تحولات تنظيم «القاعدة» في سورية: انشقاق «النصرة» احتمال... والسبب تركيا
تحولات تنظيم «القاعدة» في سورية: انشقاق «النصرة» احتمال... والسبب تركيا
● مقالات رأي ٢٥ فبراير ٢٠١٥

تحولات تنظيم «القاعدة» في سورية: انشقاق «النصرة» احتمال... والسبب تركيا

منذ أشهر بدأ الحديث عن الإمارة الجديدة التي تسعى إليها «جبهة النصرة» (فرع تنظيم القاعدة في سورية)، وخطورة سيطرتها على الأراضي التي توسّعت فيها أخيراً، إلا أن الأحاديث في تركيا تقلّل من أهمية هذا الموضوع، وليبدأ، منذ أكثر من شهر، وتحديداً مع اقتراب موعد اختيار رئيس جديد للائتلاف، الترويج أن «النصرة» ستفكّ ارتباطها بـ «القاعدة» تماماً، حتى أن قادة عسكريين لفصائل سورية أكّدوا هذه النية، وتحدثوا عن أن الموضوع قاب قوسين أو أدنى.

منذ ظهور اسم أبو محمد الجولاني، وهو مرتبط بأجندة «القاعدة» التي كانت تحلم بأن تطأ أرض الشام وتتوسّع إلى هُناك. فعلى رغم الشعارات التي أطلقها الثوار في أواخر 2011 عن رفضهم خطاب أيمن الظواهري، والنصائح التي قدّمها الى الثوار بأن يتنبهوا الى الوقوع في شرك أميركا، إلا أن الظواهري أشار إلى فرع العراق بإرسال بعض القادة لتشكيل ما يُسمى «جبهة النصرة». ترافق هذا الأمر مع إطلاق بشار الأسد بعض القادة المهمّين والعديد من الإسلاميين الذين كانوا في سجونه، وانسحابه من معابر حدودية ومناطق جغرافية عدّة في الشمال السوري على وقع ضربات «الجيش الحر»، الذي كان يشكّل تحدياً حقيقياً لشرعية الأسد في السيطرة العسكرية على سورية. فالحاضنة الشعبية للجيش الحر في غالبية المناطق السورية كانت كبيرة، بالإضافة إلى أن قادته كانوا محليين ويتمتعون بسمعة جيدة بين الأهالي وممن خرجوا في بدايات الثورة للمطالبة بالحقوق وتحقيق أهداف الثورة وحماية تظاهراتها.

تقلّبت المشاريع الجهادية خلال عامين على الساحة السورية، وتباينت فصائلها على رغم أن السمة الأوضح لقاداتها أنهم سجناء سابقون في سجن صيدنايا، لتنتقل اختلافاتهم الفكرية في الزنزانة إلى خلافات تمنع توحيدهم ضمن منظومة واحدة. وتشابهوا إلى حدّ كبير، فلم يطرح أي منهم رؤية مختلفة، وانحصر الاختلاف فقط في الراية واسم القائد وتمركز كل فصيل منهم في منطقة جغرافية محددة يسيطر عليها بشكل شبه كامل. ولكن بقيت «جبهة النصرة» مميّزة عنهم عبر إعلانها الارتباط المباشر بتنظيم «القاعدة» بقيادة الظواهري. وسرعان ما أُجبر التنظيم على أن يكون جزءاً من اللعبة السياسية الكبيرة في سورية، بخاصة بعد تدويلها وارتباطها بشكل مباشر بأهواء الدول المعنية، لتكون جماعة «القاعدة» في سورية ضمن محور تركيا - قطر، الذي لم يكن جلياً لولا الضغط الأميركي على تركيا بوجوب وضع «جبهة النصرة» في قائمة الإرهاب التركية مقابل ألا تضع أميركا فصائل سورية جديدة (محسوبة على تركيا) على قائمتها للإرهاب. وفعلاً، قامت تركيا بذلك وما لبثت أن أزالتها بعد فترة، لتعمل «جبهة النصرة» بفاعلية أكبر ووضوح أكثر ضمن الأجندة التركية.

تغيرت آلية عمل «النصرة» في سورية بعد هذا الحدث، إذ كانت تعتمد في البداية على خلايا صغيرة متوزّعة على كامل الجغرافيا السورية، مع عمليات نوعية تشارك فيها فصائل أخرى. لتتحوّل استراتيجية عملها العسكرية إلى تبني معارك ضد الأسد لنفسها فقط، وفي حال المشاركة مع فصائل أخرى كانت تعمد الى تغييب هذه الفصائل إعلامياً. أما ميدانياً، فقد عمدت إلى السيطرة على الشريط الحدودي بين تركيا وما يسمى بالمناطق المحررة. فشمالاً، اعتمدت على سيطرة تنظيم «جيش محمد» الذي كان متحالفاً مع «داعش»، ليعلن انتماءه الى «النصرة» عقب اشتباكات الجيش الحر مع «داعش» في بدايات العام المنصرم. وفي الشمال الغربي، قادت حملة استهدفت العابثين والمفسدين كما زعمت، لتسيطر على الشريط الحدودي في محافظة إدلب من المنطقة بجوار باب الهوى إلى حارم فدركوش، وصولاً إلى نقطة الالتقاء مع محافظة اللاذقية. أما في اللاذقية، فالسيطرة مشتركة مع الكتائب المحلية. وعقدت النصرة تحالفاً قوياً مع الفصائل المسيطرة على المنافذ الحدودية الرسمية في سورية مع عدم رغبتها في السيطرة المباشرة هناك، فيما يُعتقد أنه قد يُحرج تركيا في حال تم ذلك بسبب وجود «النصرة» على قائمة الإرهاب الأميركية.

انتقلت بعدها «النصرة» إلى التوسّع داخل «المناطق المحررة». ففي عمق محافظة إدلب، قامت بطرد فصائل سورية وتدميرها، وذلك عبر اتهامات مختلفة. ولم ترضَ أن تكون هناك مشاركة لكتائب محلية، فعملت على أن تكون الفصيل الوحيد المسيطر فيها ضمن تحالفات معيّنة مع فصائل أخرى، كـ «أحرار الشام» و»صقور الشام»، مقابل أن تلتزم ضمن مناطق سيطرتها وتتعاون قضائياً وعسكرياً مع «جبهة النصرة». أما في محافظة حلب، فقد تحالفت «النصرة» مع فصائل «الجبهة الإسلامية»، التي اتحدت لاحقاً مع فصائل جديدة تحت مسمى «الجبهة الشامية»، ضمن حملة محاربة المفسدين، ولكنها استهدفت فصائل خرجت عن قيادة «الجبهة الإسلامية» المتمثلة بأميرها عبد العزيز سلامة، والتي كان يُطلق عليها محلياً «لواء التوحيد - فرع مارع».

في حال إعلان الجولاني انفصاله عن «القاعدة» كما يروّج، سيكون هذا ثاني انشقاق لأكبر أذرع «القاعدة» دولياً، بعد انشقاق البغدادي وإعلانه «دولة الخلافة»، وسيتكرر سيناريو أنه عندما يشعر أحد أمراء «القاعدة» بأنه يحكم أرضاً ويملك مقومات دولة، فإنه مستعدّ للتخلي عن بيعته «القاعدة»، على رغم أن الجماعات الجهادية تعتبر نقض البيعات كالردة أحياناً وعقوبتها تصل الى القتل.

ستبقى قصة انفصال «النصرة» عن «القاعدة» ضمن دائرة الإشاعات، طالما لم تصدر بشكل رسمي وطالما بقي اسم «القاعدة» على رايات «جبهة النصرة» في سورية. ولكن في حال حدوثها، ستطرح كثيراً من التساؤلات عن مستقبل الفصيل والدور الذي سيؤديه في الساحة السورية، وهل من الممكن أن يشارك في الجانب السياسي بشكل مباشر؟ أم سيقتصر دوره على تحقيق المصالح المشتركة المتقاطعة مع الحليف التركي؟
تركياتحقيقاتتنظيم القاعدةسورياجبهة النصرة

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: محمد نسر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ