حمى التفاوض وعقيدة القتل
حمى التفاوض وعقيدة القتل
● مقالات رأي ٢ يناير ٢٠١٥

حمى التفاوض وعقيدة القتل

تشهد الحالة السورية حراكا محموما بين أطراف المعارضة، على محوريْ موسكو والقاهرة، منذ الزيارة التي قام بها ميخائيل بوغدانوف إلى المنطقة، تقاطعاً مع تسويق خطة ستافان دي ميستورا لتجميد القتال في حلب. يترافق ذلك مع حوارات داخلية تكاد تصل إلى ذروتها، بين مجموعات وتيارات الحراك السياسي وتنظيماته، يشير إلى إمكانية بلورة أفكار مشتركة، حول مختلف المسائل، وبصورة خاصة الخلافية منها، بشأن الثورة السورية، والتفاوض مع النظام السوري، وقد بدأت تتسرب بعضاً من مشاريع التوافق، إلى الإعلام، ما يدعم القول أن الجميع – بدرجة ما – سيذهبون إلى موسكو، مثنّى وفرادى، اليوم أو غداً.

تشير المشاورات الجارية اليوم إلى مسألتين، هما مبلغ القلق الذي تعيشه المعارضة السورية، نتيجة للعطالة التي وصلت إليها جميع الأطراف، وكذلك انسداد الأفق في ما يتصل بالحالة السورية، في ضوء التطورات الدولية والإقليمية التي جعلت من الأزمة السورية، في دائرة الأوراق الضاغطة في تسويات المصالح. يضاف إلى ذلك سبب رئيس يتمحور حول فاعلية ومكانة الأطراف الداعمة للنظام، إثر الانهيار الحاد في أسواق النفط، وبالتالي الوصول إلى عتبة أزمة اقتصادية لدى روسيا الاتحادية بشكل خاص.

يمكن النظر إلى ما يجري على أنه حراك من أجل الحوار الداخلي، وهو أمر لطالما أجهضته عوامل ذاتية وخارجية، فظلت المعارضة السورية تفتقده، وتسعى إليه، لكن الخلافات المتصلة برؤية كل طرف إلى المسار الثوري، كانت تحيل إلى عدم اتفاق مبيت فيما بينها. لا تشكل قضية تفهم الآخر والاعتراف به إشكاليته الأساسية، ولكن جميع الأطراف تنطلق من مبادئ مسبقة لنتائج الحوار التي تريد الوصول إليها، دون الذهاب إلى منتصف الطريق، والاجتماع على المشترك فيما بينها.

ظل النظام السوري، طوال السنوات الأربع، رافضا لمبدأ الحوار مع المعارضة المسماة خارجية، فيما يشدد على الحوار مع معارضة الداخل، ونجح النظام في بناء جدار بينهما، ما كان ليستطيع ذلك لولا قابلية الإقصاء التي تمتعت بها أطراف المعارضة جميعها، وسعيها لتصدر المشهد الثوري على حساب النهوض بالانتفاضة الشعبية وتصويب مساراتها باتجاه الأهداف الأساسية، المتمثلة في إسقاط الديكتاتورية في سوريا. وقد لعبت القوى الإقليمية والدولية دوراً فعالاً في تكريس الانقسامات داخل المعارضة التي انساقت وراء إملاءات الخارج في شأن العلاقة بين تياراتها الأساسية.

وتمكنت روسيا مؤخرا من الدخول على خط المعارضة، سعيا وراء تنظيم خلخلة الائتلاف الوطني، الذي مني بفشل جديد لإعادة توحيد صفوفه في اجتماعات دورته الأخيرة. وتعمل موسكو مع حلفائها في دمشق، في ظل صمت أوروبي ومراقبة أميركية، على إذابة الجليد بين أهم مكونين في المعارضة، هما الائتلاف وهيئة التنسيق، لاستيعابهما وإعادة إنتاج رؤية مشتركة بينهما، بشأن إطلاق عملية تفاوضية جديدة يقبل النظام التعاطي معها، وتأخذ فيها هيئة التنسيق والمستقلون داخل الائتلاف، دورا محوريا في ذلك، مستفيدين في ذلك من الضعف والهشاشة، وافتقاد الشخصيات القيادية الموثوق فيها داخل قوى المعارضة، وتراجع الدعم السياسي والمالي والعسكري لها في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ جدا.

نقطة الخلاف، تكمن في النظرة إلى دور ومصير بشار الأسد. ففي الوقت الذي تتفق فيه جميع الأطراف على مرجعية جنيف 1 لأي تفاوض أو تسوية، فإن تفسير بنوده لا تزال عرضة لأهواء التيارات والقوى في المعارضة تحديدا. حيث يقترب فهم تيار بناء الدولة وهيئة التنسيق وجبهة التغيير مع تفسير النظام: الأسد خط أحمر. فيما تشدد قوى الائتلاف على رحيل النظام بكل رموزه وفي المقدمة بشار الأسد، شرطا للانخراط في أي تسوية، وهو موقف المجموعات المسلحة، والقوى العاملة على الأرض في الداخل السوري.

والواقع أن مواقف القوى الإقليمية والدولية، توضح بجلاء لا لبس فيه اليوم، أنها ميّالة لإعادة تأهيل النظام، في ظل انخراط المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، الذي جعلت منه أولوية، على إسقاط الأسد الذي لم يكن – في الحقيقة – سوى في أجندة وذهن جزء من المعارضة السورية.

رؤية المجتمع الدولي تتوافق مع الرؤية الروسية – الإيرانية، وبالطبع نظام الأسد، وقد أشير إلى ذلك في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مواقف الدول المعلنة في افتتاح جنيف 2، وقبل ذلك جهود المبعوثين الأممين، وهي تقوم على ثلاثة بنود أساسية، ليس فيها إزاحة لأي طرف على الإطلاق، وهي:

- حوار وطني بمشاركة جميع الأطراف دون استثناء.

- تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة وطنية.

- إجراء تعديلات دستورية وانتخابات تشريعية تفضي إلى دولة جديدة.

بموجب ما يتم تداوله اليوم من تفاهمات في صفوف المعارضة سواء بين المؤسسات: الائتلاف وهيئة التنسيق، أو بين المكونات: اتحاد الديمقراطيين وهيئة التنسيق وغيرها من حوارات سوف تكلل لاحقاً بلقاء القاهرة التشاوري، الذي من شأنه أن يضع النقاط على الحروف، خاصة بعد بروز تطورين لافتين، الأول ذهاب هيئة التنسيق إلى فكرة حكومة تقودها المعارضة بصلاحيات كاملة، مع بقاء الأسد لفترة انتقالية دون صلاحيات، والثاني إقرار الائتلاف الوطني بضرورة التفاوض مع النظام، وصولاً إلى وقف المجازر والانخراط في التسوية السياسية برعاية دولية، بموافقة ضمنية على إبقاء الأسد في الفترة الانتقالية.

ما يجري اليوم بين أطراف المعارضة، هو حوار من أجل الخروج من عنق الزجاجة لكن محور الأسد – موسكو- إيران، يعمل بجدية على احتواء المعارضة، وأن يسوقها بفعل معطيات الواقع وتجذير تفسخها، إلى التفاوض، على الرغم من هشاشة النظام التامة.

لكن ذلك مرهون بما ستتمخض عنه مناقشات الهيئتين السياسية والعامة للائتلاف، التي لا تقبل أي مبادرة لا تنص صراحة على رحيل نظام الأسد وتفكيك أجهزته الأمنية، وهو نفس الموقف الذي ستواجهه أي مبادرة، من القوى المسلحة في الداخل، خاصة في غياب مظلة حقيقية مرجعية تلتزم بها قوى المعارضة، التي تفتقد قرارها الوطني، شأنها في ذلك النظام الذي يواصل القتل، وهو منقادٌ بكليته لموسكو وطهران.

المصدر: العرب الكاتب: عبد الرحمن مطر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ