زلزال المنطقة... والجنرال وقت!
زلزال المنطقة... والجنرال وقت!
● مقالات رأي ٢٠ أكتوبر ٢٠١٤

زلزال المنطقة... والجنرال وقت!

زلزال المنطقة... والجنرال وقت!

كل من يتابع عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وأخواته في سورية والعراق يدرك جيداً ان «القصة طويلة» جداً وأن لها ما لها وما عليها من ذيول وتبعات ونتائج وردود فعل وانعكاسات كثيرة تدعو إلى القلق والدهشة والاستغراب، إن لم نقل في بعض الأحيان، الى السخرية من أسلوب المواجهة والعقلية التي تدار بها الأمور وكيفية معالجة قضية خطيرة مثل هذه القضية الحساسة والدقيقة والمكشوفة أمام أعين العالم كله.

ففي مثل هذه الحال هناك نظريات مختلفة ومتناقضة حول أسلوب المواجهة العسكرية، فمنها ما يعتبر ان الوقت هو العامل الأساس في حسم المعركة باستخدام عنصر المفاجأة والضربات السريعة الموجعة والمكثفة كمّاً ونوعاً، كما فعلت إسرائيل في حرب 5 حزيران (يونيو) ١٩٦٧، وما قامت به مصر وسورية في حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٧٣، في مقابل نظرية تقوم على التدرج في العمليات مهما استغرق وقتها والتأني في توجيه الضربات مهما طال الزمن!

وبكل أسف، فإن من الواضح ان قيادة العمليات في التحالف اختارت النظرية الثانية، إن في الأحاديث المسهبة عن الحرب وتفاصيلها المملة وتحديد أماكن الضربات التي ستستهدف، وكأنها تقول لـ «الداعشيين»: إننا قادمون وسنضرب هنا وهناك، فابحثوا عن مخابئ لكم ولأسلحتكم وانتشروا خارج أماكن تجمعاتكم؟ كما ان غالبية التصريحات تؤكد ان العملية ستستغرق سنوات عدة، وبعضها حدد ١٠ سنوات وآخر ذهب بعيداً ليتحدث عن 40 سنة، وكأنه يقول: «أبشروا بطول سلامة يا إرهابيين، وتحملوا يا عرب ما سيحلّ بكم طوال هذه السنوات العجاف، إن لم تفنوا قبلها».

ومع الاعتراف بعدم جواز الجزم بصوابية الخيارات العسكرية من جانب من لا اختصاص له، وأنا منهم، فإن من البديهي القول إن أهل المنطقة أدرى بشعابها وقضاياها وحساسياتها، وإنهم هم الذين يدفعون الثمن من أمنهم واستقرارهم وثرواتهم وأرواحهم ويحملون الأوزار مهما كانت النتائج، كما ان الأوضاع لا تحتمل الإطالة والاستمرار في الحرب على المدى الطويل. فالمنطقة تعيش الآن في سباق مع الزمن ولا تحتمل سير السلحفاة التي تصل متأخرة أو قد لا تصل أبداً في الوقت المناسب.

فأهل المنطقة يريدون الحسم السريع لأنهم أكثر إدراكاً لأوضاعها المعقدة والحساسيات والحسابات المتعلقة بها... وأكثر تفهماً لنبض الرأي العام وأسلوب مجابهة جماعات متطرفة باتت تملك السلاح المتطور والمال الوفير والخبرة العسكرية، بعدما انضم إليها مئات الضباط والجنود المدربين والمنشقين عن الجيشين العراقي والسوري، إضافة الى مئات المتطوعين من أنحاء العالم. وعلينا ألا نتجاهل أيضاً قدرة هؤلاء في التفنن باستخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الحديث التي تصل الى كل بيت والتركيز على أساليب التجييش العاطفي والديني والإرهاب والتخويف و «البروباغندا» بشتى أنواعها وأشكالها.

ولا يختلف اثنان على ان «الجنرال وقت» هو عامل أساس في حسم المعركة، أي معركة، مع احترام نظريات جنرالات التحالف. هذا ما تعلمناه من دروس التاريخ وتجارب الآخرين، علماً ان هذه الحرب الجديدة تتطلب اعتباراً أكثر له ودقة في التعامل معه لأسباب متعددة أهمها انها حرب غير تقليدية، بل هي مزيج من حرب العصابات وعمليات الكر والفر والقدرة على التخفي والانتشار بين السكان واتخاذهم دروعاً بشرية لا بد من ان تتسبب بالإحراج في وقوع ضحايا من المدنيين والنساء والأطفال، وهو ما سيسعى إليه الإرهابيون لتأليب الرأي العام.

يضاف الى ذلك ان «داعش» وأخواته تحارب في أرض غير أرضها، بل هي أرض محتلة، ولا تبالي بالدمار ولا بهدم مدن وقرى لا تخصها، ولا تهتم بمصير أهلها الذين أُجبروا على النزوح أو الرضوخ لأوامرها، كما انها استولت على أسلحة ومعدّات حديثة لم تدفع ثمنها ولا تجد صعوبة في الحصول على غيرها من مستودعات الجيشين العراقي والسوري، إن لم تأتها من مصادر أخرى.

ومن هنا يأتي استغراب التصريحات التي تتحدث عن سنوات، والاستهزاء بطلعات جوية متفرقة وبأوقات متباعدة لتقصف مركزاً أو مركزين للإرهابيين، أو تطاول رتلاً من مسلحيهم لتعود الى قواعدها سالمة من «نزهتها» وتنتظر الأوامر للقيام بمهمات أخرى في اليوم التالي أو بعده. ومع الاعتراف مرة أخرى بعدم الاختصاص العسكري والاستراتيجي، فإن من المنطقي القول إن مثل هذه الحروب تتطلب شن ضربات متتالية ومركزة ودقيقة من دون انقطاع لتشل حركة الإرهابيين وتمنعهم من التمدد والتقدم، إضافة الى استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحديد أماكن تمركز القيادات ومراكز الإدارة والتحكم لضربها وإجبارها على التنقل وكشف تحركاتها.

أما ما جرى حتى هذه اللحظة، فمن المؤكد انه لن يؤدي الى حسم الأمور، بل ربما زادها تعقيداً، فالحوادث الراهنة تشبه الى حد بعيد زلزالاً يهز المنطقة بأسرها، ما يتطلب مجابهة على مستوى أخطاره وتهديداته، إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها أو أن أصحاب الحل والربط لديهم تصور آخر لحسم الأمور لم يرد الإعلان عنه لو كشف تفاصيله.

هذا الزلزال هو ارتداد طبيعي لزلزال ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١ الذي تبنت فيه «القاعدة» تفجيرات نيويورك وواشنطن، وكان من نتائجه ضرب القضايا العربية، وفي مقدمها قضية فلسطين وإقدام الولايات المتحدة على احتلال أفغانستان والعراق وتدمير ركائز الدولتين وإعادتهما عشرات السنين الى الوراء وهز الكيانات العربية والإسلامية.

فهل المقصود من قيام «داعش» وخلافته المزعومة استكمال سيناريو الهدم وتفتيت الدول العربية وتدمير البنى التحتية وإشعال نار فتن وحروب قد تستمر عشرات السنين؟ الرد المنطقي على هذا السؤال يتركز على حقائق أرض الواقع. فماذا جنى العرب والمسلمون من الزلزال الأول غير الدمار وضرب الأمن والاستقرار وهدر الثروات العربية؟ والى ماذا يمكن ان يؤدي الزلزال الجديد، الأكثر خطورة وتأثيراً، وماذا يفيد ما يسمى بالجهاد المزعوم قطع رأس أميركي أو بريطاني أو فرنسي، أو حتى عربي مسلم أو مسيحي، غير تشويه صورة الإسلام وتهديد حياة ملايين المسلمين؟ وماذا ستجر علينا هذه الظاهرة غير الدمار والمذابح وهيمنة الدول الأجنبية على المنطقة وخيراتها وقراراتها وإطلاق يد القوى الإقليمية، أي تركيا وإيران وإسرائيل في فرض إرادتها ونفوذها على العرب أصحاب الأرض والتاريخ والمصير وأسياد المنطقة عبر العصور؟

أليس هذا ما نشهد فصوله اليوم وتتكشف خفاياه يوماً بعد يوم، بعدما سقط القناع؟ وأي مكسب يمكن ان يحصل عليه العرب والمسلمون من هذه الخلافة المزعومة وغيرها؟ بل أي ثمن سيدفعون لاحقاً من حروب وفتن ودمار وضياع وتفتيت؟ الأمر واضح لكل عاقل، لكن هناك من يراهن على مجهول لن يأتي، أو على مفاجأة لن تحصل وسط شكوك وعلامات استفهام حول الوحش «فرانكنشتاين» ومن اخترعه ومن أوجده ولماذا وكيف انقلب على أصحابه؟

وهل يمكن ان نصدق ان النيات صادقة أو ان القصد شريف من كل ما حدث؟ أو ان من يتحرك باسم الإسلام صادق في دعواه؟ وحتى لو صدقنا جدلاً أنه صادق، هل اختار السبيل الصحيح والصراط المستقيم وامتثل لمبادئ الإسلام السمح واختار العمل بهدوء وحكمة وتعقل لنشر دعوته، بدلاً من لجوئه إلى الذبح والإرهاب والقتل وقمع الحريات والتكفير وإجبار الآمنين على النزوح من ديارهم وإرهاب أتباع دينهم قبل غيرهم من أتباع الديانات والطوائف الأخرى وخوض غمار حروب عبثية، يعرف دعاتها ونعرف جميعاً انها خاسرة وستجر عليهم وعلينا الويلات؟

إنّها أسئلة مشروعة تتطلب دراسة أوسع والبحث بعمق في الخفايا والأبعاد والأسرار والنوايا والغايات والمآرب والخلفيات والممارسات وأهدافها، لكن الأمر المؤكد ان الإطالة ستنجم عنها نتائج عكسية قد تؤدي إلى انتشار الارهاب واتساع رقعة المواجهة وازدياد التعاطف معه. ولهذه الأسباب وغيرها لا بد من معالجة الداء من أعماقه واجتثاث جذور المِحنة ومسبباتها ووضع خطط سياسية واقتصادية واجتماعية لإعادة تأهيل المجتمعات والقضاء على الفساد والالتفات إلى إعادة الإعمار لتحيي الآمال وتوفر فرص عمل شريف لملايين الشباب العاطلين الذين تُستغَل محنتهم لغسل أدمغتهم وتوريطهم في الإرهاب.

ولا بد من إيجاد حلول عاجلة لأزمة انتشار اللاجئين والنازحين نتيجة الحروب، وهي أيضاً تشكل التربة الصالحة للاستغلال ونشر التطرّف والأحقاد. ولا بد أيضاً من إزالة أسباب النزوح بإيجاد حلول عادلة وسريعة للحروب والأزمات التي تنخر في جسد الأمة على امتداد العالم العربي، مع وجوب إحلال السلام في المنطقة وفرض الحل العادل لقضية فلسطين على أساس منح الشعب الفلسطيني جميع حقوقه المشروعة وأولها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ووقف الإجرام الاسرائيلي ومنع أي تعرض للمسجد الأقصى الذي بارك الله من حوله، لأن أي تهديد يتعرض له (الأقصى) سيشعل نار حرب لا حدود لها وتضاعف من حدة التوتر وتنشر نيران التطرّف.

فالحل لا يمكن ان يكون عسكرياً فقط ومواجهة الارهاب الجديد بالحلول الأمنية وحدها والمعالجة لا يمكن ان تكون تقليدية وبطيئة ولا تصل الى الجذور ويشارك فيها الجميع، من القمة الى القاعدة ومن البيت الى المدرسة والجامع ومن الدولة الى الأفراد وأصحاب الرأي، وفي مقدمهم رجال الفكر والإعلام.

نعم لا مجال للعمليات التجميلية والتكبير والتصغير وحشو الـ «بوتوكس» واستخدام المسكنات والمهدئات، بل لا بد من عملية جراحية عاجلة تستأصل السرطان المنتشر في الجسد العربي وتجتث معه جذوره ومسبباته، وأي تباطؤ أو تأخر، أو تأخير متعمد، سيؤدي الى ما لا تحمد عقباه ولا نملك بعدها إلا رحمة الله، وهو الرحيم العليم.

المصدر: الحياة الكاتب: عرفان نظام الدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ