حكاية النووي وزفة لوزان وانتصارها المجيد!!
حكاية النووي وزفة لوزان وانتصارها المجيد!!
● مقالات رأي ٧ أبريل ٢٠١٥

حكاية النووي وزفة لوزان وانتصارها المجيد!!

 منذ الإعلان عن الاتفاق الأولي في لوزان، بدأ أبواق إيران في الترويج له بوصفه الفتح المبين، ولو رفضته إيران لكان فتحا مبينا أيضا، «ومن يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد»، كما في المثل الإنجليزي. ويذكّرنا ذلك باحتفال ذات القوم بتسليم بشار للسلاح الكيماوي من أجل تجنب الضربة العسكرية، والذي صنفوه بوصفه دهاءً وحنكة، وإنجازا أيضا!!
لكن أية بلاغة مهما كان مستواها لن تخفي حقيقة الاستسلام الذي تم في لوزان، والذي سيكون أكثر وضوحا بعد أسابيع نهاية يونيو، وبالطبع في الاتفاق النهائي، ولا قيمة هنا لكل الحديث عن الاحتفاظ بالحق في التخصيب، أو بعدد من أجهزة الطرد المركزي، ولو كان المقال يحتمل لوضعنا كافة البنود، لكن المؤكد أن شروط التخصيب والعدد المسموح به من أجهزة الطرد، ومعها شروط التفتيش لمدة 25 عاما، وهي في مجملها لن تسمح أبداً لإيران بالتفكير في إنتاج سلاح نووي، وبالطبع في ظل نص صريح بأن العقوبات ستعود في حال حدوث إخلال بالاتفاق، مع نص آخر يشير إلى أن العقوبات الخاصة بقضايا الإرهاب والصواريخ بعيدة المدى لن ترفع، وأن ما سيرفع هو العقوبات المتعلقة فقط بالبرنامج النووي.
من زاوية إيرانية داخلية يمكن القول: إن حكاية النووي من ألفها إلى يائها تمثل معركة طويلة خاسرة، لو خاضها أي زعيم في العالم لاستقال بعد هذه النتيجة (ينطبق ذلك على خوضها من قبل تيار سياسي أو فكري، وهو التيار المحافظ هنا)، ولو كنا في بلد يتمتع بقدر مقبول من الحرية لنزل الناس إلى الشوارع؛ ليس للاحتفال بتوقيع الاتفاق كما حصل ليلة الجمعة في شوارع طهران (من نزلوا كانوا قلة)، ولكن للإطاحة بهذا التيار الذي أهدر عشرات المليارات في تأسيس مشروع، كما دفع أضعافها بسبب العقوبات التي ترتبت عليه، وها هو في النهاية يتنازل عنه من أجل رفع تلك العقوبات.
وإذا قيل إن إيران قد احتفظت بحق الاستخدام السلمي للطاقة النووية، فإن ذلك رد لا يبتعد كثيرا عن الهراء، لأن الجميع يعلم الهدف الأصلي للمشروع ممثلا في السلاح النووي، وليس الاستخدام المدني للطاقة النووية، لأننا نتحدث عن بلد غني جدا بالنفط والغاز، ولا يحتاج تبعا لذلك إلى طاقة نووية لأغراض مدنية. أما فتوى خامنئي بعدم جواز استخدام الأسلحة النووية، والتي ذكّر بها أوباما في سياق الإعلان عن الاتفاق فليست ذات قيمة، ليس لأنها سياسية وحسب، بل أيضا لأن أحدا في الأصل لا يتحدث عن سلاح نووي من أجل الاستخدام، بل من أجل الردع، لاسيَّما أن لدى الكيان الصهيوني، فضلا عن أميركا من القدرات النووية ما يجعلها مؤهلة لإعادة إيران إلى العصر الحجري خلال ساعات، لكن الكيان كان وسيبقى حريصا على عدم كسر ميزان القوى الاستراتيجي الذي يعمل لصالحه.
لا شك أن الشارع الإيراني ليس غبيا، وهو تساءل طوال الوقت، وسيتساءل الآن أكثر عن جدوى هذا المسلسل الطويل من المعاناة إذا كان سينتهي على هذا النحو، وهذا البعد هو الذي يفسِّر أصلا تردد التيار المحافظ بزعامة الحرس الثوري والمرشد طويلا في إنجاز الاتفاق، هم الذين يعلمون تماما أنه سيمنح دفعة قوة معتبرة للتيار الإصلاحي، لكنهم وجدوا أنفسهم في حاجة ماسة لدفع كلفة نزيف كبير في سوريا واليمن والعراق، وهو نزيف يحتاج إلى رفع العقوبات لتحسين وضع الاقتصاد، فضلا عن حاجتهم إلى مصالحة الغرب، وهم يعادون غالبية المسلمين. ولعل الأكثر بؤسا في الاتفاق هو أنه لم ينص على الحصول على الأموال المجمدة في الولايات المتحدة لأنها ترتبط بقضية الإرهاب، وليس بالملف النووي، وهذا ما سيجعلها محطة ابتزاز أخرى مستقبلا، وبالطبع من أجل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني، وهو ما سيكون مقبولا بالطبع، لأن عين إيران اليوم تركز على التحول لدولة المذهب ذات النفوذ الإقليمي الواسع، مع نسخ حكاية المقاومة والممانعة من الأجندة.
هذه هي النتيجة البائسة لمغامرة المحافظين المتعلقة بالاتفاق النووي، لكن النتيجة الأخرى التي ستطيح بهم في المستقبل هي تلك المتعلقة بمشروع التمدد المجنون الراهن، فبينما يعوّل الشارع الإيراني على أن يؤدي رفع العقوبات إلى تحسين وضعه، يركز المحافظون على الاستفادة من ذلك في دفع كلة الاستنزاف الراهن في سوريا واليمن والعراق، ما يطرح سؤالا كبيرا حول موقف الشارع من ذلك، لاسيَّما أن كل ما دفع وسيدفع لن يؤدي إلى نتيجة، فلا بشار سيحسم المعركة عسكريا، ولا الحوثي سيستقر وضعه على الأرض، ولا العراق سيأمن من دون حل معضلة التمييز الطائفي ضد العرب السنّة، ولا حتى حزب الله سيواصل حكم لبنان بسطوة السلاح.
هكذا تعانق إيران بقيادة المحافظين «الاستكبار»، وذلك بدل أن تذهب نحو تسوية مع جيرانها العرب والمسلمين، لكن هذا العناق لن ينفعها، فالنزيف هنا، والصفقة ينبغي أن تكون هنا، فعالم اليوم لم يعد كما كان، وأميركا والغرب اليوم ليسوا آلهة الكون، ولن يفرضوا على هذه الأمة أن تخضع لإيران أو تقبل بجنون تمددها، وهي ستواصل مقاومتها حتى تدرك إيران حقيقة أن عليها أن تجلس على الطاولة من أجل التوصل إلى صفقة ترضي الجميع.
متى سيحدث ذلك؟ لا ندري، والمؤسف أنه لم تتوفر إلى الآن أية مؤشرات على الرشد المأمول، ونأمل أن تتوفر في القريب، لأن المعاناة تطال الجميع من دون استثناء، فيما يستمتع أعداء الأمة، وفي مقدمتهم الكيان الصهوني بهذا الحريق المدمر لجميع أعدائهم.

المصدر: العرب القطرية الكاتب: ياسر الزعاترة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ