ثورة السوريين وأساطير الفلسطينيين
ثورة السوريين وأساطير الفلسطينيين
● مقالات رأي ١٧ أبريل ٢٠١٥

ثورة السوريين وأساطير الفلسطينيين

عانى الفلسطينيون من النظام السوري كما عانى السوريون، طوال العقود الماضية، وتبعاً لذلك عانوا من بطشه بالبيئات الشعبية السورية، التي اعتبرها بمثابة بيئات حاضنة للثورة، معتبراً مخيمات الفلسطينيين جزءاً منها.

ووفق الإحصائيات الموثّقة، وخلال الأعوام الأربعة الماضية، ثمة حوالى ثلاثة آلاف فلسطيني قضوا ضحية النظام في مختلف المخيمات الفلسطينية والمدن السورية، نصفهم في مخيم اليرموك وما حوله، وضمنهم حوالى 250 شخصاً قضوا تحت التعذيب في المعتقلات، وحوالى 170 قضوا بسبب الجوع والمرض في ظلّ حصار المخيم.

في قصة فلسطينيي سورية، ثمة كثير من الادعاءات أو الأساطير التي تنطوي على الحجب والمخاتلة والتلاعب، والتي تروّجها أبواق النظام، والفصائل التابعة له، وتلك التي تدور في فلك ما يسمى بمحور «المقاومة» و «الممانعة».

معلوم أن الجبهة السورية باتت خارج الصراع ضد إسرائيل منذ أربعين عاماً، وقد تم حظر العمل الفدائي من تلك الحدود نهائياً، بل إن النظام، كما هو معروف، وسّع رقعة ضبطه للعمل الفدائي إلى لبنان، في محاولته الإمساك بالورقتين الفلسطينية واللبنانية في آن معاً، بوسائل القوة والقسر والهيمنة على الفلسطينيين واللبنانيين.

أما في الداخل السوري، وإلى محاولة النظام السيطرة على منظمة التحرير، ومنعه وجودها ونشاطات «فتح» منذ أكثر من ثلاثة عقود، ودعمه إقامة بدائل عنهما، فقد اقتصرت نشاطات الفصائل في المخيمات على إحياء مهرجانات انطلاقاتها، وعلى مجرد نشاطات إعلامية، بعد أخذ موافقة الجهات الأمنية («الضابطة الفدائية»). هكذا، فإن تشكيل نادي كرة قدم أو إقامة معرض فني أو تأسيس حضانة للأطفال، كان يحتاج الى موافقة مسبقة، علماً أن النظام كان يمنع أية مظاهر ذات طابع سياسي، ويأتي ضمن ذلك، حظره تظاهرات «يوم الأرض» التي كانت تتم رغماً عنه، وندر أن كانت تمرّ من دون أثمان.

مع اندلاع الثورة، صدرت تصريحات عدة من المسؤولين السوريين تلقي المسؤولية عما يجري على عاتق الفلسطينيين، في مخيمي اللاجئين في اللاذقية ودرعا. أي أنه من الأشهر الأولى لعام 2011، بدأ إقحام الفلسطينيين في الصراع السوري، حيث ساهمت الفصائل التابعة للنظام في ذلك بادعائها أن ما يجري مؤامرة على سورية، وعلى المقاومة، وأنها ستدافع عن النظام من منطلقات وطنية وقومية، وهو ما عبر عنه أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة.

المشكلة أن الأمر لم يتوقف عند التصريحات، إذ إن هذه الفصائل باتت تطالب بتسليح المخيمات، وإقامة لجان للدفاع الذاتي، الأمر الذي رفضته فصائل منظمة التحرير، بل إن قيادة المنظمة اتهمت جبريل بتوريط الفلسطينيين في ما يجري في سورية.

هذا كلّه حصل قبل تصاعد الصراع المسلح في سورية، أي قبل ظهور «جبهة النصرة»، و «داعش»، إذ إننا نتحدث عن 2011، حتى منتصف 2012. أما في النصف الثاني لعام 2012، فتعمّد النظام قصف اليرموك مرات عدة، ما أدى إلى مصرع العشرات، كما تعمّد اعتقال عشرات الشبان، وذلك فقط بسبب استعصاء المخيم على المنظمات التابعة له (وهو ما ظهر جلياً في تظاهرة الفلسطينيين ضد جبريل والقيادة العامة في حزيران (يونيو) 2011)، وأيضا بسبب تحوّل المخيم الى بيئة حاضنة للنازحين السوريين من المناطق المجاورة.

على أية حال، فإن تصاعد الصراع المسلّح، بدءاً من النصف الثاني من 2012، أدى الى احتدام الصراع على مخيم اليرموك، الذي يتموضع كنقطة في بحر من المناطق السورية العشوائية المكتظة بالسكان، هي بمثابة مدن في ريف دمشق (الحجر الأسود، يلدا، ببيلا، التقدم، التضامن، الشاغور)، وفي حين أن عدد الفلسطينيين لا يتجاوز 180 الفاً، فإن سكان هذه المناطق يقدّر بمليون نسمة.

ولعــــل هـــذا التـوصيف للواقعين الجغرافي والديموغرافي للمخيم وما حوله، يفنّد خرافة روّج لها النظام ومن معه، وبعض أوساط المعارضة، باعتبار المخيم بمثابة بوابة لدمشق، في حين أنه لا بوابة ولا حتى نافذة، فمساحته لا تتعدى الكيلومترين المربعين، وأقصى عرض له بضع مئات أمتار فقط. والمؤسف، أن ثمة أوساطاً فلسطينية روّجت لهذه الدعاية بخفّة وسذاجة بالغتين لأغراض التوظيف السياسي، تبريراً لتصرفات المعارضة أو لحصار النظام للمخيم.

وهذا يفيد بأن الحصار (أواخر 2012) تم من النظام بإرادة وتصميم مسبقين، قبل ظهور «جبهة النصرة» و «داعش»، وهو حصار مرّ عليه 25 شهراً. والمفارقة أن النظام كان يبرر حصاره المخيم وقطعه الماء والكهرباء والغذاء والدواء عنه، بحجة الجماعات الإرهابية التكفيرية، يساعده في الترويج لذلك بعض الفصائل الفلسطينية، وحتى بعض المثقفين الفلسطينيين، في حين تبين بعد هجمة «داعش» و «النصرة» أن المخيم تحت حماية أبنائه، من الشبان الذين بقوا فيه، مع وجود حالة عسكرية تابعة لـ «حماس»، نشأت في ظل الحصار، وبسبب الحصار، وليس قبله.

المهم أن التطورات الأخيرة كشفت النظام على حقيقته، كما كشفت الفصائل التي سكتت عن الحصار، وعن كل الإجرام بحق الفلسطينيين الذين عانوا العذابات، وقضى المئات منهم بسبب القصف والقنص والموت جوعاً أو تحت التعذيب في المعتقلات، كما كشفت «المثقفين» الذين وقفوا مع النظام، على رغم كل تاريخه المشين في «مرمطة» الفلسطينيين، وتوحّشه بحق السوريين والفلسطينيين.

يبقى أن بعض الفلسطينيين من المحسوبين على ما يسمى بالمقاومة والممانعة، وحتى من الذين يدورون في فلك السلطة، يتحدثون عن ضياع «حق العودة»، متناسين أن هذا الحق ضاع مع عقد اتفاق أوسلو (1993)، أي قبل أكثر من ثلاثة عقود، وأن النظام السوري هو السبب الأساس في ضياع مخيم اليرموك (وغيره من مخيمات في سورية ولبنان)، وتشريد سكانه، مع كل ملاحظاتنا وحتى اعتراضاتنا على المعارضة السورية، وجماعاتها المسلّحة.

أما الذين يرون أن قضية فلسطين تراجعت، أو أن عملية التسوية انحسرت، فيتناسون أن هذين الأمرين حصلا، أصلاً، قبل «الربيع العربي»، وأن مسار أوسلو تحديداً وصل الى أفق مسدود منذ زمن، وأن «المشرق العربي» يتعرّض لهزات تاريخية كبيرة، وفلسطين جزء من هذا المشرق، لها ما له وعليها ما عليه. أليس كذلك؟

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: ماجد كيالي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ