جولة صعبة يعيشها السوريون لكنها ليست النهاية
جولة صعبة يعيشها السوريون لكنها ليست النهاية
● مقالات رأي ٣ أغسطس ٢٠١٦

جولة صعبة يعيشها السوريون لكنها ليست النهاية

تعيش الثورة السورية في أيامنا هذه واحدة من أصعب مراحلها. حلب تتعرض لهجمات مركزة من جانب النظام وحلفائه، وكذلك معظم المناطق في الريف الدمشقي. كما تتعرض المنطقة الجنوبية لضغط كبير، بينما تعيش المناطق الشرقية دوامة حقيقية، نتيجة تبادل الأدوار وتنسيق المواقف بين قوات النظام وأتباعه و «داعش». في المقابل، لم يتمكن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على مدى عامين تقريباً من إنجاز أي تحوّل نوعي على الأرض، وكذلك التدخل الروسي الذي بدأ قبل نحو عام، وأتى صراحة لمنع انهيار النظام.

والتحوّلات التي طرأت على أولويات دول المنطقة الداعمة للفصائل المعارضة حدّت كثيراً من إمكانات هذه القوى، وقدرتها على مواجهة الحلف الداعم للنظام، المتمثّل في القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها بأسمائها المختلفة، فضلاً عن الإسناد الجوي الروسي.

ودفعت هذه المتغيّرات والتطورات بالماكينة الإعلامية الروسية والإيرانية، وتلك التي يتحكّم بها النظام وحزب الله، إلى جانب الطابور الخامس في المعارضة المدّجنة، إلى «التبشير» بقرب القضاء على الثورة، وبالتالي انتصار الحلف الداعم لزمرة الأسد.

وهناك اليوم من يتحدّث عن توافق أميركي - روسي لفرض خطة على السوريين، يكون الأسد جزءاً منها لأمد غير معلوم بعد. غير أن المعطيات والمؤشرات جميعها توحي بأن الإدراة الأميركية تمارس لعبة كسب الوقت، وترك الملف السوري بتعقيداته للإدارة المقبلة. أما الروس، ففي عجلة من أمرهم، يحاولون تغيير الموازين على الأرض لدفع الهيئة العليا للمفاوضات إلى القبول بشروطهم التفاوضية التي يحددونها مستغلين الأوضاع الإقليمية، والسلبية الأميركية، والارتباك الأوروبي، نتيجة العمليات الإرهابية المتوالية في غير دولة أوروبية.

ويُلاحظ أن أوضاع المعارضة السياسية هي الأخرى لا ترتقي إلى مستوى التحديات، فنرى تشتت القوى، وانشغالها بأمور ثانوية، ما يحبط المعنويات، ويدفع بالكثير من المتسلقين والانتهازيين إلى استغلال الوضع. بل هناك من يضع قدماً هنا وقدماً هناك في انتظار تبلور الأمور. لكن على رغم ذلك، هناك تصميم أكيد لدى غالبية السوريين على استحالة التعايش مع زمرة الحكم بعد كل الذي حصل. ويتذكر السوريون جيداً، وباعتزاز، الأشهر الأولى لثورتهم التي شهدت المظاهرات السلمية الضخمة في سائر المدن السورية، والتي كان عمادها الشباب المتعلم من مختلف المكوّنات، وكانت سلمية، تطالب بمستقبل أفضل لسورية.

ونحن هنا لسنا بصدد إجراء مراجعة شاملة لما حصل، وأدى إلى ما نحن فيه راهناً. ما نريد الذهاب إليه أن الشعب السوري بدأ ثورته بإمكانات وخبرات متواضعة، وأفلح في تغيير المواقف المعلنة على الأقل. واليوم، وعلى رغم قساوة كل ما جرى ويجري، يمكننا القول بأن السوريين اكتسبوا خبرات كبرى سياسية وميدانية، ومن المستحيل إعادة هذا الشعب إلى قفص الاستبداد والفساد.

من جهة أخرى، لا بد أن نأخذ في اعتبارنا أن أية خطة يتوصّل إليها الجانبان الأميركي والروسي، لا بد أن تُمرر عبر سوريين يمتلكون قسطاً من الصدقية، وإلا ستظل الأزمة مفتوحة على جميع الاحتمالات، وهذا ما سيعمّق الأزمات في الجوار الإقليمي (لبنان، العراق، تركيا، اليمن...)، إضافةً إلى استمرار موجات اللاجئين، والتهديدات الإرهابية، ما يثير مخاوف المجتمعات الأوروبية، وينذر بأيام سوداء ستواجهها، نتيجة التشابك والتفاعل بين التشدد الديني والتعصّب القومي.

المرحلة صعبة من دون شك، لكن مواجهة التحديات تستوجب الصبر والتحمّل والرؤية الواضحة المطمئنة للسوريين. كما تستوجب التركيز على العامل الذاتي عبر تجاوز الخلافات البينية الهامشية قياساً بالصراع الأساسي مع الزمرة المستبدة ورعاتها. وأمر كهذا القبيل يستلزم التوافق على مشروع وطني لسورية، يطمئن سائر السوريين من دون استثناء، بعيداً من التشدد الديني أو المذهبي أو القومي أو العقائدي.

ومن هنا نرى أن خطوة التقية التي أعلنت عنها جبهة النصرة لا تطمئن، بل تثير المزيد من الهواجس، ما لم تقرن بخطوات أخرى تؤكد حدوث تحوّل نوعي، وليس مجرد تكتيك عابر، تحاشياً لأية ضربات محتملة.

الأمور في سورية لن تحل بتلك السرعة التي يتحدثون عنها، بل ستأخذ وقتاً، من المرجح أن يكون طويلاً بكل أسف. وهذا ما يستدعي الاستفادة من الأخطاء التي كانت، والتركيز على نقاط القوة التي لم تأخذ حقها من الاهتمام: الجاليات، النشاط الميداني بكل جوانبه، النخب الفكرية والإعلامية السورية والعربية المناصرة للشعب السوري الخ...

لقد استخدم رعاة النظام وداعموه كل أوراقهم، وجلبوا كل ميليشياتهم، وتدخلت قوة عظمى كروسيا ضد الشعب السوري. لكن شعبنا قاوم الجميع، وسيقاوم. فهو يدافع عن قضية عادلة، وعن أرضه ومستقبله، فيما الغزاة قدموا بناء على حسابات مصلحية. وقد بلغوا نقطة الذروة في ما يتصل باستعراض قوتهم. لكن المزيد من التحمّل، والمزيد من التعقّل وإعادة ترتيب الصفوف وتنظيفها وتنظيمها، سيقلب موازين القوى عاجلاً أم آجلاً. فما نشهده راهناً عبارة عن جولة من جولات صراع إقليمي- دولي مرشح للمزيد من الاستمرار والتداخل، صراع يتمفصل حول سورية بوصفها مفتاح المنطقة. ومهما حصل فإنه لن يكون في مقدور أي كان أن يفرض على السوريين، إذا التزموا قضيتهم وتكاتفوا ودافعوا عنها كما ينبغي، أي حل لا يضمن مستقبلاً كريماً لأجيالهم المقبلة.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: عبد الباسط سيدا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ