رياح تسوية لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد
رياح تسوية لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد
● مقالات رأي ٤ ديسمبر ٢٠١٤

رياح تسوية لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد

رياح سياسية ساخنة تهب على سوريا وتلفح بعض أوجهها، ويأتي هذا الهبوب على نمط سلسلة من المبادرات على خط الأزمة، تكشّف منها حتى اللحظة التحرك الروسي وخطة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، بالإضافة إلى حراك سري تجريه القاهرة مع طرفي الأزمة.

ويكشف تفحص هذا التحرك عن وجود سياق واحد له مقاربة معينة، وتقوم آلية عمله على التمفصل في أكثر من حكومة ومنظمة ودولية، بحيث يشكل قطعا متعددة تعمل كل واحدة منها على جزئية معينة، فتتخصص روسيا بالبنية السياسية التمثيلية لأطراف الأزمة وتهيئتها لولوج التسوية، فيما تركز القاهرة على إيجاد حاضنة إقليمية لها، بالتوازي مع تركيز دي ميستورا على الترتيب العملاتي عبر تكتيك الهدن "تجميد النزاع " بين الأطراف المتقاتلة، على أن يصار في النهاية إلى جمع هذه الأجزاء وصياغة حل نهائي للأزمة.

تتقاطع هذه التحركات مع النهج الأميركي في المنطقة، وإن لم تتفق معها على صيغة واحدة محددة، إذ تعتبر أنه طالما أن واشنطن تصوغ موقفها في المنطقة انطلاقا من أولوية الحرب على إرهاب التنظيمات المتطرفة فهي تتلاقى معها عند هذه النقطة الجوهرية، وإذا كان هناك خلاف في تفاصيل العمل فالأمر قابل للتفاهم ما دامت الصيغة لم تزل في طور التظهير والبناء.

    "تتقاطع التحركات الحالية مع النهج الأميركي في المنطقة، وإن لم تتفق معه على صيغة واحدة، فطالما أن واشنطن تصوغ موقفها في المنطقة انطلاقا من أولوية الحرب على إرهاب التنظيمات المتطرفة فهي تتلاقى معها عند هذه النقطة الجوهرية"

غير أن تصريحات الرئيس باراك أوباما على هامش قمة العشرين التي عقدت في أستراليا تمهد لإمكانية الانخراط في هذا السياق، حيث قال "نريد حلا سياسيا يرضي جميع الأطراف الداخلية، والأطراف الخارجية على حد سواء، وسيضطر الشعب السوري للقيام بتفاهمات سياسية مع كل من تركيا وإيران وكذلك الأسد، فهذا ما تمليه طبيعة العمل الدبلوماسي، ففي بعض الأحيان ستضطرون للدخول في علاقات دبلوماسية مع أناس وأنظمة لا ترغبون في التعامل معها".

وسرّبت مصادر تركية عن أن أوباما أعطى في لقاء له برئيس الوزراء التركي داود أوغلو "إشارة واضحة لأوغلو، مفادها تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن سياستها تجاه سوريا".

مرجعية هذا السياق تتمثل بـ"مؤسسة الحوار الإنساني" وهي تتخذ من جنيف مقرا لها وتعمل في مجال حل النزاعات، وسبق أن توسطت المؤسسة في اتفاق بين الإسلاميين والعلمانيين قاد لتنظيم انتخابات سلمية في تونس. وفي أفغانستان تعمل على المفاوضات مع طالبان. أما في سوريا فإنها تسعى لترتيب وقف إطلاق نار محلي منذ العام 2013، وتأمل الآن في التوصل إلى اتفاق بين الثوار والأكراد السوريين.

بالإضافة لذلك فإنها تقوم بتقديم الاستشارات وإصدار تقارير حول بعض النزاعات المعقدة، وقد أصدرت تقريرا عن الحالة السورية تحت عنوان "خطوات لتسوية النزاع السوري" وينطلق التقرير من فرضية "أنه لا النظام ولا الثوار قادرون على هزيمة بعضهم الآخر، وأن هذه الحالة من الجمود الوحشي تخلق الظروف الملائمة لنمو داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والنصرة".

ويحذر التقرير من أن "تنهار سوريا مثل الصومال"، لذا فالحاجة ملحة للحفاظ على الدولة" حتى لو كان ذلك يعني أيضا إبقاء الأسد في السلطة"، إذ إنه "من الأفضل أن يكون هناك نظام ودولة من عدمه"، ولجعل الأمر منطقيا ومقبولا لدى الجميع يروج القيمون على المؤسسة لقناعة مفادها "أن الجميع على نفس الدرجة من السوء، الأسد ومعارضوه، غير أن الأسد يمثل النظام ولا بد من قبوله على هذا الأساس"، وهي من هذه الزاوية تراهن على قبول الغرب لهذه المقاربة.

تقوم آلية العمل التي تطرحها المؤسسة على عكس المقاربات السابقة على طريقة التنفيذ محليا من الأسفل إلى الأعلى، بدلا من أن يفرض الأمر من الخارج من الأعلى إلى الأسفل كما طرح في مؤتمرات جنيف السابقة، "سوف يحكم المدن التي تتوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق النار من جانب الحكومة أو الثّوار، كل حسب المنطقة التي يسيطر عليها.

ومع مرور الوقت، تشكل هذه البلديات حاضنة "الإدارة المحلية والسياسية" ويدفع المجتمع الدولي تكاليف إعادة الإعمار على أن يؤسس كيان يسمى "هيئة السلام وإعادة الإعمار"، الذي من شأنه تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية وتكون بمثابة سلطة انتقالية، بحيث يرفع مسؤولو البلديات الجدد تقاريرهم، ليس للنظام ولكن إلى مؤسسة محايدة".

    "خطة مؤسسة الحوار الإنساني  تشرعن وضعية "أمراء الحرب" على طرفي الصراع، انطلاقا من التفسير الدولي لطبيعة الأزمة في سوريا والمائل إلى اعتبارها حربا أهلية وبالتالي تساوي المسؤوليات بين أطرافها"

ما مصير الأسد وفق هذه الخطة، وهو السؤال الأكثر جوهرية في الحدث السوري؟ التقرير يجيب بأن مصيره" "سيتقرر من قبل الشعب السوري" ففي أعقاب نهاية الحرب سيجرى إصلاح شامل للدستور، وانتخابات تحت إشراف دولي".

وبعيدا عن إغراء الجانب التقني للمقاربة وطريقة صياغتها الأكاديمية من قبل خبراء مختصين في حل النزاعات، وقد يكون ذلك البعد الإبهاري هو الرهان الأكبر على قبولها، فإنها تنطوي في التطبيق العملي على كمائن خطيرة تشكل ثقوبا واضحة في جسم هذه الخطة:

- فهي تشرعن وضعية "أمراء الحرب" على طرفي الصراع، وذلك انطلاقا من التفسير الدولي لطبيعة الأزمة في سوريا والمائل إلى اعتبارها حربا أهلية وبالتالي تساوي المسؤوليات بين أطرافها، وليس مصادفة هنا أن تتوقف وزارة الخارجية الأميركية عن دعم اللجنة الخاصة بالتحقيق بجرائم الحرب في سوريا.

- كما أنها تشكّل بداية تقسيم "ناعم" لسوريا، إذ ينطوي هذا الوضع على ترسيم المناطق التي تحت سيطرة الأطراف وتحويلها إلى عنصر تفاوضي أساسي ودائم، وهو الأمر الذي يناقض التكتيك الذي تنبني عليه المقاربة من تحويل الحالة إلى دينامية تصالحية شاملة، فهذا التكتيك الضعيف والساكن تلغيه جدلية الصراع المحتدمة.

- ولعل الخطورة الكبرى تكمن في إقرار المجتمع الدولي في حال تمرير الخطة بالرؤية الروسية الإيرانية لحل الأزمة، عبر تحويلها الثورة السورية، برموزها وتضحياتها، إلى مجرد حالة تمرد في بعض المناطق وإيجاد حلول موضعية لها من خلال تأمين بعض الحاجات الأساسية للمناطق المنهكة وتسوية أوضاع بعض المطلوبين في تلك المناطق، وبالتالي طي صفحة الثورة السورية بصفتها تحولا جذريا في قلب المجتمع، وإعادة النظام إلى سكة الحياة وتوفير كل الظروف المناسبة له لإعادة إنتاج ذاته!

تحاول المؤسسة ستر هذه العيوب من خلال تركيزها على مقولة الحفاظ على الدولة وعدم انهيارها وتحولها إلى كيان فاشل، وفي الواقع فإن الدولة السورية كانت فاشلة وفق معايير الفشل في السنوات الأخيرة قبل الثورة، وفشلها كان أحد أسباب الثورة فما بالك باللحظة الحالية، حيث يراد إعادة إنتاج الفشل بطريقة كارثية، فشل ممركب، احتلال خارجي "إيراني" مع قهر وفساد.

    "لعل الخطورة الكبرى تكمن في إقرار المجتمع الدولي في حال تمرير الخطة بالرؤية الروسية الإيرانية لحل الأزمة، عبر تحويل الثورة السورية، برموزها وتضحياتها، إلى مجرد حالة تمرد في بعض المناطق وإيجاد حلول موضعية لها "

لكن هذا الطرح المغرق في الأكاديمية والمبهر من حيث الشكل يسقط من حساباته البعد الأخلاقي والقيمي في القضية السورية عبر الترويج لفكرة السماح للأسد بالبقاء في السلطة وهروبه من جرائم القتل، والقتل الجماعي الذي ارتكبه، ويراد لهذه الفكرة أن تجري عبر اتفاق دولي توافق عليه دول العالم وتقبل أن يحافظ كل على موقعه بانصياع وخضوع جبان!

كيف يمكن لعواصم دولية وإقليمية أن تقبل المشاركة بهذا النوع من عمليات التدليس والتبييض لأنظمة فقدت كل مبررات وجودها الأخلاقي مثل نظام الأسد واعتبار أن العدالة لم تعد مسألة مهمة وأنه من السهل التضحية بها على مذبح الاعتبارات والمصالح الجيوسياسية؟

ربما ليس أفضل من توصيف هذه المقاربة سوى كلام أندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إذ ينظر إلى الاقتراح باعتباره وحيا من نظام دمشق و"نداء للمجتمع الدولي لدعم ما تبقى من نظام الأسد".

ويبدو الأمر أكثر وضوحا إذا ما ربطناه مع جملة الأحداث الجارية في المنطقة، من المحاولات التي يجريها نظام الأسد للارتباط بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، إلى محاولة تمرير إيران لاشتراط تسهيل مفاوضاتها في الملف النووي بإبقاء بشار الأسد في منصبه، عند ذلك يتضح حجم الرهانات الكبيرة التي يحاول الأسد الاتكاء عليها وخشبة الخلاص التي ينتظر هبوطها عليه فيما تصل طلائع قوات المعارضة القادمة من الجنوب إلى مشارف دمشق.

المصدر: الجزيرة الكاتب: غازي دحمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ