خطة دي مستورا: حين يتحول السوري إلى فأر تجارب!
خطة دي مستورا: حين يتحول السوري إلى فأر تجارب!
● مقالات رأي ١٥ نوفمبر ٢٠١٤

خطة دي مستورا: حين يتحول السوري إلى فأر تجارب!

هكذا وبكل ثقة وإشراق يعلن المبعوث الدولي الجديد إلى سورية عن خطته التي تفتق ذهنه عنها، كما لو أنها حل سحري غير مسبوق، خلاصتها: تجميد القتال في نقاط محددة تكون منطلقاً لاستمرار هذا التجميد وتعميم التجربة على كافة المناطق السورية، حال نجاح النموذج الذي اقترح المبعوث الدولي أن يبدأ من حلب.
يا للهول.. ما تلك العبقرية يا دي مستورا، كيف تضمن الموافقة على خطتك على الأقل من قبل النظام الذي لم يقبل بهدنة ولو لمجرد ساعات قليلة خلال كل الزمن الماضي من عمر الثورة واشتعال الصراع، ثم أين الجديد الذي تحاول تقديمه وعلى من تراهن في نجاح خطتك؟ وهل تلك خطة أصلاً، هل أنت جاد فعلاً لتتــــعاطى مع مشـــكلة بحجم الحدث السوري بهذه البساطة التي تستحق لقب السذاجة، وهل سوف يشد المجتمع الدولي على يديك معجباً بإنجازك غير المسبوق؟
لا يحق لأحد في العالم اليوم، لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا أي دولة سواء أكانت عظمى أو صغرى، غربية أو عربية، أن يزعم أن لديه نوايا فعلية أو هاجساً حقيقياً في البحث عن حل للمأساة السورية، سواء كان ذلك الحل سياسياً أو عسكرياً أو إنسانياً، ولاسيما بعد السنوات الأربع التي عانت فيها سورية والسوريون ما عانوا، ولو أن المجتمع الدولي ترك السوريين وشأنهم فلربما لم تصل سورية إلى ما وصلت إليه، ولربما وجدوا حلاً ما سواء بإسقاط النظام أو بقدرة الأخير على قمع الثورة منذ أيامها الأولى- وذلك يراه الكثير من السوريين حلاً بالقياس إلى ما آلت إليه سورية من دم ودمار. لكن تدخل المجتمع الدولي هو ما عقد المشكلة وفاقمها إلى الدرجة التي استعصى فيها الحل، مع استمرار النزيف والدمار بشكل مطرد، لقد بذلت بعض الدول الفاعلة جهوداً جبارة للوصول إلى حالة الاستعصاء، وهي التي بيدها وحدها مفاتيح الحل، فكيف يمكن للسوريين أن يعولوا على حل للمشكلة ممن تسبب في خلقها وتفاقمها، عامداً متعمداً أو متلكئاً متردداً. في الحالة الأولى لا مصلحة للمجتمع الدولي بإنهاء المأساة، وفي الثانية سيبدو وكأن خيوط اللعبة قد أفلتت من بين يديه، أما الصورة الأنقى التي لا يختلف عليها السوريون اليوم فهي رغبة الكثير من الدول في استثمار الحدث السوري والاستثمار فيه باعتباره بات أرضاً خصبة لتحريك الصراعات وإدارة المصالح وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية..
المشكلة التي يواجهها السوري اليوم هي أنه يدرك استحالة الحل عبر المبعوثين الدوليين، وعدم جدوى وجودهم حتى إن كانت لدى المجتمع الدولي نوايا صادقة، فلو كانت ثمة مقترحات عميقة وفاعلة لدى أحدهم لارتطمت بحوائط صد متعددة، أهمها انعدام الصلاحيات التنفيذية، ليس عند المبعوث الأممي وحسب، بل في الأمم المتحدة ومجلس الأمن أيضاً، خصوصاً بعد الرخاوة البادية التي واجه بها خرق الكثير من قراراته، أو إحالتها إلى بند وجهات النظر من قبل الطرف المتضرر، مما أدى إلى ميوعتها ومن ثم ذوبانها ونسيانها طالما غاب البند الملزم لتنفيذها، ومن ثم يأتي النظام السوري الذي لا يرى محيصاً عن استمراره على رأس السلطة، طالما لم يتخل عنه داعموه وأياً كانت النتائج، ولا يجد حلاً سوى باسترداد موقعه القديم وإعادة إخضاع سورية والسوريين لسلطته المطلقة، التي ستكون أقسى وأشد بطشاً في ما لو حقق حلم الانتصار، ومن ثم تأتي أطراف الصراع الأخرى، وبشكل خاص المعارضة المسلحة التي لو ارتضت إلقاء السلاح، حرصاً على ما تبقى من سورية – بشرها وحجرها- لما فسر النظام ذلك إلاّ بالنصر المبين، وسوف يلتفت حينها إلى تصفية خصومه الذين ألقوا السلاح طوعاً، فمن أين للمعارضة المقاتلة خيارا آخر وهي تدرك ما ستؤول إليه حالها وحال من ناصرها في ما فعلت ذلك.
الحقيقة التي لم يعد من الوارد نكرانها هي أن التحرك الدبلوماسي بخصوص سورية، الذي شــــهدته السنوات الأربع المنصرمــــة لم يكن ذا هدف محدد، ولم يكن مهموماً بإيجاد حل، قدر اهتمامه باستهلاك الزمــــن والتـــظاهر بملء الخط الدبلوماسي على اعتبار أن المجتـــمع الدولي قرر الحل السياسي خياراً وحيداً في سورية، وليـــس دي مستورا ومن سبقوه سوى من مستلزمات هذا الحل الوهمي وإكسسواراته، الذي رأينا تجلياته على أرض الواقع، فكلما ازداد التمسك بالحل السياسي ازدادت حالة العسكرة على الأرض، وتشعبت الصراعات وتكاثرت الفصائل المقاتلة، وتعقدت سبل الوصول إلى أي نوع من التسوية.
مرحلة كوفي عنان جلبت معها النصرة والفصائل الإسلامية الأخرى، أما مرحلة الأخضر الإبراهيمي فلم تنته إلاّ وتنظيم «داعش» يعلن دولة مترامية الأطراف ممتدة على مساحات واسعة بين العراق وسورية، كل مقترحات المبعوثين الأمميين الهادفة إلى إيجاد الحل السياسي كانت تجلب المزيد من وقود الحرب وأدواتها وتترافق مع توسّع رقعتها. قبل دي مستورا كانت القصة أقل تعقيداً والمقترحات أكثر جدية وملاءمة، ومع ذلك كانت المبادرات السياسية تنعكس سلباً على أرض الواقع، أما مرحلة دي مستورا فهي الأكثر صعوبة وتعقيداً إلى درجة الاستحالة، ومع ذلك يخرج المبعوث الدولي مبتهجاً بخطة شديدة البلاهة والخيالية، ولا يتوانى عن طرحها ولا يتوانى المجتمع الدولي عن التعاطي معها وكأنها خطة رغم انفصالها عن واقع الأحداث انفصال الأسد عن واقع ما يجري في سورية.
لو أن للسوريين رأياً في مأساتهم لاقترحوا على الفور «تجميد» عمل دي مستورا وتجميد كل المبادرات الدبلوماسية بعد أن تعاقب عليهم نجوم الأزمات الدولية، فجعلوا من سورية حقلاً لتجاربهم وحولوا السوريين إلى فئران تجارب لا تزال المخابر السياسية والعسكرية تستعمل أجسادهم ودماءهم وأرواحهم وبيوتهم وأرضهم ووطنهم مواد خام وبالمجان، ومن دون استعجال النتائج.

المصدر: القدس العربي الكاتب: د. عبد القادر المنلا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ