بعد سوتشي: ما الذي تحوّل في الحرب؟
بعد سوتشي: ما الذي تحوّل في الحرب؟
● مقالات رأي ٩ فبراير ٢٠١٨

بعد سوتشي: ما الذي تحوّل في الحرب؟

روسيا التي أرادت من محادثات آستانة أن تنخرط في ترتيب مناطق خفض التصعيد على الجبهات كتوطئة للشروع في محادثات سياسية بين الأطراف السوريين شرعت، بعد سوتشي، بالانخراط مباشرةً في التصعيد بما يفتح الباب أمامها للبت بملف محافظة إدلب، وذلك باعتبارها تشكل الخلفية التي تنطلق منها المعارضة لتهديد الوجود الروسي على الساحل السوري.

ومؤتمر سوتشي، الذي ظهرت نتائجه حتى قبل أن يبدأ، عرّض الديبلوماسية الروسية إلى شماتة أميركية وردت على لسان وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي قال إن «الأسلوب الأكثر لباقة لوصف نتيجة المؤتمر هو القول إنه لم يحقق شيئاً». طبعاً لم يأتِ التقليل من قيمة هذا المؤتمر من فراغ، وربما مَن شاهد وزير الخارجية الروسي وهو يُقاطَع بزجليّات أهل النظام، لا شك وافق على ما خلص إليه ماتيس.

هذه المشاهد من سوتشي أتت لترسم نهاية لا تليق بمسار الديبلوماسية الذي اشتغلت عليه روسيا في ظل الإدارة الأميركية السابقة وذلك قبل أن يعيد ترامب انخراط إدارته بفعالية في الضغط بالملف السوري. أما المشهد الأكثر نفوراً فقد كشفه سقوط الطائرة الروسية التي كانت تقوم بمهمات قتالية فوق إدلب بما أوحى وكأن هناك مساراً عسكرياً لروسيا منفصلاً تماماً عن المسار السياسي، بخاصة أنه أعقب إعلان القيادة الروسية مرات نهاية الحرب في سورية وانتصارها على الإرهاب وعودة الطائرات والقوات العسكرية إلى قواعدها في روسيا، وهي كانت ترعى قبل أيام حواراً مفترضاً بين السوريين لم يجف حبر بيانه الختامي بعد!

التطورات التي أدت إلى تعقُّد المشهد الميداني في شمال سورية إلى هذا الحد تضع الروس أمام حقائق واستنتاجات تختلف عن السابق. إذ من البديهي أن تتراجع أولوية التمسك بالأسد إلى مرتبة ثانوية ويصبح الأهم هو البحث عن تأمين الوجود العسكري الإستراتيجي في ظل ارتفاع الكلفة عليهم وتلمّسهم ملامح استنزاف تُخطَّط لهم.

وهذا التأمين لا يتحقق بالعناد والتمسك بأشخاص، إنما بعملية سياسية عادلة تفرض عليهم التضحية، وبإستراتيجية خروج مُحصّنة دولياً وتتعلق أولوياتها بالمصلحة الروسية التي تتقاطع مع حسابات دولية قائمة في أماكن أخرى من العالم. يصعب على الروس إلى الآن تصديق مقولة إنهم ملزمون التفتيش عن أفق سياسي جديد لوجودهم الذي دخل عامه الثالث من دون تحقيق نتائج سياسية مستدامة.

المعارضة لا تزال تمتلك حق النقض والاعتراض وترفض التسليم لأن التحدي بات يتعلق بصراع الإرادات وليس لديها ما تخسره. أما المشروعية الدولية فلا تلقي بظلها على الأسد من دون حصول تحوّل جوهري في الأزمة السورية يتيح التقدم بالمسار السياسي، هذا عدا عن الإشارة إلى التوغل الإيراني الذي يتفاقم وكأنه يريد تهشيل الروس!

لذلك تبدو العودة إلى جنيف هذه المرة مطلباً روسياً أكثر منها حاجة أميركية أو غربية، بخاصة بعد فشل سوتشي وتبدُّد مفاعيل آستانة ودخول تركيا المباشر إلى الأراضي السورية. روسيا تحصد إخفاقات متعددة في متابعاتها السورية، بدءاً من عدم الوفاء بالتزامها معالجة ملف الأسلحة الكيماوية والذي يُعاد بحثه دولياً، وعجزها عن معالجة التمدّد الإيراني بخاصة في الجنوب السوري، وصولاً إلى فشلها في ترتيب وضعية إدلب المحاذية لوجودها العسكري وفق مناطق خفض التصعيد في آستانة. هذا إضافة إلى أنها لا تمتلك مفاتيح الضغط في شكل مجدٍ على الأسد الذي يلعب على التوازن بينها وبين إيران، وهنا بيت القصيد.

وعلى عكس روسيا يملك الأميركيون قواعد عسكرية على الأراضي السورية لكن ليست لديهم عقدة تأمينها بعد، ولا زالت حربهم هناك تُخاض بالوكالة وعامل الوقت لا يطاردهم كما الروس. إضافة إلى أن الأميركيين يربطون وجودهم بـ «المحاربة الدائمة» للإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط، وذلك يتعلق بسقف زمني مفتوح في ظل حالة عدم الاستقرار العام الموجودة لدى السلطات القائمة وحال التمدد الإيراني الذي أكمل طوقه حول إسرائيل.

ترامب لا يبحث عن شرعية لوجود قواته في ظل استيعاب المؤسسات الأميركية أولوية محاربة الإرهاب والتصدي لإيران ونجاحه في تجنب الأكلاف البشرية.

وفي حين لا يُعتبر قرار أردوغان بالدخول التركي إلى منطقة عفرين وليد لحظته أو أنه أتى كرد فعل على تشكيل الولايات المتحدة قوة من 30 ألف مقاتل من الأكراد لحماية الحدود، فإن تركيا تدخل لغاية تترصّد فرَصَها منذ سنوات، وتتعلّق بفرض نفسها طرفاً رئيسياً في إدارة الحل في سورية وتُخرجها من عقدة أن تستظل بالموقفين الأميركي والروسي، بخاصة أن حماية وحدة أراضيها وصيانة أمنها القومي مسألتان باتتا تتعارضان جوهرياً مع ما يدور على حدودها السورية. الخطير في المؤشر التركي أنه يفتح الباب أمام إسرائيل لكي تستنسخ المبررات ذاتها في ما خص الجنوب السوري.

وبالتالي فقد دخلت الحرب السورية حقبة جديدة تراكمت فيها المتغيرات لتنقلها من حرب داخلية بمساعدة أطراف خارجيين إلى حرب خارجية وصدام إستراتيجيات كبيرة تفرض على «بعض» اللاعبين أن يتحسّسوا رؤوسهم.

المصدر: الحياة الكاتب: بهاء أبو كروم
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ