تجميد سوريا بحسب دي ميستورا
تجميد سوريا بحسب دي ميستورا
● مقالات رأي ١٦ ديسمبر ٢٠١٤

تجميد سوريا بحسب دي ميستورا

بينما يسعى المبعوث الدولي إلى سوريا "ستفان دي ميستورا" للحصول على موافقة محلية ودولية على خطته القاضية بتجميد الوضع في حلب أولاً، يركز النظام عملياته العسكرية لمحاصرة المدينة، ويهمل نقاطاً كانت تُعدّ إستراتيجية إلى وقت قريب، مثل معسكري الحامدية ووادي الضيف في محافظة إدلب. في اللغة السائدة، سيكون من حق النظام تحسين شروطه على الأرض قبل التجميد، فيما لو تم الأخير. وفي المزاج الدولي السائد، لا يوجد اكتراث حقيقي إزاء مصير المدينة، والإدارة الأميركية وحلفاؤها المقرّبون في الحلف ضد داعش سبق لهم تجاهل التحذيرات الفرنسية والتركية في ما خصّ هجوم قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها على المدينة.

لكن الأهم، بحسب ما تسير عليه خطة دي ميستورا، أن مفاوضات التجميد أيضاً ستستغرق وقتاً، تقدّم فيه كل الأطراف المنخرطة في الصراع "داخلياً وخارجياً" تحفظاتها على الخطة، ومن ثم يُصار إلى تعديلها لإرضاء كافة الأطراف، الأمر الذي يبدو عسيراً جداً، إن لم يكن مستحيلاً. من هذه الناحية، وعلى فرض سير الخطة بعد تعثّر في العديد من المحطات، ستكون هناك معارك ضارية في أكثر من موقع سوري بغية اكتساب ما يمكن اكتسابه قبل تنفيذ الخطة هناك، لأن خطة "حلب أولاً" في أحسن حالاتها لا تطمح إلى وقف عام متزامن لإطلاق النار، بل تحلم أن تصبح حلب نموذجاً مشجعاً في ما بعد للمناطق الأخرى، من خلال حوافز دولية تُقدّم للنظام والمعارضة معاً.

المبعوث الدولي، بموجب حديث أدلى به لجريدة الحياة اللندنية، يراهن أيضاً على قرار "بسيط" من مجلس الأمن يدعم خطته. تفسير كلمة "بسيط" هنا لا يحتاج إلى نباهة، فالمطلوب هو قرار لا يحمل صفة الإلزام، ولا ينطوي على عقوبات رادعة، وبالتأكيد لن يكون تحت الفصل السابع. وإذا استعرضنا العتبة المتدنية من التوافق الدولي حول سوريا، فلعلّ أعلى ما يمكن أن يتمخض عنه مجلس الأمن هو بيان رئاسي يدعم خطة دي ميستورا، وليس مستبعداً أن تصر روسيا على تضمينه عبارة تدعم جهودها "الخاصة" للحل في سوريا، وليست مستبعدة في المقابل تلبية الغرب الطلبَ الروسي، طالما أن الغرب غير معني بتلك الجهود، وطالما أنه مقتنع بفشلها.

يروّج دي ميستورا لخطته بأنها تسير من تحت إلى فوق، بعد فشل سلفه الإبراهيمي في جنيف2 القاضي بالحل من فوق، غير أن الأقرب إلى الواقع هو أنه لا يسير عكس سلفه، بل يستلهم "غزة وأريحا أولاً"، رغم إصراره على عدم وجود نوايا تقسيمية في الخطة. لننحِّ جانباً الإطار السياسي لاتفاقية أوسلو، فـ"حلب أولاً" تتقاطع مع البنود التنفيذية للاتفاقية من جوانب عديدة، أولها إيلاء أهمية قصوى للواقع الاقتصادي، وعزله مؤقتاً عن المعضلة السياسية الكبرى، ومن ثم انتظار أن يؤدّي الانتعاش الاقتصادي المأمول على الجانبين إلى نتائج سياسية. بالطبع هذا لا يعني تجاهلاً لقضية الأمن والأمان التي باتت أولوية قصوى لدى شريحة متزايدة من السوريين، لكن البدء بحلب وانتظار ما ستسفر عنه التجربة، في حال تطبيقها، يعني مرة أخرى عدم الاكتراث بمعاناة ملايين السوريين الذين سيبقون حتى إشعار آخر تحت قصف قوات النظام، وتحت حصارها المعنون بـ"الجوع أو الركوع".

إننا، بدقة أكبر، أمام "عملية تجميد". الفارق بين التجميد وعملية التجميد هو كالفارق بين عملية سلام واتفاقية سلام. وكما كانت اتفاقية أوسلو مجرد بروتوكول تمهيدي لعملية شاقة، لم تنتهِ خلال عقدين ولا يُعرف متى تنتهي، كذلك هي عملية التجميد المعرّضة للتعثّر أو التعنت أو التراجع عند أي تفصيل، ما دامت الخطة المسرّبة لا تضع إطاراً زمنياً حاسماً للمناطق السورية كلها، وما دام الإطار الزمني الذي يخص حلب ذاتها قيد النقاش، القابل بدوره للتسويف والنسف في أية لحظة. يُذكر هنا أيضاً أن إسرائيل أفرغت عملية أوسلو من محتواها الوطني العام عندما تمكنت من فرض بروتوكولات خاصة ببعض المناطق، الخليل مثالاً، الأمر الذي ليس بمستبعد في سوريا أيضاً، حيث قد يطالب النظام بالأخذ بخصوصية كل منطقة على حدة. وإذا كان المبعوث الدولي ينفي النوايا التقسيمية عن خطته فإن تحويلها إلى مجموعة من الحالات المتمايزة قد يقضي على البعد الوطني العام.

يحتاج السوريون حلاً جذرياً سريعاً، ذلك ما لا تتوفر النية من أجله لدى المجتمع الدولي الذي يمثّله دي ميستورا، وربما كان انطلاقاً من هذا يسعى إلى "تجميد سوريا" في انتظار لحظة الحل. غير أن المنطق الذي ينصّ على كون الحرب أداة سياسية يعني عدم القدرة على إحلال السلام ما لم يكن هناك اتفاق مبدئي بين الأطراف المنخرطة في الصراع، إلا إذا جرى التوافق على التجميد كنوع من استراحة للمحاربين ليس إلا، وما لم تُؤيّد خطته بقرار قوي، لا بسيط، من مجلس الأمن فإن الاحتمال الأخير هو الأقوى.

أطرف ما يقوله المبعوث الدولي هو أن تفسير جنيف متروك للسوريين، ما يعيد إلى الأذهان العرض الذي قدمه وفد النظام في جنيف2، ورفضه التام لأي بحث في المرحلة الانتقالية. على أية حال، وفق منطوق دي ميستورا الحذر، يجوز لنا التمسك بتشاؤم العقل، ما دام هو نفسه لا يمتلك تفاؤل الإرادة، وما دام يبدو سورياً أكثر مما يجب بقوله "لا أحد يقدّم ضمانات سوى الله، وأنا مؤمن بالله"!

المصدر: المدن الكاتب: عمر قدور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ