خطة دي ميستورا: آفاق وتحديات
خطة دي ميستورا: آفاق وتحديات
● مقالات رأي ١٧ ديسمبر ٢٠١٤

خطة دي ميستورا: آفاق وتحديات

تبدو خطة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، وكأنها بصدد ملاءمة الظروف الزمانية والمكانية، لإنضاج حل سياسي في سوريا على نار هادئة. ورغم كل الجهود السابقة، فإنه ليس ممكنا الوصول إلى بداية طريق حقيقية، تدفع أطراف الصراع إلى الدخول في مفاوضات جديّة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، يرى المجتمع الدولي أنها الطريق الوحيد لإنهاء الوضع القائم، لكنه لا يبذل جهوداً حقيقية من أجل ذلك.

رغم ما يتم الحديث عنه، ومنها تصريحات دي ميستورا، فإن الغموض لا يزال يكتنف خطة التجميد المقترحة، وهنا تبرز مشروعية الشكوك التي تطبع مواقف أطراف سياسية وعسكرية في المعارضة السورية، التي رأت في طريقة الطرح وموافقة النظام التي سبقت المشاورات، مؤشرا على أمور قد لا يحمد عقباها، لناحية استفادة النظام من المبادرة.

لاشك أن ثمة أهمية كبيرة وحاجة ضرورية لوقف الأعمال القتالية في كافة المناطق السورية، وخاصة مناطق التماس المباشر، وفي مقدمة ذلك إيقاف الأعمال العسكرية التي يقوم بها النظام عبر سلاح الجو، المتمثلة بالبراميل المتفجرة والقصف الصاروخي، الذي يشكل عمليات إجرامية متواصلة مستهدفة التجمعات السكنية. وهذا “الإيقاف” يؤمّن حماية المدنيين وفرصا ملائمة لتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ولمّ شمل العائلات التي شرد أبناؤها، وكذلك توقف حالات التهجير القسري.

كما يمكن لأي اتفاق مماثل، توفير مناخ لازم لإعادة الخدمات الضرورية، كالماء والكهرباء، وهذا جانب حيوي في الحقيقة، وهناك قدرات محلية يمكن أن تنجز ذلك في حال توفر دعم مباشر من القوى المعنية بتخفيف المعاناة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، في معظم المناطق السورية، ومنها حلب، موضوع خطة دي ميستورا.

لا يمتلك الشارع السوري، بما في ذلك مؤسسات المعارضة، أي معلومات عمّا يتحرك بشأنه المبعوث الأممي. ولكن دي ميستورا الذي كان يتحدث عن مناقشات مع الأطراف السورية، عرض مشروعاً يبدو أنه تصورا متكاملا، أمام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة. وتشتمل الخطة على ثلاثة بنود أساسية هي: تجميد العمليات العسكرية، وإدخال مواد للإغاثة الإنسانية، وفرض آليات إلزام الأطراف بالاتفاق.

لماذا لم يضع دي ميستورا بنود خطته كاملة أمام المعارضة السورية، وهو بصدد التوجه إلى مجلس الأمن؟، بما يعني العمل بعيداً عن مشاركتها الأساسية في صياغة أي اتفاق، في الوقت الذي يتم فيه التشاور مع نظام دمشق على كافة الخطط والبرامج. ولنلاحظ أن المبعوث الأممي لا يجتمع مع المعارضة كفريق واحد، وفي جزء منه تتحمل المعارضة وزراً في ذلك. فالذهاب بهذه الصورة إلى مجلس الأمن، يعني فرض إجراءات قد تكون فصائل المعارضة المسلحة، هي المستهدف فيما بعد بعمليات “معاقبة” حال عدم الالتزام بها.

ما يؤخذ على دي ميستورا أن خطته تلك، كما أوضحت تصريحاته، لا تشتمل خطة للتسوية، ورفض ربطها بتطبيق مبادئ “جنيف1”. هذا مثار للقلق أيضا، يفهم منه العمل على إنجاز هدنات محلية في المدن والبلدات، على غرار ما تم في ريف دمشق وحمص. بمشاركة أطراف دولية ومؤسسات غير منظورة، كما حدث في هدنة حمص، التي سرعان ما استغلها النظام وأحكم سيطرته على كافة الأحياء موضوع الهدنة.

خطة تجميد القتال في حلب، يجب أن تستند إلى جهود معلنة ترتبط بالتسوية السياسية التي تقوم على “جنيف1”، بمعنى أن ما يتم الاتفاق عليه، لن يكون محدودا ومعزولاً عن المناطق الأخرى، وإذا كانت الخطة معنية بمنطقة حلب، فإنه يتوجب أن تكون حلقة أساسية وأولى لتوسيعها باتجاه إيقاف دائم لإطلاق النار، وخاصة من قبل النظام، وأن ترتبط بوقف العمليات والتحليق الجوي لطيران الأسد، ومنع الأطراف من إعادة تنظيم صفوفها أو إدخال قوات ومعدات جديدة، أو استبدالها. المعني بذلك تحديدا نظام الأسد، بما يمتلكه من قدرات وأصدقاء شركاء له، في الوقت الذي تكاد لا تمتلك فيه قوات المعارضة شيئا يذكر في مواجهة النظام، الذي يحاصر حلب من ثلاث جهات، وأي هدنة ستمكنه من التقاط أنفاسه والتمدد لقضم باقي المناطق وإطباق الحصار على المدينة، كما فعل في مناطق الهدنة الأخرى.

لن يقبل النظام بوجود قوات فصل، من منطلق تحجيم نواياه وخططه. ولكن ذلك يعني إيجاد منطقة عازلة بين الطرفين، من شأنها خلق واقع تقسيمي لمدينة حلب، والحل لا يكمن في ذلك، وإنما بسحب كافة القوى المقاتلة خارج حدود المدينة، وأن يُلزم النظام أولاً على تنفيذ خطة انسحاب شاملة، ولا يمكن دون ذلك من بناء الثقة.

الأحداث الأخيرة في وادي الضيف تجعل موقف النظام أكثر حرجا وأكثر سعيا إلى تجميد القتال في حلب، مع العمل على إعادة تجميع قواه، خاصة أن تحالف كتائب الجيش الحر مع جبهة النصرة قد يتوسع ليشمل مناطق ريف حلب ما يزيد في مخاوف النظام.

التعويل على قرار من مجلس الأمن، لن يكون سهلاً على الإطلاق، ورغم تقدم موسكو وإيران بمبادرات للتسوية السياسية، فإن الفيتو الروسي سيكون حاضرا ما لم تتضمن خطة دي ميستورا بنودا تعزز موقف نظام الأسد. بالمقابل، أي هدنة إن لم تكن ضمن إطار تسوية شاملة وبضمانات دولية، لن يكتب لها النجاح.

المصدر: العرب الكاتب: عبد الرحمن مطر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ