تجميد سوريا
تجميد سوريا
● مقالات رأي ٩ ديسمبر ٢٠١٤

تجميد سوريا

قد تكون الأفكار التي يروجها المبعوث الدولي لسوريا دي ميستورا، بشأن الأزمة، محبطة في واقعيتها وبراغماتيتها الشديدة، بشأن تجميد الأزمة، كما يقال، عند خطوط القتال الحالية، لإعادة الحياة إلى طبيعتها، ثم الانتقال بعد ذلك إلى البحث عن حل سياسي، لكنها قد تكون الخطة الواقعية المتاحة حاليا، رغم ما قد تسببه من إحباط للمعارضة السورية التي شاركت في مؤتمري «جنيف 1» و«جنيف 2» على أمل التوصل إلى اتفاق يتيح حلا يقوم على تغيير النظام.
خطة تجميد الأزمة لا تقدم أفقا سياسيا واضحا إلى الأمام أو طريقا يبدو له آخر، وإنما هي تكريس الأمر الواقع الحالي حيث لا يستطيع طرف أن يقلب الطاولة على الآخر، والبناء على نظرية تقليص الخسائر ووقف النزيف لأن استمرار القتال ليس له نتيجة سوى سقوط المزيد من القتلى وحدوث المزيد من الدمار دون حسم ما لم يحدث تغيير جذري في المعطيات الدولية والإقليمية الحالية وتدفقات السلاح والدعم للجانبين.
لكن المشكلة في سوريا أصبحت أن الخيوط فيها باتت شديدة التعقيد، وبدت أنها خرجت عن السيطرة، فخطوط القتال تتحول شيئا فشيئا إلى مواجهة بين جانبين أسوأ من بعضهما، ميليشيات تابعة لتنظيمات شديدة التطرف وتصدر الإرهاب إلى المنطقة كلها، وقوات نظام مسؤول عن تعقد الأزمة إلى هذا الحد، في حين أنه لو كان استخدم أساليب سياسية في التعامل مع المحتجين واستجاب لطلباتهم منذ بداية الانتفاضة لم تكن الأمور لتصل إلى هذا الحد.
تعقد الخيوط لم يعد يقتصر على الأرض، فقد انتقل إلى الجو، حيث أصبحت هناك في آن واحد غارات للنظام والتحالف، ودخلت أخيرا إسرائيل على الخط، بينما الأطراف المتعاملة مع الأزمة نقاط الاختلاف بينها أكثر من نقاط الاتفاق، وخاصة بالنسبة إلى تركيا التي يوجه رئيسها كل فترة تقريعا إلى واشنطن لأنها لا تستجيب لطلباته في فرض منطقة حظر جوي.
وهنا يجب ملاحظة الفارق الكبير في الخطاب المستخدم والأفكار المطروحة قبل عامين والآن، وهو أمر لو درسته كل الأطراف المعنية أو المتداخلة في الأزمة السورية، بما فيها المعارضة نفسها، فإن ذلك قد يكون بداية الحل، لأنه كما يبدو فإن ما كان مطروحا في المرحلتين اللتين قادتا إلى «جنيف 1» و«جنيف 2» استندت كما يبدو إلى معطيات وتصورات خاطئة. وكما هو واضح، فإن أكبر خطأ حدث هو أنه في البداية كان في مخيلة كثيرين في المعارضة السورية، أو إقليميا، سيناريو شبيه بتدخل الناتو في ليبيا بما يمكن من قلب الموازين على الأرض بشكل سريع نحو انتصار عسكري حاسم، وهو أمر لم يحدث، كما أن نظام القذافي لم يكن لديه شبكة حلفاء مستعدين لتقديم الدعم والسلاح لأكثر من ثلاث سنوات كما حدث في تلك الأزمة.
كل ذلك أصبح تاريخا، وأصبحنا نواجه بمشكلة ينظر إليها العالم على أنها خطر إرهابي يحتاج إلى مواجهة شاملة لدرء أخطاره، بما في ذلك تدريب فصائل من المعارضة المعتدلة لمواجهته، وكذلك مشكلة لاجئين أصبحت تئن تحت وطأتها دول الجوار بعد وصول أرقام اللاجئين إلى ملايين، خاصة في دولة صغيرة مثل لبنان، ونضوب موارد وكالات الإغاثة والإعاشة التي تحتاج إلى تدفقات مالية مستمرة من أجل إعاشة اللاجئين.
وفي الحالتين فإن أساليب المعالجة لا تقدم حلا نهائيا، فقد تستمر الغارات لسنوات في مواجهة شبح الإرهاب الذي يستخدم أساليب حرب العصابات والفراغ الأمني في المناطق التي يتحرك فيها، والحالة اليائسة للسكان، بينما أسوأ وضع يمكن أن يتعرض إليه الإنسان هو أن يصبح لاجئا في مخيم في بلد آخر دون أن يعرف ما إذا كان سيستطيع أن يعود يوما ما إلى منزله وبلده، ويتحول شيئا فشيئا إلى عبء على الآخرين، وفي مثل وضع كهذا يكون الوصول إلى حل سياسي يقلص خسائر البلد والشعب أمرا ملحا، وربما قد تفتح أفكار التجميد الطريق لمثل هذا الحل.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: علي إبراهيم
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ