حل روسي 'خلّبي' للأزمة السورية
حل روسي 'خلّبي' للأزمة السورية
● مقالات رأي ٣١ ديسمبر ٢٠١٤

حل روسي 'خلّبي' للأزمة السورية

بالتوازي مع الإعلان عن مبادرة تبناها المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا تعتمد على تجميد القتال محليا كبداية لحل للأزمة السورية، ومبادرة أخرى أطلقها الروس تعتمد على حوار بين المعارضات السورية تتبعها مفاوضات غير مشروطة مع النظام، شهدت القاهرة تحركات دبلوماسية حثيثة تتعلق بالأزمة السورية، تجاوبت معها غالبية أطراف المعارضة السورية.

التحرك المصري الجديد يدل على وجود عدة مواقف وخطط جديدة تتعلق بالأزمة السورية، أولها أن المعارضة السورية أيقنت أن عليها البدء بالحوار لبلورة رؤية موحدة للحل في بلدها، وثانيها أن هناك توافقا عربيا على ضرورة التحرك لإبقاء بعض أزرار التحكم باليد العربية، وثالثها أن السعودية بدأت تتحدى روسيا على أكثر من صعيد وتحاول تقديم بدائل عن المبادرات الروسية التي تقف دائما إلى جانب النظام، ورابعها أن القاهرة باتت مقتنعة بأنه آن أوان تحركها على المستوى الإقليمي ليكون لها موطئ قدم بين الدول المؤثرة في الشأن السوري.

في الوقت الذي كانت موسكو تأمل فيه أن تأتي المعارضة السورية إليها للاجتماع والبحث في برنامج موحد تليه مفاوضات مع ممثلي النظام، توجّهت المعارضة السورية إلى القاهرة، ممثلة ليس فقط بائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية صاحب الموقف الأكثر تشددا من موسكو، وإنما أيضا بقوى المعارضة الداخلية صديقة روسيا وصاحبة سقف المطالب المنخفض، كهيئة التنسيق الوطنية وتيار بناء الدولة، وأعلنت المعارضات السورية أنها تُفضّل الاجتماع والحوار في القاهرة لا في موسكو، الأمر الذي أربك السياسة الروسية ودفعها إلى الإسراع في إعلان موعد لاجتماع المعارضة أواخر يناير المقبل في موسكو لقطع الطريق أمام أي اجتماعات مقترحة لتوحيد المعارضة السورية في القاهرة.

المملكة السعودية، وبعد أن قامت بخطوة اقتصادية سبّاقة بعدم تخفيض إنتاج النفط وتسببت في خسائر فادحة لروسيا وإيران، لم تكن بعيدة عن اجتماع القاهرة ويبدو أنها قررت القيام بخطوة سياسية لقطع الطريق على المبادرة الروسية، بل وعلى الموقف الروسي من الأزمة السورية الذي لم تستطع تغييره بالطرق الدبلوماسية، وساعدها في ذلك التوافق الأخير بينها وبين قطر، والعلاقة المتينة التي تربطها بالقيادة المصرية.

بالتشاور مع الرياض، تحركت القيادة المصرية لدعوة المعارضة السورية إلى الحوار في القاهرة وليس في موسكو، وهو أمر تسعى إليه القاهرة التي لم تعد تمانع من أن يكون لها دور في حل الأزمة السورية باعتبارها واحدة من أهم العواصم العربية ذات النفوذ خلال التاريخ المعاصر، وتسعى لاسترجاع بعض من هذا الدور بعد أن استقرت الأحوال المصرية الداخلية.

اجتمعت قوى سورية معارضة في القاهرة، هيئة التنسيق التي وافقت على إجراء مفاوضات غير مشروطة مع النظام خلافا لكل مواقف المعارضات السورية السياسية والعسكرية والشعبية، وكذلك تيار بناء الدولة المعارض الذي لا يريد إلا الحل السياسي التفاوضي مع النظام والذي لا يُعرف من يتخذ القرار فيه بعد أن اعتقل النظام السوري مؤسسه ورئيسه مؤخرا، وكذلك الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير التي يرأسها رجل موسكو وأحد مسؤولي الأسد السابقين قدري جميل، بالإضافة إلى قوى كردية معارضة، بعضها لا يُخفي أولوياته القومية.

وعلى غير المتوقع، وافق ائتلاف قوى الثورة على أن يحضر لقاءات القاهرة بين المعارضة السورية، وهو مؤشر إضافي على تأثير السعودية على هذا الائتلاف، ودارت النقاشات حول إمكانية بلورة موقف موحد لكل المعارضة السورية في ما يتعلق بالمفاوضات مع النظام، وتوافقت هذه المعارضات على الأسس العامة والأولويات.

ولأن روسيا ليست ساذجة كما يعتقد بعض المعارضين السوريين، فقد أدركت اللعبة سريعا، ولهذا أعلنت، على عجل، عن تحديد موعد للقاء المعارضة السورية ببعضها البعض وموعد بعده بيومين للقاء المعارضة بالنظام السوري، وطلبت من النظام السوري أن يقوم بتسمية رئيس وفده، كما طالبت بعض المعارضين المقربين منها من الهيئة والجبهة دعم خيار الحوار “الموسكوفي” وليس “القاهري”، لكنها، ولدرايتها باحتمال رفض المعارضة السورية مثل هذا اللقاء، دعت معارضين كشخصيات وليس كممثلين عن قوى، لتفادي الانتكاسة المحتملة.

تتسابق كل من روسيا وإيران من جهة، والسعودية ومصر من جهة ثانية، لكسب سبق لم شمل المعارضة السورية، وللسعودية فرص أقوى، على اعتبار أنها دولة عربية أولا، وتحظى بثقة النسبة الكبرى من المعارضة السورية ثانيا، ومصر دولة وسطية معتدلة مقبولة من كل الأطراف بما فيها النظام ثالثا، وأخيرا السعودية هي الأقدر من موسكو على التنسيق مع الولايات المتحدة.

يبدو للوهلة الأولى أن التحرك الدبلوماسي الروسي الأخير قد يكون بداية طريق لحل الأزمة السورية، لكن جملة من المؤشرات تؤكد على أنه ليس إلا لعبا في الوقت الضائع من قبل موسكو، ولن يوصل إلى أي نتيجة ذات معنى، ومن أهم هذه المؤشرات أنه لا يوجد للولايات المتحدة أي أثر أو صوت في هذه المبادرة، ولن تستطيع أي دولة الوصول إلى أي صيغة دون الأميركان الذين لازالوا غير مكترثين بالوصول إلى نهاية المطاف في الأزمة السورية.

ومن المؤشرات الأخرى أن اجتماعات المعارضة وفق الرؤى الروسية ستتبعها مفاوضات مع النظام، وهي فكرة عبثية، جربها الطرفان في مؤتمر جنيف وفشلا فشلا ذريعا، فالنظام عطل كل شيء علنا على مرأى المجتمع الدولي مجتمِعا، ومن الواضح أن ليس في نيّته القبول بمفاوضات لحل سياسي يمكن أن يهدد وجوده، وهو قرر قبل أربع سنوات أن يتبع الحل العسكري الحربي ولن يحيد عنه كما يبدو، ويريد إعادة الجميع إلى بيت الطاعة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قوى المعارضة، الداخلية والخارجية، لا سلطة لها عمليا على من يقاتل على الأرض، ولا تستطيع فرض رأيها على أي فصيل مسلح، والتيار الذي يقبل بحل لا يوافق المعارضة المسلحة، لن يجد له من يدعم قراره على الأرض.

إن ملامح الحراك السياسي الروسي والمصري تبدو في بداياتها، والنظام سائر في طريقه لا يهتم ظاهريا بهذا الحراك أو بأحد، ويبدو أن المعارضة واهمة بأنها قادرة على تغيير سلوكه أو إقناعه بأن يقبل بحل وسط، ولا تتخذ أي موقف صارم بل توافق بدورها على تضييع الوقت، مع أنها مُدركة أن كل ما يُطرح من مبادرات واقتراحات حتى الآن هو طرح “خلّبي”، وأن الطريق مازالت مسدودة بانتظار حل من أصحاب الحل، ومع هذه اللامبالاة من النظام ومنها، قد يطول انتظار السوريين كثيرا.

المصدر: العرب الكاتب: باسل العودات
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ