بوتين في سورية... ضحيّة أوباما
بوتين في سورية... ضحيّة أوباما
● مقالات رأي ٨ أغسطس ٢٠١٦

بوتين في سورية... ضحيّة أوباما

هل روسيا ضحية سياسة تقوم على عنجهية أوقعها فيها باراك أوباما من حيث لا يدري؟ يصح طرح مثل هذا السؤال بعد معركة حلب التي لا تزال مستمرّة.

يظهر، اقلّه الى الآن، ان حلب ليست مدينة يمكن احتلالها بسهولة بمجرد وجود ميليشيات شيعية تابعة لإيران مثل «حزب الله» تشارك في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس الّا. تساند هذه الميليشيات ما بقي من قوات تابعة للنظام السوري، تتشكل في معظمها من مجموعات من «الشبيحة» الذين يعملون كمرتزقة في خدمة اشخاص مستفيدين من النظام يمتلكون امتيازات كبيرة منذ سنوات طويلة.

اعتقد فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف ان سلاح الجوّ الروسي كفيل بقلب المعادلة في حلب، خصوصا في ظلّ حال الارتباك التي تمرّ فيها تركيا. لذلك، نجد الطائرات الروسية تشارك في الحملة على حلب، وهي حملة تشمل دك احياء في المدينة والقرى والبلدات المحيطة بها بهدف نشر الرعب في صفوف المدنيين خصوصاً. لا فارق بين مدني وعسكري بالنسبة الى الطيار الروسي الذي لا يعرف لماذا يشارك بلده في حرب تستهدف شعباً بكامله. كل ما يبحث هذا الشعب عنه منذ ما يزيد على نصف قرن، أي منذ وصول حزب البعث الى السلطة في العام 1963، تمهيداً لقيام النظام العلوي، هو بعض من كرامة وحرّية.

من بين الحسابات الخاطئة التي قامت بها روسيا الاستخفاف بتركيا واهمّية حلب بالنسبة اليها، وذلك بغض النظر عن من يحكم تركيا. هل من يحكم رجب طيّب اردوغان ام غيره. عندما تجد تركيا انّها مهددة انطلاقا من سورية، من حلب تحديدا، ليس امامها سوى التدخل. نسيت موسكو ان تركيا تدخلت في سورية قبل وصول اردوغان الى السلطة وذلك عندما أجبرت النظام على التخلي عن الزعيم الكردي عبدالله اوجلان أواخر تسعينات القرن الماضي. كان العسكر يتحكمون وقتذاك بالقرار التركي. كان كافيا توجيه انذار الى حافظ الأسد، كي يفهم بشّار الأسد، الذي لم يكن بعد رئيساً، ان لا خيار آخر غير التخلي عن اوجلان بالتي هي احسن...

امّا في ما يخص معركة حلب الدائرة حاليا، فهناك نقطتان فاتتا بوتين ووزير خارجيته. الاولى مدى اهمّية حلب لتركيا والأخرى استعداد الشعب السوري لتقديم التضحيات والقتال حتى آخر رجل وطفل.

وجدت تركيا نفسها، قبل المحاولة الانقلابية الأخيرة على اردوغان، مجبرة على الاعتذار من موسكو. كذلك اعادت تركيا العلاقات مع إسرائيل الى طبيعتها بعدما اكتشفت ان ليس في استطاعتها لعب الورقة الفلسطينية، كما تفعل ايران، على الرغم من الرابط الاخواني القائم بينها وبين «حماس».

لم تكن لدى الروسي، وقبله السوفياتي، حسابات دقيقة في الشرق الاوسط، خصوصاً في سورية. كلّ من راهن على ان حلب لقمة سائغة ارتكب خطأ كبيرا. لا لشيء، سوى لانّ في حلب وحولها آلاف المسلّحين الذين يدافعون عن وجودهم وعن ارضهم. المسألة بالنسبة الى هؤلاء مسألة حياة او موت. لا يريد الروسي، ومعه الايراني، اخذ علم بان هناك رفضا كليا من اهل حلب والمناطق المحيطة بها والقريبة منها للنظام العلوي الذي ارتكب منذ أواخر سبعينات القرن الماضي سلسلة من المجازر في حق هؤلاء تحت ذرائع شتى. كان الهدف دائما تطويع اهل حلب والمناطق المجاورة لها، وصولا الى دير الزور البعيدة عن المدينة. لن ينجح الروسي في ممارسة هذه المهمّة من الجو. لن ينجح الايراني حيث فشل النظام الذي اعتقد في مرحلة معيّنة، بعد اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، ان اهل حلب تعلموا من تجارب الماضي القريب دروسا في الانصياع لا يمكن ان ينسوها يوماً. ليس الاستخفاف بتركيا واهمية حلب بالنسبة اليها، فضلا عن مدى الجهل بالسوريين، ما أوصل روسيا الى ان تصبح عدوّاً للشعب السوري. هناك عامل في غاية الاهمّية يمكن ان يكون اغرى موسكو في الذهاب بعيدا في مغامرتها السورية والرهان على استغلال نظام الأسد بحثا عن موقع على خريطة الشرق الاوسط. هذا العامل هو العامل الاميركي. اعتبر بوتين، ومعه ايران، ان إدارة أوباما فرصة لن تتكرر. سلّمت هذه الإدارة العراق كلّيا لإيران واعتبرت ان الملف النووي الايراني يختزل كلّ مشاكل الشرق الاوسط. راعت إدارة أوباما الاطماع الايرانية في سورية الى ابعد حدود. تجاهلت ماذا يعني وجود ميليشيات مذهبية تابعة لإيران في سورية ومدى الخطر الذي يمثله «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الايراني، على وجود بلد مثل لبنان صار معزولا عن محيطه العربي.

اغرى الاميركي، الروسي. لا شكّ ان نقطة التحوّل كانت في مثل هذه الايّام من العام 2013 عندما استخدم الأسد السلاح الكيميائي في التعاطي مع السوريين. نسي أوباما، وقتذاك، انّه كان وضع «خطا احمر» لرئيس النظام السوري. اقتنع بنصائح بوتين الذي اقترح عليه الاكتفاء بنزع مخزون السلاح الكيميائي السوري وعدم توجيه ضربة عسكرية الى النظام.

مذ ذاك التاريخ، زاد التورط الروسي في سورية وصولا الى إقامة قاعدة في حميميم قرب اللاذقية تستخدم لشنّ غارات على فصائل مسلّحة سورية وعلى مواقع مدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، لابقاء الأسد في دمشق. اذا كان من نتيجة لهذه السياسة الأميركية، فانها تتلخص بدفع الروسي والإيراني الى المزيد من التورط في سورية... وهو تورط ليست إسرائيل بعيدة عنه ما دامت «الخطوط الحمر» التي وضعتها موضع احترام روسي وايراني. وعندما يحصل خرق لأيّ «خط احمر» تضرب إسرائيل ما تعتبره هدفا لها، من دون ان تجد من يردّ عليها.

سهلت إدارة أوباما على بوتين السقوط في المستنقع السوري. لن يفيد في شيء اكتشاف الرئيس الاميركي أخيرا انّ سورية «سببت له الشيب» وانّ لا حرب ناجحة على «داعش» والارهاب من دون التخلص من النظام السوري الذي قارن حصاره لحلب بحصار الجيوش للمدن «في القرون الوسطى».

يبقى سؤال واحد. ماذا سيفعل الرئيس الروسي في حال طرأ تغيير، ولو نسبي، على سياسة أوباما تجاه سورية وذلك خدمة للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون؟

ثمّة مؤشرات الى احتمل حصول تغيير ما في الموقف الاميركي في اتجاه مزيد من التشدّد حيال كلّ ما له علاقة بسورية في الأسابيع القليلة المقبلة.

هل يمتلك بوتين من الشجاعة ما يكفي للاعتراف بان روسيا، ذات الاقتصاد الهشّ، ليست سوى نمر من ورق؟ كلّ ما تستطيع روسيا عمله، حتّى عندما كان الاتحاد السوفياتي في عزّه، هو التدمير وليس البناء. على من يريد بالفعل دليلا على ذلك، العودة الى التعاطي الروسي مع سورية منذ ما قبل حرب 1967 والكوارث التي أدت اليها وصولا الى السكوت عن كل ممارسات حافظ الأسد في سورية ولبنان، وصولا الى ما نشهده حالياً من تفتيت لسورية نفسها بعدما صارت مستعمرة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك...

المصدر: صحيفة الرأي الكاتب: خير الله خير الله
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ