الوعر.. على مسافة دمعة
الوعر.. على مسافة دمعة
● مقالات رأي ٣٠ أغسطس ٢٠١٦

الوعر.. على مسافة دمعة

أتذكر الجملة الأولى التي كتبتها في أول مقال لي بعد بداية الثورة في بلدي "يستشهد الشاب على مسافة دمعة من أمه، وتتظاهر هي على مسافة صرخة من استشهاده"، وكنت أصف أماً حمصية يومها.

أرسل رئيس مجلس محافظة حمص الحرة السيد "أمير عبد القادر" قبل أيام في 27 آب رسالة إلى دي ميستورا يحذر فيها من شبه حتمية تكرار سيناريو داريا في حمص بعد التصعيد العنيف من قبل النظام.

يدرك عبد القادر أن هذه المراسلات لا تحقق نتائج، وإن حققت فإنما هي نتائج ضعيفة لأن "المجتمع الدولي بكل منظماته إما متراخٍ في التعامل مع الثورة السورية أو متواطئ مع النظام" حسبما قال رداً على سؤالنا له عن غاية والفائدة من رسالته، التي أوصلها إلى عضو الائتلاف سهير الأتاسي وإلى رئيس الهيئة العليا للمفاوضات الدكتور حجاب.

وتوصلت لجنة المفاوضات في حي الوعر اجتمعت أمس الإثنين بعد اجتماعها مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام في مدينة حمص، وبعد مفاوضات استمرت عدة ساعات بين الجانبين، توصلت لاتفاق يقضي بإيقاف القصف والغارات الجوية من قبل النظام على الحي مدة 48 ساعة.

وأصدرت "لجنة المفاوضات" في حي الوعر بياناً، دعت فيه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، و"لجنة حقوق الإنسان" في "الأمم المتحدة"، للضغط على "نظام الأسد ووقف عملياته العسكرية التي تهدف لتغيير التركيبة السكانية لمدينة حمص عبر عمليات التهجير القسري".

وتدرك لجنة المفاوضات ويدرك السوريون، ويدرك الحماصنة، أن المثل الوحيد الذي يصح في سوريتنا وفي نداءاتنا للمجتمع الدولي "أسْمَعْتَ إن ناديت حيّاً، ولكن لا حياة لمين تنادي".

الوعر اليوم تهرول باتجاه داريا، بعد إغلاق الطرقات والتصعيد العنيف قصفاً وقنصاً، وبعد تكثيف سياسة الترهيب من محاولة اغتيال أحد القادة العسكريين داخل الحي المحاصر من قبل خلية مرتبطة بالنظام السوري وصولاً إلى محاولات تسوية أوضاع بعض الشباب عن طريق الضغط عليهم من خلال اعتقال أحد افراد أسرهم، عدا عن حملة الاعتقالات الضخمة للتضيق على الموظفين والطلاب ومنع تطوير بعض المشاريع داخل الحي (كانخفاض عدد المستفيدين من مشفى البر إلى النصف خلال الأشهر الستة الأخيرة بسبب اجراءات التضيق التي حصلت).

لا يحاول رئيس مجلس محافظة حمص الحرة إنقاذ حمص من المصير الذي ينتظرها، ويعرف أنه كل ما يمكنه فعله عدا النجاة من الموت قدر الإمكان، توثيق تحذيره سواء سارعت الأتاسي وحجاب بعقد مؤتمر صحافي "وهو مالن يحدث" لإجبار العالم على سماع صوت حمص قبل وقوع الكارثة، أو تجاهل دي ميستورا والمسؤولين الغربيين "كعادتهم" التحذيرات الآتية من الداخل السوري لكل منطقة على حدة.

سوريا اليوم، سوريا الأمس، الوعر اليوم، داريا الأمس القريب، يتحرك أهلها بعد كل مجزرة بجنون، لا يصدقون ما تراه أعينهم، يبكون ويصرخون منادين الأحبة، تهرول العدسات لتوثيق لحظات الحزن الأسود والخوف اللامنتهي، تدخل صور انتشال الجثث من تحت الأنقاض إلى معارض الصور في العالم، فلا يتحرك العالم الأحمق ويستمر في مؤامرته المعلنة على سوريا، وتحتفظ سوريا بصورنا كلها لأنها تعرف أننا سنرفعها في وجه نفس العالم الأحمق يوماً لنقول له "هذا ما صنعه تجاهلكم وسياسييكم".

الأطفال تتفحم في الوعر، وتنتشر فيديوهات أطفال آخرين يرتجفون خوفاً وألماً من قنابل النابالم، وخلال الأشهر الستة الماضية غادر أكثر من 1000 أسرة الحي بعد التهديدات التي تلقتها من قوات النظام.

لا نشير هنا إلى معلومات ميدانية اعتادت القنوات الإخبارية أن تضعها في تقرير واحد يتم بثه على شاشاتها يومياً، تبدأ التقارير بجملة "ميدانيا في سوريا.. قتل... وأصيب.. في حي.. ومدينة.. وبلدة.."، وإنما نحاول أن نقتنع بمحاولة رئيس محافظة حمص الحرة، مع عجزنا القاتل عن فعل أي شيء بوجود معارضة كسيحة تتأهب للدخول بمفاوضات جديدة متجاهلة إصدار أي تصريح حقيقي "رجولي كما يعبر السوريون" عن داريا، ومتناسية الوعر منتظرة سقوطه لتصدر بيان نعوة.

العجز السوري القاتل، هو ما يشعر به كل سوري اليوم وقف في وجه بشار الأسد، كل سوري توقف عن سماع التقارير الميدانية عن بلده في الأخبار، لأنه أحصى هو عدد شهداءه ومصابيه وعدد الأيدي والأرجل التي بترت بعد كل قصف على كل حي أو قرية أو مدينة، السوري الذي صبغ العالم الافتراضي بالأحمر من أجل حلب، وصبغه بالأخضر لأجل الغوطة، واستحال ذلك العالم إلى بركة من الدموع مع خروج أبطال داريا منها، هو السوري الذي لم يعد يحتاج من أعضاء جسده إلا إلى إصبعه الوسطى التي يرفعها في وجه معارضته اللاشريفة والعالم المتحضر المتآمر.

حمص اليوم على خطى داريا.. ولكن لا عليكم.. يمكنكم الانتظار قليلاً قبل التنديد والشجب وتنظيف " قذارات" بشار الأسد الذي مرغ وجهكم فيه يومياً على مدى 6 سنوات من الثورة والموت.

المصدر: أورينت نت الكاتب: هنادي الخطيب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ