بمن يستعين السوريون؟
بمن يستعين السوريون؟
● مقالات رأي ٢٠ أبريل ٢٠١٧

بمن يستعين السوريون؟

«لا أنسى أبدا ذلك المريض العجوز الفقير الذي كنت قد أعطيته موعدا لإجراء عملية الماء الأزرق، وكان يسكن في قرية بعيدة»، تقول طبيبة وجراحة العيون والروائية السورية د. هيفاء بيطار. «كنت قد طلبت كالعادة من الممرضات أن يحقنه وريديا بالإبر المنومة والمهدئة استعدادا للعملية، وكان المريض العجوز شبه مخدر ومستلقيا على سرير العمليات.

وهممت بتعقيم يدي لإجراء العملية حين أتتني الأوامر بوقف كل شيء، لأن إدارة المستشفى قررت إعادة المسيرة التي شاركنا فيها قبل يوم بسبب الأمطار التي شوشت التصوير».

لم تكترث إدارة المستشفى بمصير المريض الفقير العاجز وحياته المهددة وموقف الطبيبة الجراحة د. بيطار! «يومها غضبت واتصلت بمدير المستشفى»، وهو «المشفى الوطني» في اللاذقية، «قلت للمدير، إن العجوز قد حقن بالفاليوم، وصار جاهزا للجراحة، والفاليوم مخدر قوي جدا لا يجوز إعطاؤه في فترات متقاربة للمريض. فأجابني بلهجة تهديد: اتركي المريض، ستجرين له العملية غدا. قلت له لكن قد يموت إذا أعطيته غدا إبرة فاليوم». لم يغير موقف الطبيبة شيئا من إصرار المدير على إعادة «المسيرة الطبية».. كي تكون الصور واضحة، وكانت النتيجة تقول الدكتورة «إن هددت بطريقة غير مباشرة بأنني يجب أن أشارك في المسيرة الثانية، لأن الجو من حسن الحظ صحو، ولا يهم أن يكون هناك إنسان ينتظر عملية جراحية في عينه وهو شبه مخدر، ولا يهم إن مات في اليوم التالي، فالولاء كل الولاء والتقديس كل التقديس للمسيرات المؤيدة للنظام، وكانت المناسبة ثورة الثامن من آذار». هل في مثل هذا الموقف ما يثير غير الحزن والعجز وشعور الطبيب باليأس والإحباط، وخيانة كل سنوات دراسته؟

امتثلت د. بيطار لتهديدات المدير، الذي بالطبع لم يكن ليكتفي بطردها من عملها، بل هناك على الأرجح «إجراءات ما بعد الطرد»!

«عدت إلى بيتي أحس بضيق نفس حقيقي واختناق لأشاهد أهلي يتفرجون على المسيرة المؤيدة التي يبثها التليفزيون السوري، يومها أحسست بأن شعار الحياة في سورية هو سحق الكرامة، وفكرت بالمريض العجوز المسكين، ولم أجد إلا السخرية تخفف من غضبي وألمي وقلت الحمد لله، لم يطلبوا منه أيضا أن يشارك في المسيرة.. وهل ينسى أحد من العاملين في «المشفى الوطني»، يوم حضر فريق من الأمن وأخرج طبيبا اختصاصيا في جراحة العظم من غرفة العمليات قبل جره إلى سيارة واقتياده إلى معتقل، حيث بقي أربع سنوات؟ الجميع تفرج على هذا المنظر بعيون عمياء وشفاه ألصقها الخوف بأقوى لاصق في العالم»، (الحياة: 24-12-2016.)

تحولت سوريا إلى «ملطشة» إقليمية تتحارب على أرضها كل القوى المحلية والدولية، ويقتل آلاف السوريين بأبشع الطرق وتتحول مدنها وقراها وحقولها إلى خرائب، ولا يرحم المتقاتلون والمخربون حتى مستشفياتها. باتت سوريا، كما تقول الباحثة في مركز الأهرام صافيناز محمد أحمد، أقرب إلى نموذج «الدولة الساحة» التي أصبحت مسرحا لصراع القوى الإقليمية والدولية.

«الوجود الإيراني عبر ميليشيات الحرس الثوري والميليشيات اللبنانية والعراقية، التي تدين بالولاء لإيران، والوجود الروسي الذي دخل عامه الثاني، لتصبح ساحة الصراع السوري مفتوحة على جميع الاحتمالات التي تختلط فيها الأوراق الإقليمية بالدولية، ويجعل من عملية التنبؤ بمستقبل ذلك الصراع عملية غاية في الصعوبة، وليصبح بلا حسم سياسي أو عسكري». (السياسة الدولية، يناير، 2017). المعارضة بشقيها العسكري والسياسي تعاني أوجه قصور في حالة انقسام لأسباب ذاتية أو لارتباطاتها الخارجية.

المسار الحالي للصراع السوري في رأي المحللين «مرشح للاستمرار»، إلى حين دخول متغيرات جديدة في معادلة الصراع من الجانب الدولي تحديدا والتي يتمثل أهمها في الإدارة الأمريكية الجديدة.

وقد يستعيد الجانب الإيراني الكثير من قوته إن صح ما تقوله الصحف من أن «إيران تهيمن على ملفات الرئيس «ترامب» في المنطقة»، كما أوردت صحيفة الجريدة في الكويت، 05-04-2017، وأضافت أن هناك مساع خليجية تهدف أساسا إلى «اقناع الرئيس الروسي بالابتعاد عن إيران، عبر تقديم كثير من الحوافز والتسهيلات، غير أن تصاعد الجدل حول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية لمصلحة ترامب جمد كل اللقاءات التي كان يفترض أن تتواصل، في وقت تحدثت أوساط أمريكية عن خطأ الاعتقاد بأن بوتين سيغير صداقاته وشراكته مع إيران، أحد أهم حلفائه في المنطقة».

ما الذي جرى حقا للشيخ السوري الذي كاد أن يفقد بصره ثمنا لنجاح «مسيرة تأييد؟» لا أدري!

يقول الكاتب عبد الباسط سيدا في الحياة، 08-11-2016: كان السوريون على دراية تامة منذ اليوم الأول للثورة، بصعوبة مهمتهم، وكانوا على يقين بأن النظام محمي عبر شبكة من العلاقات والمصالح الإقليمية والدولية، وله موقعه المهم في خريطة التوازنات والحسابات الإقليمية والدولية. لذلك كان الشعار المعبر «يا الله مالنا غيرك يا الله». فقد جسد هذا الشعار معاناتهم وعذاباتهم على مدى عقود مظلمة من حكم استبدادي فاسد، سطح العقول والضمائر».

المصدر: صحيفة الأيام الكاتب: خليل علي حيدر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ