ترامب وطهران والتأييد الواعي
ترامب وطهران والتأييد الواعي
● مقالات رأي ٢٤ فبراير ٢٠١٧

ترامب وطهران والتأييد الواعي

لعل من أسوأ التداعيات على الوعي والمصالح العربية ألا يزيد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية العربَ إلا جهلاً بأميركا والتصاقاً بعقلية المؤامرة التي أوصلت ترامب إلى الرئاسة. فهو الذي يُكرر بأن على دول الخليج أن تدفع لتمويل المناطق الآمنة، ولحمايتها من تشدد إيران، إذ «ليس لدى هذه الدول إلا المال»، كما نُقل عن ترامب في خطابه في فلوريدا السبت الماضي؟!

يقود هذا إلى الأسئلة الأكثر صعوبة، فهل يكفي لتأييد ترامب بالكامل أنه يتحدث عن أن التشدد مع إيران من أولويات سياسته الشرق أوسطية؟ وهل على االدول العربية بعامة أن تُعيد صوغ سياساتها وأولوياتها وأجندتها لأنّ نجاح ترامب هو «نقطة تحوّل» في بنية النظام الدولي، أم إن عليها «الاعتصام بالحذر والحكمة والصبر الاستراتيجي وبناء عناصر القوة الذاتية الشاملة» لأنّ التقدير الأعمق هو أن نجاح ترامب «ومضة زائلة» في التاريخ الأميركي، وأنّ «أميركا الحضارة والتنوع والانفتاح والفرص وجاذبية النموذج وطريقة العيش والحرية» ستتفوق على «أميركا الانكفاء القومي والهوياتي وجهل دروس التاريخ والتبرم بقيم العصر والثقافة الكونية»؟

الجدل هنا يتعدى المفاضلة بين من يحكم على ترامب على أساس القيم والثقافة التي يحملها الرئيس الجديد ومن يحكم عليه على أساس المصالح السياسية والنزعة البراغماتية بين الدول. ولعل هذا، استطراداً، يدفع إلى الإشارة إلى التبعات السلبية لإخفاق الفكر العربي والثقافة العربية في «استدخال المصالح في دائرة القيم»، بما يجعل الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات جزءاً من المصالح الجوهرية للفرد والشعب والدولة على حدّ سواء.

وكم يخسر العرب، حين يكتفون بالملف الإيراني وتشدد ترامب تجاهه ليقولوا أن «أميركا عادت إلينا»، مع أن مصلحتهم مع أميركا تتشددُ مع نهج إيران التخريبي في المنطقة من دون أن تتخلى هذه «الأميركا» عن دفاعها عن القيم الحديثة والتنوع وبناء الجسور مع الآخرين، ومن ذلك احتضان العولمة، والمساهمة في ترشيدها وإضعاف توحشها وجعلها أكثر عدالة وأنسنة، لا في الانكفاء عنها، كما يرغب ترامب.

مُحِقّةٌ بالتأكيد الدعوة إلى مناهضة دور إيران المزعزع الاستقرار في المنطقة والداعم الإرهاب المليشيوي الطائفي، لكنّ الأجدر والأجدى ألا تكون على طريقة مناهضة موسكو أميركا ودعوتها إلى «عالم ما بعد الغرب»؛ إذ مثلما أن موسكو غير مؤهلة للحديث عن نموذج عالمي في حوزتها جاذب الآخرين، وكذلك الصين، فإنه لا ينبغي الوقوع في فخّ اكتفائنا بتشدد ترامب حيال إيران طريقاً لحبّه وغض الطرف عما قد يحمله من كارثية على مستقبل العالم... إن لم يتغير.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: محمد برهومة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ