جدل معركة الرقة يحدد ملامح الدور التركي مستقبلاً
جدل معركة الرقة يحدد ملامح الدور التركي مستقبلاً
● مقالات رأي ٢٠ مارس ٢٠١٧

جدل معركة الرقة يحدد ملامح الدور التركي مستقبلاً

يكاد مستوى النفوذ والتأثير الإقليميين يعكس عمق انخراط الأطراف الإقليمية والدولية في الأزمة السورية، كما الثقل الدولي لكل منها، فبينما أظهر حجم التدخل العسكري الفاعل لروسيا مدى حرص قيادتها على استعادة دورها الإقليمي ونفوذها العالمي كقوة عظمى، حاولت إيران بتدخلها العسكري المكثف تأكيد حضورها كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها. وبينما تم التدخل العسكري الروسي والإيراني في سورية بتوافق مع نظام الأسد، وفق زعم الأخير، جاء إرسال واشنطن قوات وأسلحة ومعدات أميركية أخيراً لدعم جهود قوات سورية الديموقراطية في محاربة «داعش»؛ من دون تفاهم أو تنسيق مع نظام الأسد.

غير أن الأخير كالَ الاتهامات لكل من واشنطن وأنقرة بانتهاك سيادة بلاده، وطالب الأمم المتحدة بإلزام الأتراك إنهاء «غزوهم». وفي وقت تسعى إيران وروسيا وأميركا وحتى أكراد سورية، إلى تأمين مصالحهم وتعظيم مكاسبهم فى مرحلة ما بعد تسوية الأزمة السورية والقضاء على «داعش»، تبقى تركيا أسيرة قلق بالغ يتملكها بهذا الصدد، كونها لم تُدع للمشاركة في معركتي الموصل والرقة، وهو ما قد يفقدها فرصة حجز مقعد على طاولة المفاوضات التي ستناقش مصير سورية والمنطقة برمتها بعد تسوية الأزمة السورية والقضاء على «داعش». فلطالما برَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إصراره على التدخل العسكري في سورية برفض بلاده أن تكون «الطرف الغبي»؛ أو «المستضعف» في الأزمة السورية، في وقت تسعى الأطراف كافة لاستغلال فزَّاعة الحرب على «داعش» كمظلة لتحقيق مآربها في سورية والمنطقة.

ومما يفاقم معاناة تركيا أن الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة عسكرياً في سورية، قد بدت وكأنها تلاقت عند تحجيم الدور التركي، ليس في سورية وحدها وإنما على الصعيد الإقليمي ككل. فقد عكف بشار الأسد على تأكيد رفضه أي تدخل عسكري تركي في بلاده. وفي رد منه على دعم أنقرة للمعارضة السورية المسلحة وسعيها لإسقاط نظامه، وبعد ادعائه قصف القوات التركية مواقع لقوات حرس الحدود السورية القريبة من مدينة منبج، طالب نظام الأسد الأمم المتحدة، بإلزام تركيا سحب قواتها «الغازية» للأراضي السورية. وبعدما تحوَّل الأكراد إلى رقم صعب ومهم في المعادلة السورية، أبت قوات «سورية الديموقراطية» إلا رفض الوجود العسكري التركي أو مشاركة أنقرة أو أي قوات موالية لها في معركة الرقة. ولم تتورع قيادة قوات «سورية الديموقراطية» عن تأكيد أن لديها القوة الكافية لانتزاع مدينة الرقة من تنظيم «داعش» بدعم من التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة.

وعلى رغم التقارب الروسي اللافت مع تركيا خلال الآونة الأخيرة، والذي لم يتأثر حتى بحادثة مقتل السفير الروسي لدى أنقرة، نهاية العام الماضي، ثم تأكيد الزعيمين الروسي والتركي خلال قمة سادسة جمعتهما قبل أيام في موسكو قوة التعاون والتنسيق السياسي والعسكري بينهما في شأن سورية، إلى حد وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه بمثابة عودة إلى الشراكة الحقيقية بينهما، ما دفع تركيا إلى طلب تزويدها أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة من طراز «إس 400»، في صفقة ستكون، حال إتمامها، الأضخم والأولى من نوعها لبلد عضو في حلف شمال الأطلسي. لا تبدو موسكو مستعدة للتضحية بعلاقاتها الوثيقة مع إيران والتنسيق الإستراتيجي معها في سورية، كما لا تريد إغضابها أو زيادة حنقها إزاء موسكو بسماح الأخيرة لأنقرة بتعزيز حضورها العسكري والسياسي في سورية. وعلى رغم التنسيق التركي الروسي، الذي قاد إلى تنفيذ صفقة «الباب» لتركيا في مقابل حلب لروسيا ونظام الأسد، إلا أن روسيا تبدو متوافقة مع واشنطن في ما يخص الاعتماد على قوات «سورية الديموقراطية» في محاربة «داعش» ومعركة الرقة، وتحييد القوات التركية أو القوات الأخرى الموالية لها كـ «الجيش السوري الحر»، والبيشمركة الكردية العراقية. فقد استضافت روسيا المؤتمر الكردي، ودعت وحدات حماية الشعب الكردي إلى مفاوضات جنيف، فيما تنسق مع واشنطن ونظام الأسد وأكراد سورية بخصوص العمليات على الأرض. وهو التنسيق الذي تجلى في تسليم مجلس منبج العسكري قرى عدة في ريف منبج إلى نظام الأسد أخيراً، بوساطة روسية. وعلى رغم خلافاتهما، يتفق الجانبان الروسى والأميركي على دعم أكراد سورية سياسياً وعسكرياً، والاعتماد عليهم في محاربة «داعش» خلال معركة الرقة، على رغم تواضع قدرات أكراد سورية، خصوصاً قوات «سورية الديموقراطية»، التي تعتمد بالأساس على الدعم العسكري والتدريبي الأميركي.

ويبدو أن واشنطن تفضل التنسيق مع قوات «سورية الديموقراطية» في محاربة «داعش» على تعاون تركي حذر يستند إلى تحالف استراتيجي هش مع الغرب، لا يمكن للأتراك التنصل منه بسبب احتياجهم الملح له. ومع استمرار أزمة الثقة بين واشنطن وأنقرة، يبدو أن أقصى ما يمكن أن تقدمه إدارة ترامب في ما يخص الجدل في شأن مشاركة القوات التركية في مواجهات منبج أو معركة الرقة، سيقتصر على الحيلولة دون حدوث مواجهات بين القوات التركية وقوات «سورية الديموقراطية». وهو ما قد تضطر تركيا للقبول به، بعدما تجاهلت أميركا مبادراتها لاستبدال أو تحييد الكرد من معركة الرقة، كالاستعانة بقوات «الجيش السوري الحر»، إضافة إلى البيشمركة الكردستانية العراقية في محاربة «داعش»، أو تقديم خطط تتضمن حلولاً بديلة للاعتماد الأميركي على قوات «سورية الديموقراطية»، كالقيام بعمل دولي مشترك ضد «داعش»، كما رفضت واشنطن كذلك المطالب التركية خلال اللقاء الثلاثي لرؤساء أركان تركيا وروسيا والولايات المتحدة، بتقليص اعتمادها على قوات «سورية الديموقراطية».

وعلى رغم هذا الإجماع اللافت من جانب الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية على تحجيم الدور التركي داخل سورية، تظل تلك الأطراف بحاجة إلى عدم خسارة تركيا أو إقصائها تماماً، لاسيما أن الأخيرة لا زالت تحتفظ بأوراق قوة مهمة مثل حدودها الطويلة الممتدة مع سورية، فضلاً عما بحوزتها من قواعد عسكرية يمكن أن تخدم العمليات الدولية ضد «داعش»، علاوة على نجاح تركيا في الزج بقوات عسكرية على الأرض تقاتل داخل سورية، فضلاً عن تنسيقها مع طيف من القوات الموالية لها من عرب وتركمان وأكراد كالجيش السوري الحر وقوات البيشمركة الكردية العراقية، فضلاً عن القوات التي قامت أنقرة بتدريبها في معسكر بعشيقة من أبناء الموصل العرب والتركمان للدخول إلى المدينة وإدارة أمورها، وهناك أيضاً إمكانية استثمار أنقرة علاقاتها مع عشائر الموصل العربية والكردية والتركمانية الكبرى لتحريك تمرد داخلي ضد «داعش».

ومثلما تحرص أنقرة على الاحتفاظ بتحالفها الإستراتيجي الهش مع واشنطن والغرب، فإنها ستسعى كذلك للتمسك بعلاقاتها القلقة مع روسيا، حيث آثر أردوغان أثناء محادثاته مع بوتين أخيراً؛ تجنب الخوض في ملفات شائكة وأمور خلافية حول سورية، بينما وضع التعاون الاقتصادي على قمة أولويات تلك المحادثات، لاسيما أمن الطاقة واستكمال مشروع خط أنابيب السيل التركي ومحطة أكويو الكهرو- ذرية. كذلك، أعرب أردوغان خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن أمله بأن ترفع روسيا العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على تركيا عقب إسقاط الأخيرة قاذفة روسية من طراز سوخوي -24 فوق سورية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، خصوصاً أنه تم استئناف العلاقات رسمياً بين البلدين في آب (أغسطس) من العام الماضي، بعد اعتذار أردوغان وتنفيذه شروط موسكو لطي صفحة هذا الخلاف، على أن يسعى أردوغان بالتوازي لانتزاع تعهد أميركي روسي صريح وصارم بكبح جماح تطلعات أكراد سورية في شأن الاستقلال أو الحكم الذاتي، بعد القضاء على «داعش» والشروع فى إعادة ترتيب الأوضاع داخل سورية.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: بشير عبد الفتاح
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ