"ترامب" .. والثورة السورية..
"ترامب" .. والثورة السورية..
● مقالات رأي ١٠ نوفمبر ٢٠١٦

"ترامب" .. والثورة السورية..

فاز "ترامب"، وأذهل المحللين، وفاجئ استطلاعات الرأي، وراحت الأقلام تعتصر المداد لتفسر هذه النتيجة غير المتوقعة، وتوالت ردود الأفعال ما بين مندّد ومرحّب، لكن على كل الأحوال فقد أضحت رئاسته للولايات المتحدة أمراً واقعاً، ولذا فلا عجب ان اهتمت كثير من الحكومات والشعوب بهذا الحدث، نظراً لما قد يترتب عليه من تغير في سياسة أكبر وأقوى دولة في العالم، بالموازين الدولية.

ما يهمنا في الموضوع هو تخوّف كثير من الشعوب، ومنها الشعب السوري، من تصريحات "ترامب" التي رافقت حملته الانتخابية، والتي حفلت بالتهديد والوعيد بتغيير السياسات الأمريكية تجاه الحلفاء، وإلغاء الاتفاقيات، والتخلي عن الالتزامات.

ونحن هنا لسنا في صدد قراءة تفاؤلية مثالية لوصول "ترامب" للحكم، فهذا مستبعد وغير واقعي، لكننا أيضاً لسنا في طور الاستسلام للقراءة اليائسة البائسة التي صدّقت كل ما تم ترويجه خلال الحملة الانتخابية، عن مشاريع "ترامب" لما بعد الفوز، مما يمكن أن يقضي على ثورتنا، ويهدم آمال شعوبنا العربية والإسلامية.

المتابع للحملات الانتخابية عادة، يرى الفارق الشاسع بين ما يتم إطلاقه من وعود، وبين ما يتم تحقيقه من إنجازات، وكثيراً ما تغنى المرشحون بمشاريع وإنجازات تبهر الناخبين، تبين فيما بعد أنها أحلام سيقت لكسب الأصوات.

لكن اللافت هذه المرة في تصريحات "ترامب" أنه أضاف للوعود التقليدية التي تتحدث عن تحسين ظروف العمل، وخفض نسبة البطالة، وتحسين صورة البلاد، وزيادة الدخل وغيرها، تصريحات أثارت الجدل والتخوف عند كثير من الدول والشعوب، منها داخلية تتعلق بمنع دخول المسلمين إلى بلاده، وبناء جدار عازل على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، لمنع وصول أي مهاجر إلى الولايات المتحدة، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ومنها ما يتعلق بالسياسة الخارجية كجعل دول الخليج العربي تدفع أموالا مقابل تقديم الحماية الأمريكية لها، والقضاء على حزب الله اللبناني، والتهديد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وغير ذلك.

وبالنظر إلى ما تتطلبه هذه التصريحات كي تصبح واقعاً ملموساً، فإن المنطق يرى فيها تصادماً وتناقضاً واضحاً، فلا يمكن لأي دولة أن تحسّن صورتها في العالم عن طريق إذلال الدول الأخرى والانتقاص منها والتعالي عليها، كما لا يمكن التخلي عن التحالفات والشراكات التي هي سمة الدول المتطورة ورأسمال دخلها القومي، ولا يمكن الدخول في صراع مع إيران دون التحالف مع الدول العربية، والخليجية منها خاصة، التي يتم تهديدها بدفع أموال لحمايتها، كما أن أعادة عظمة أمريكا لا يكون بترك المجال لروسيا كي تعيد أمجادها في العالم على حساب نفوذ أمريكا.

كما أن هذه السياسات المفصلية لا يمكن أن تكون متروكة لأي رئيس منتخب في دولة مؤسسات، إنما تساهم في صناعتها مؤسسات وهيئات مهمةٌ مثل: مجلس العلاقات الخارجية ومجلس الأمن القومي والبنتاغون والمخابرات ومجموعات الضغط وغيرها..

وعليه فيمكن لنا قراءة هذه التصريحات على أنها استعراضات انتخابية، سرعان ما ستصطدم بالواقع، لتبدأ بالتلاشي والتغير، ولا يبقى منها إلا ما هو مقرر في ثوابت السياسة الأمريكية المعروفة، مع بعض التعديلات المتضمنة لقرارات قد تكون مؤجلة لم يمتلك سلفه القوة لإنجازها في آخر ولايته.

وقد بدأت بوادر هذا التغير عقب فوزه مباشرة، فقد ظهر في خطاب الفوز مختلفاً عن الخطابات السابقة، حيث خلا خطابه من العنصرية والتهديدات، كما تم مسح كلامه الخاص بمنع المسلمين من دخول أمريكا، فيما برر مستشاره "وليد فارس" تلك التصريحات السابقة، بأنها قد فُهمت بشكل خاطئ، فهو قد قصد منع دخول الجهاديين والتكفيريين.

ولن يكون الملف السوري مختلفاً عن الملفات الأخرى، فالمتابع للتصريحات التي أطلقها بشأن الملف السوري، يرى فيها تطميناً للأسد بأنه لن يشن حرباً عليه، وأنه سيركز جهوده على محاربة تنظيم الدولة، كما أنه قدم انفتاحاً ملحوظاً تجاه روسيا حليفة الأسد، والتي تقدم له دعماً كبيراً عبر غطائها الجوي الذي يتركز على قصف الفصائل الثورية.

لكن في ذات الوقت يرى فيها تهديداً لإيران، وحزب الله اللبناني حلفاء الأسد أيضاً، والذين يقدمون له الدعم الكبير بالميليشيات الطائفية التي تقاتل على الأرض ضد الثوار.

فيما يضيف موافقته ودعمه لإنشاء منطقة آمنة في سورية، تتحمل الدول الخليجية وألمانيا تكلفتها، لحماية اللاجئين.

لكن من المرجح أن يكون "ترامب" منشغلاً في المراحل الأولى من توليه الرئاسة للملفات الداخلية، وألا يحدث فارقاً كبيراً في إدارة الملفات الخارجية، التي تتحكم فيها وزارة الدفاع والأمن القومي.

ويمكن لنا أن نقرأ ذلك في تصريحات وليد فارس مستشار "ترامب" التي قال فيها: "إن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من حزب الله لن يختلف عن موقف الإدارة الحالية، وأضاف :"لنكن واقعيين، ترامب لن يعمل من يومه الأول من عهده على الملف اللبناني، ولكن سيعمل على تسليط الضوء على الشرق الأوسط وعلى لبنان وسورية".

لكن هذا الانشغال هو غاية ما يطمح إليه "بوتين" من أجل المضي في تصعيده تجاه فصائل الثورة السورية، خاصة في مدينة حلب، مستغلاً انصراف الإعلام والرأي العام الدولي، لمتابعة نتائج ما أفرزه فوز "ترامب" في الانتخابات، ومستفيداً من وعود تحسين العلاقات مع أمريكا التي كان يرى في إدارتها السابقة شريكاً غير متعاون في القضاء على الإرهاب الذي يشمل فصائل الثورة في نظره.

يرى بعض السوريين أن فوز "كلينتون" ربما يكون الأفضل، نظراً لتصريحاتها ضد الأسد، وانتقادها لتعاطي "أوباما" اللين معه، لكن في ذات الوقت تصطدم أمنياتهم بواقع مغاير، حيث لم تقدم هذه الإدارة عبر "أوباما" و "كلينتون" أي دعم حقيقي لصالح الثورة، فهي من منعت إقامة المنطقة العازلة، وحالت دون تزويد الثوار بالأسلحة النوعية المضادة للطائرات، وعلى الرغم من تصريحاتها المتكررة عن فقدان الأسد للشرعية، والخطوط الحمراء المتكررة له، فإنها لم تطبق على الأرض سوى إعطائه المهلة تلو الأخرى للتمادي في قتل السوريين، رغم تجاوزه كل تلك الخطوط الحمراء بما فيها استخدام الكيماوي.

مما يجعل غالبية السوريين غير مهتمين لفوز "ترامب" أو "كلينتون" فهم يرون فيهما السيء والأسوأ، ولعل عبارة: "فاز أبو لهب وخسرت حمالة الحطب" هي أكثر ما يعبر عن إحباط الشعب من نتائج هذه الانتخابات على كلا الحالتين.

الخلاصة: من المبكر الحديث عن تغير جذري في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه سورية، بعد فوز "ترامب"، لأن تصريحاته التي أطلقها ضمن حملته الانتخابية تفتقد إلى الواقعية، وليس بمقدوره أن يتجاوز فيها ما يتعارض مع السياسات العامة لأمريكا، وما يقرره الكونغرس ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي وغيرهم من صانعي القرار الأمريكي وراسمي سياساته الخارجية، لذا فإن هذه التصريحات ستكون عرضة لكثير من التغيير والتعديل والتصويب، كما أنه إن نفذها كاملة فإنها ستكون مضرّة بالثورة من وجه إطلاق يد روسيا بشكل أكبر في سورية، ومفيدة من وجه آخر بكفّ يد إيران وحزب الله عن مؤازرة النظام.

يبقى أن نذكّر أن هذا الشعب السوري، قد وطّن نفسه منذ بداية الثورة، على كل الاحتمالات، وعاين الخذلان الدولي والتآمر عليه بأبشع صوره، لذا فلن تضيف له هذه الحادثة "فوز ترامب" كثير قلق، لكن التحدي هو أن تنجح القيادات العسكرية والنخب السياسية بالوصول إلى الجسم الثوري المنشود، الذي يضم القيادة العسكرية والسياسية الواحدة، التي يمكن من خلالها مخاطبة العالم بشكل يليق بتضحيات هذا الشعب الثائر، وأن تنجح الفصائل بتغيير الواقع الميداني بشكل عاجل بما يغير طريقة التعاطي الدولي معها، وفي هذا الإطار لا بد لها من توثيق التعاون مع الدول الداعمة للثورة وعلى رأسها تركيا وقطر والسعودية، حيث لن يمكن لأي إدارة أمريكية أن تفرّط بعلاقتها بهذه الدول التي تشكل ثقلاً لا يمكن تجاوزه في أي قرار يتعلق بسورية.

المصدر: شبكة شام الإخبارية الكاتب: د. عبد المنعم زين الدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ