بدكن حرية.. خطر امتلاك الحرية دون امتلاك الوعي بها وأدوات تطبيقها..
بدكن حرية.. خطر امتلاك الحرية دون امتلاك الوعي بها وأدوات تطبيقها..
● مقالات رأي ٢٥ نوفمبر ٢٠١٤

بدكن حرية.. خطر امتلاك الحرية دون امتلاك الوعي بها وأدوات تطبيقها..

"في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية" هذه المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص يؤكد فيها أن الحرية وحدها لا تكفي للاستمتاع بمخرجاتها وهناك بون شاسع بين الفكرة ونتائجها.

طالب ثوار سورية منذ البداية بالحرية باعتبارها الشرط الكافي لتحقيق المطالب الأخرى في التخلص من حكم آل الأسد، لكنهم لم ينجحوا في تطبيقها وممارستها بالشكل المطلوب لصالحهم عندما أتيحت لهم الفرصة لذلك، سواء في المناطق المحررة أو ضمن مؤسسات وهيئات المعارضة المختلفة في الخارج.
فشل المعارضة في إدارة شؤونها وتقدير مصالح الثورة أوصلها في النهاية لحالة هامشية سواء بالنسبة للداخل أو تجاه الدول الصديقة وابتعادها عن دائرة صنع القرار المتعلق بالثورة ومستقبل البلاد أو حتى مجرد التأثير فيه.

من بين اجتماعين فقط للمعارضة حضرتهما شخصيا بدعوة خاصة كان أحدهما في اسطنبول في حزيران 2012، وهو مخصص لتشكيل لجنة مهمتها التحضير لمؤتمر يجمع أطياف المعارضة في القاهرة، واستمرت الاجتماعات يومين بلا طائل. ولم يبدُ لي وقتها أن حضور ممثلي الدول الصديقة لفرض أسماء معينة في اللجنة بقدر سعيهم لتحديد مهامها وصلاحياتها بعكس المعارضين الذين كان همهم وشغلهم الشاغل طرح أسماء معينة لتمثيلها في اللجنة مع أن عدد الحاضرين كان محدودا وغير كبير.

خصص مجلس الشعب قبل الثورة إحدى جلساته لاتخاذ قرار بخصوص الموقف من المشاركة في اجتماعات البرلمان العربي المزمع انعقاده في أربيل بكردستان بدلا من بغداد بسبب الظروف الأمنية وقتها، وﻷن دور مجلس الشعب كان شكليا وليس له الحرية في اتخاذ القرار فقد وقع أعضاء المجلس في حيرة شديدة من أمرهم في معرفة اتجاه التصويت الذي تريده القيادة السياسية والذي عليهم العمل عليه، وساهم في ذلك عدم وجود توجيه مسبق من الشعبة الحزبية للأعضاء مما سبب بخلق حالة من الفوضى وقام رئيس المجلس بإعادة التصويت على القرار عدة مرات دون جدوى بغية تحويله من الرفض إلى القبول بالمشاركة.
تشكيل اللجنة التحضيرية لاجتماع المعارضة لم يتم في نهاية المطاف سوى باقتراح ملزم قدم لهم من ممثلي الدول الحاضرة للاجتماع حيث تمت الموافقة عليه فورا دون نقاش وبدا أن يومين من الاجتماعات ضاعا دون جدوى.

في المقابل فإن جلسة مجلس الشعب السابقة الذكر تم تعليقها بعد كل ما حصل وخرج الأعضاء يناقشون بحدة واستغراب مجريات الجلسة وصرح أحدهم بأنه من غير الممكن أن يعمد المجلس لتعديل قراره على العكس من رغبة الأعضاء وأن ذلك يمثل خيانة لمبادئ حزب البعث القومية، ولن يصوت هو على أي قرار لو سارت الأمور بهذا الاتجاه، ولكن الشعبة الحزبية أصدرت تعليماتها وتم في اليوم التالي التصويت خلال دقائق فقط بالموافقة على قرار الحضور وكان ذلك العضو أول الأعضاء الذين يرفعون أيديهم عالبا بالموافقة.

وفق الآليات التي كان يعمل بها النظام قبل الثورة، ربما يمكن فهم وتبرير ما حدث في اجتماع مجلس الشعب السايق الذكر، لكن غير المفهوم أو المبرر هو عجز أعضاء المعارضة عن اتخاذ قرار بتسمية أعضاء اللجنة وإسناد ذلك للغير رغم أنهم ممثلون مفترضون لثورة أولى شعاراتها وأهدافها الحرية.

رغم تخلصها من سيطرة النظام إلا أن حالة من الفوضى سادت المناطق المحررة بسبب عدم القدرة على إدارتها ذاتيا، ما أثار موجة من ردود الأفعال العكسية ضدها كما أثار فشل المعارضة في تقديم مشروع سياسي وطني جامع ومقنع شكوك دول الأصدقاء وعدم اعتمادها المعارضة بديلا عن النظام لفشلها الذريع في تنظيم العمل ضمن مؤسساتها المختلفة. ومن هنا يأتي من يحمل المعارضة مسؤولية تاريخية في إفشال الثورة وعدم تحقيق أهدافها.

لماذا تخلت المعارضة عن حريتها المكتسبة، ولم تحتفظ بقرارها المستقل لصالح الشعب السوري، ووقعت فريسة للتجاذب والاستقطاب الإقليمي والدولي.

لماذا يستمر السوريون في التخلي عن حريتهم في تحديد طريقة حياتهم ومستقيلهم السياسي، وهل يمكن القول إن ذلك صفة ملازمة لهم لا يمكن الخلاص منها

تستند مواقف المسؤولين في مؤسسات النظام حيال قراراته إما إلى مصلحة أو قناعة بها أو بسبب الإدراك باستحالة تغيير أي شيء يقرره النظام عبر دائرة القرار الضيقة والغامضة بعيدا عن المؤسسات الدستورية والقانونية الموجودة والتي ينحصر دورها في تنفيذ قرارات وتوجيهات القيادة الحكيمة والرشيدة للبلاد.

يتذرع المعارضون باستمرار لتبرير فشلهم بحالة التصحر السياسي التي سادت البلاد لعقود وسببت غياب العمل المؤسساتي الحقيقي ومنع منظمات المجتمع المدني الحرة من العمل، ولا يفهم كيف لم يساهم كل هذا الوقت الطويل من عمر الثورة لتجاوز ذلك. ويبدو أن المعارضين يركزون على العوامل الموضوعية ويتهربون من الخوض في العوامل الذاتية المتعلقة بشخصيات المعارضة التي ظهرت فيها حالات واسعة من الأنانية والفردية والنرجسية ولم ترقَ تصرفاتهم لمستوى تضحيات الشعب السوري وتضحياته العظيمة.
ومن اللافت ظهور حالات واسعة من الفساد تم ارتكابها من معارضين خلال فترة قصيرة نسبيا حيث عملت مؤسسات المعارضة بدون مساءلة أو شفافية.

فشل المعارضة في الاستفادة من مناخ الحرية المفتوح أمامها شكل ضربة قاسية للهدف الأساسي للثورة، وبات الحديث يدور حول جدوى الحرية كفكرة مجردة في حال عدم الاستفادة منها بالشكل الأمثل لصالح الناس. واستغل بعض مؤيدي النظام ذلك للحديث عن عبثية الثورة ومسؤوليتها عن الحالة المأساوية التي وصلت إليها البلاد.

بالمحصلة لا تكفي الحرية وحدها كفكرة أو تطبيق مجرد في تحقيق شيء وبالعكس فقد تساهم في خلق حالة من التشرذم والخلافات والفوضى العارمة، ومؤكد أنه بلا وعي أو ضوايط أو آليات للعمل والمراقبة فإن الحرية تنقلب من نعمة إلى نقمة.

ويبقى المشهد الأكثر قساوة على السوريين منظر جنود الأسد وهم يعذبون أحد المنتفضين المطالبين بالخلاص من النظام ... بدكن حرية ... هكذا يصرخ جنود الأسد بتهكم في وجهه وهم يعذبونه ويدوسونه بأقدامهم ويصرخون في وجهه "هاي منشان الحرية".

المصدر: زمان الوصل الكاتب: عماد غليون
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ