخمسة من خطة كوفي عنان التي أقرها مجلس الأمن بالقرار 2118، وبعدها تشكل هيئة الحكم بصلاحيات كاملة ولا قبول بوجود المجرم  بشار الأسد يوما واحدا في أي مرحلة.

إننا نجد أنفسنا ملزمين بأن نذكر المؤتمرين في الرياض أنهم يتحدثون نيابة عن مليون شهيد ومليون مصاب وأكثر من مليون يتيم ونصف مليون أرملة ومليون أم ثكلى وستمائة ألف معتقل ومفقود وأربعة عشر مليون نازح ولاجئ يعيشون في الخيام وأكثر من أربع ملايين طفل سوري حرموا من التعليم وآلاف المغتصبات من أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم، والأرض التي تحتلها روسيا وإيران وأنكم تمثلون أعظم ثورة في العالم حاربتها وطعنتها أكبرقوى العالم.

وفي حال تعذر ذلك تعالوا إلى عقد مؤتمر وطني طالما دعاكم إليه الثوار لتوحيد الهدف وتشكيل قيادة واحدة لفصائل الثورة، نعمل معها مجتمعين في الداخل والخارج. وأن تسير المفاوضات وتعزز وحدة وقوة فصائل الجيش الحر جنبا إلى جنب.

الدول التي تحتل سوريا إيران وموسكو تريد تشكيل وفد يتحدث باسم الثورة وهو ليس منها، ويقبل ببقاء المجرم بشار الأسد ليحفظ مصالحها، وبعدها تسير الأمور باتجاه المصالحة مع النظام وتبرئته من كل الجرائم، وهذا ما نحذر منه.

لقد أخذ النظام كل ما أخذه في ظل المفاوضات التي اؤتمنتم على إدارتها.

ولكنكم ضيعتم الأمانة.

المصدر: ترك برس الكاتب: أسعد مصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ