حدود الضربة الغربية في سوريا
حدود الضربة الغربية في سوريا
● مقالات رأي ١٩ أبريل ٢٠١٨

حدود الضربة الغربية في سوريا

تثير العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا في سوريا قبل أيام، واستهدفت بعض المواقع التابعة لنظام بشار الأسد، أسئلة كثيرة تتعلق بأهدافها، والنتائج التي ترتبت أو يمكن أن تترتب عليها.

الهدف العام لهذه العملية كان واضحاً، وهو ضرب القدرات الكيماوية العسكرية للنظام السوري، لكنه لم يكن محدداً بدقة، إذ تراوح التعبير عنه في تصريحات أميركية وبريطانية وفرنسية بين إضعاف هذه القدرات، وتقويضها، كما أن ما فُهم من تغريدات الرئيس دونالد ترامب، ومن بعض ما ذكرت وسائل إعلام أنه قاله في اجتماعات مع مسؤولين أميركيين، كان موحياً بعملية أكبر وأكثر تأثيراً في مسار الصراع وميزان القوى الإقليمي والدولي في سوريا.

غير أن المواقع التي ضُربت في النهاية تدل على أن العملية التزمت منهج الحد الأدنى، فبدت رمزية لا تختلف إلا كمياً عن تلك التي استهدفت مطار الشعيرات العسكري في 7 أبريل 2017، رداً على الهجوم الكيماوي في منطقة خان شيخون. الاختلاف الأساسي بين العمليتين يكمن في أن الأخيرة ثلاثية الأطراف بخلاف سابقتها، وأن تسعة مواقع استُهدفت خلالها وليس موقعاً واحداً، وإن كان عدد الصواريخ المستخدمة لم يزد كثيراً؛ إذ وصل إلى 105 صواريخ وفق بيان البنتاجون مقابل 59 في عملية الشعيرات.

لذا بدت العملية العسكرية الثلاثية أصغر من أن تحقق نتائج مهمة، مثلما كان الأمر بالنسبة لعملية الشعيرات التي لم تترك أثراً في معادلات الحرب في سوريا، ولم تغير شيئاً في قواعد اللعبة التي تمسك روسيا بأهم مفاتيحها، أو في توجهات النظام السوري وحلفائه بشأن مواصلة السعي إلى حسم الصراع عسكرياً.

غير أن السؤال الذي لم يُطرح في هذا السياق، رغم أهميته الفائقة، يتعلق بطبيعة العملية العسكرية الأخيرة، وهو: هل كان ممكناً أو وارداً أن تحقق هذه العملية نتيجة مغايرة إذا استهدفت المزيد من المواقع، واستمرت لفترة أطول، أو حتى إذا شملت مواقع تتجاوز تلك المتصلة بالقدرات الكيماوية العسكرية؟ ومغزى هذا السؤال أننا إزاء عملية عسكرية مُعلنة مسبقاً ينتفي فيها عنصر المفاجأة، الأمر الذي أتاح الاستعداد لها، وإخلاء مواقع كان ضربها متوقعاً، وإعادة نشر أسلحة ومعدات كان سهلاً توقع استهدافها. كما أن الفرق الزمني بين تهديد الرئيس ترامب بشن عملية عسكرية وتنفيذها، والذي وصل إلى ثلاثة أيام ونيف، أعطى فرصة أكثر من كافية لدعم منظومة الدفاع بمساعدة روسية كثيفة في المناطق المتوقع استهداف مواقع فيها، سعياً لتقليل الخسائر.

وذلك ما حدث بالفعل، الأمر الذي جعل الخسائر في النهاية طفيفة إلى حد يُثير الشك حتى في تحقيق الحد الأدنى من أهداف العملية، بما في ذلك إضعاف القدرات الكيماوية العسكرية لنظام الأسد، رغم أن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، أعلن أنها تقلل إمكانات استخدام هذه القدرات في الحرب السورية.

لم يخسر نظام الأسد شيئاً يتعذر تعويضه، بل ربما كسب سياسياً ومعنوياً. كما لم تخسر إيران، إذ لم تستهدف العملية مواقع تابعة لها أو لحلفائها الموجودين في سوريا. أما روسيا، فثمة جدل حول ما إذا كانت قد خسرت بالنظر لتصريحات صدرت من بعض مسؤوليها حول الرد على أي عملية عسكرية أميركية في سوريا. فثمة من يرى أن كبرياء روسيا جُرح، ومن يذهب إلى أبعد من ذلك، ويعتقد أن هيمنتها على سوريا كُسرت ولو جزئياً، وأن هذه هي الرسالة المقصودة من مشاركة فرنسا وبريطانيا في الهجوم، رغم أن أميركا تستطيع شن أكبر منه منفردة.

لكن هناك من يرى، بالمقابل، أن ضآلة نتائج العملية تجعل الخسارة الأميركية الفرنسية البريطانية هي الأكبر، لأنها تكشف ضعف قدرة الدول الثلاث على التأثير في مسار الصراع على سوريا.

وأياً يكون الأمر، يظل الشعب السوري هو الخاسر الأكبر بعد العملية العسكرية، مثلما كان الحال قبلها، في غياب أي عمل جاد لإنهاء الحرب التي دمرت مقدراته، ومادام وطنه ساحة لصراعات دولية وأطماع إقليمية يقف العرب متفرجين عليها وغير قادرين على التأثير فيها. ومع ذلك، ربما يكون البيان الختامي الصادر عن قمة الظهران الأحد الماضي بداية لمراجعة جادة للمواقف العربية، على نحو قد يفتح الباب أمام توافق على تحرك مشترك لإنقاذ سوريا وشعبها.

المصدر: الاتحاد الكاتب: وحيد عبد المجيد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ