حرب إيران ضد داعش
حرب إيران ضد داعش
● مقالات رأي ١٥ ديسمبر ٢٠١٤

حرب إيران ضد داعش

تتواتر الأنباء عن ضربة إيرانية لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ولا يبدو الأمر غريباً، فالعراق منتهك السيادة، وهو ساحة معركة إقليمية ودولية. لذلك، تحوم الطائرات الغربية والإيرانية في سمائه، ولا تجد استنكاراً من الساسة العراقيين الذين تعوّدوا على الحكم تحت سقف التوازنات الإقليمية والدولية، وبدون سيادة (مع التذكير أن وصولهم إلى الحكم جاء من خلال الاحتلال الأميركي)، ولا استنكاراً عربياً حقيقياً في ظل الفوضى التي يعيشها العرب على كل المستويات.

بغض النظر عن تأكيد صحة هذه الأنباء من عدمها، فإن إيران تخوض حرباً ضد تنظيم الدولة، سواءً ضربت مواقعه مباشرة أم لا، فعلى الرغم من أن إيران لم تدخل في إطار التحالف الدولي ضد التنظيم، إلا أنها تعتبر هذا التنظيم خطراً حقيقياً عليها وعلى مصالحها في الإقليم، وهي تعمل بكل قوة، وبالتعاون مع حلفائها، لضربه وإنهاء خطره، وبالذات في العراق، حيث النفوذ الإيراني والمكاسب التي تم تحصيلها منذ عام 2003، مهددة بوجود هذا التنظيم، وتحديه حلفاء إيران في العراق.

استفادت إيران من الاحتلال الأميركي للعراق، وحولت الخطر الذي مثّله عليها إلى فرصة لإيلام الأميركيين، وفي الوقت نفسه، لبسط نفوذها في العراق. عندما أسقط الأميركيون نظام صدام حسين، العدو اللدود للإيرانيين الذين شعروا بأنهم ربحوا بالخلاص من نظام صدام حسين، لكنهم ظلوا يشعرون أنهم مستهدفون من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وبدأ التفكير الإيراني الجدي في استراتيجية لمواجهة الأميركيين في العراق، وتلخّصت الاستراتيجية الإيرانية في أمرين: العمل على عدم استقرار القوات الأميركية في العراق، بدعم فصائل مقاوِمة، والسيطرة على النظام السياسي الجديد في العراق، لكي لا يكون أداة بيد الأميركيين.

لعبت الأحزاب الشيعية الطائفية دوراً رئيساً في الاستراتيجية الإيرانية داخل العراق، إذ إنها كانت فرس الرهان سياسياً بالنسبة للإيرانيين، وقد كانت إيران تتمتع بعلاقات متفاوتة مع هذه الأحزاب، فعلاقتها وطيدة جداً بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سابقاً)، بزعامة آل الحكيم، حيث نشأ المجلس في أحضان الإيرانيين، لكن علاقتها أقل مع حزب الدعوة والتيار الصدري. ما حصل بعد عام 2003 عزز علاقة حزب الدعوة والصدريين مع إيران، إذ إن التقسيم الطائفي الذي جاء به الأميركيون، وارتضته النخبة السياسية العراقية، مكّن الإيرانيين من نسج علاقة وطيدة مع "الكتلة الشيعية" في العملية السياسية، باعتبارها راعية إقليمية للساسة الشيعة في العراق، في مقابل الرعاة الإقليميين للقوى السنية، وعلى الرغم من التوحّد، في البداية، بين المكونات الشيعية ضمن ائتلافٍ موحد، فقد نشبت الخلافات والصراعات بين أطراف هذا الائتلاف، وبقيت إيران تضبط الإيقاع، وتحاول حل الخلافات وإيجاد توافقات بين أقطاب الكتلة الشيعية، مثلما فعلت، بإقناعها مقتدى الصدر باختيار نوري المالكي لولاية ثانية، حين حصل الصراع الإقليمي والدولي على شخصية رئيس الحكومة العراقية، بعد انتخابات عام 2010.

" الإيرانيون وحلفاؤهم لم يتنبّهوا إلى ضرر سياسات نوري المالكي على الوضع العراقي، وعلى نفوذهم "

مع الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، وهيمنة حلفاء إيران على الحكم هناك، ساد الاعتقاد بأن إيران سيطرت تماماً على الوضع في العراق، لكن الإيرانيين وحلفاءهم لم يتنبّهوا إلى ضرر سياسات نوري المالكي على الوضع العراقي، وعلى نفوذهم، فالمالكي اتخذ خيارات صِدَامية مع ممثلي السنّة في العملية السياسية، وأضاف هذا مزيداً من الشعور بالغبن عند السنّة، ما جعل داعش تعزز وجودها داخل الوسط السني، ضمن صراع هوية واضح المعالم، أسهمت فيه بقوة السياسات الطائفية لحكومة نوري المالكي.

تمددت داعش، واستولت على الموصل، ومعظم المناطق التي يسكنها السنّة، وأصبح الإيرانيون أمام تحدٍ جديد يهدد حلفاءهم الرئيسيين في العراق، ونفوذهم وهيمنتهم هناك، ليس فقط لأن داعش تتمدد، بل، أيضاً، لأن الأميركيين يعودون بقوة لينافسوا الإيرانيين على النفوذ السياسي. وهكذا، فإن ما يحصل الآن يعبّر عن تنافس إيراني ـ أميركي في العراق على توجه الحكومة الجديدة، برئاسة حيدر العبادي، كما يعبّر عن استنفار إيراني في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، بغرض منعه من تحقيق تمدّد كامل في العراق، وضرب المصالح الإيرانية.

مشكلة الإيرانيين أنهم يتصرفون بعقلية إدارة الأزمة، وهم لا يملكون استراتيجية للحل السياسي في العراق، أو تغيير السلوك الطائفي لحلفائهم الذي تسبّب بهذه الأزمة، فهم مهتمون بمواجهة داعش عسكرياً، غير أنهم لا يدركون أن مشاركتهم، بخبراتهم العسكرية، في إعادة ترتيب الميليشيات الشيعية لمقاتلة داعش، وبصور قاسم سليماني من قلب المعارك، تعزز وجود داعش، عبر تعزيز نفور السنة العراقيين من الساسة الشيعة الذين يسلّمون أنفسهم والبلاد إلى إيران. صور سليماني، التي تُظهر تحدياً وتنافساً إيرانياً مع الأميركيين والغرب، تُفهَم عند السنّة تحدياً لهم، وانعداماً لاستقلالية القوى الشيعية العراقية.

من دون عزل داعش عن حواضنها الشعبية، عبر مصالحات وتوافقات وطنية واسعة، يعززها رفض الهيمنة الإيرانية والغربية، وإيجاد حالة عراقية وطنية مستقلة، لا يمكن تصور نهاية ظاهرة "داعش"، فالتنظيم سينبعث مجدداً تحت أي مسمى، حتى لو هُزِم عسكرياً، طالما صراع الهويات في العراق قائمٌ ومستمر، والمعالجات السياسية غائبة، والثقة بين العراقيين مفقودة.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: بدر الإبراهيم
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ