سرمين وأخواتها
سرمين وأخواتها
● مقالات رأي ٢٢ مارس ٢٠١٥

سرمين وأخواتها

يمر الخبر عابراً على وكالات الأنباء وشاشات التلفزة: النظام السوري يقصف المنطقة الفلانية بغاز الكلور، وسقوط عشرات الضحايا. المنطقة، هذه المرة، سرمين، لكنها لم تكن الأولى. هي محطة من محطات الإجرام التي لا يتوقف عندها نظام بشار الأسد، بل يمضي إلى المزيد. كيف لا؟ وهو يرى الأضواء الخضراء تلمع في وجهه من كل جانب. أضواء لمحها منذ الجريمة الكبرى في الغوطة في 2013، يوم أطلق غازاته السامة على الأطفال والناس والشيوخ، ولم يحرك أحد ساكناً. كانت مجرد بعض عبارات التهديد والوعيد، وقرع قليل لطبول الحرب، كان يدرك الجميع أنها لم تقع، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويواصل النظام السوري مجازره.

سرمين ليست الأخيرة، ولا الغوطة هي الأولى، ما بينهما وقبلهما عشرات المجازر التي ارتكبت بحق المواطنين السوريين، بغاز الكلور وغيره. مع بداية الثورة التي بدأت، قبل أيام، عامها الخامس، كان الجميع يترقب رد الفعل الدولي على قتل عشرات السوريين، وكان الأمل يحدو كثيرين بأن ضغطاً دولياً وإقليمياً، سياسياً أو عسكرياً، سيكون كفيلاً بإزاحة نظام الأسد، أسوة بأنظمة سقطت في المنطقة. مرت الأيام وغرق السوريون في دمائهم، وبقي الموقف الدولي على حاله، بل تطور إلى الأسوأ.

مع بداية سقوط القتلى السوريين، كانت الإدانات الدولية عموماً، والأميركية خصوصاً، تتوالى، حتى تم الاعتياد على أخبار الموت اليومية. تقدمت الإدانة خطوة بعد ذلك، لتصبح التحذير من لجوء النظام إلى الأسلحة غير التقليدية، على اعتبار أن قتل السوريين بأسلحة تقليدية أمر حميد، ولا يستدعي أي رد فعل. ومع ذلك، كانت المجازر بالأسلحة الكيماوية، الأكبر كانت في الغوطة، لكن غاز الكلور لم يوفر قبلها، ولا بعدها، وصولاً إلى سرمين. لم تستدع هذه المجازر أي تحرك دولي، ما عدا الاستنكار والأسف والتهديد الفارغ، والذي ما إن سقط حتى فتح للنظام السوري الباب لمزيد من الإجرام، وصولاً إلى الحال الذي هو عليه.

اليوم، لم تعد الدماء السورية تثير أي امتعاض دولي. لم يعد الضحية السورية يثير الأسف والأسى. لم يعد الوجع السوري يؤلم أحداً غير أصحابه الذين ما عادوا ينتظرون غوثاً، ولا عوناً من أحد، خصوصاً وهم يسمعون وصلات الغزل ورغبات الوصل التي يتلوها المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم وزير الخارجية، جون كيري.

وللمفارقة، جاءت مذبحة سرمين مباشرة غداة إعلان كيري نية واشنطن مفاوضة النظام السوري، الذي خرج رئيسه، بشار الأسد، ليطالب واشنطن بأفعال وليس بالأقوال. في المقابل، كانت أفعاله تدور على الأرض السورية من شمالها إلى جنوبها، بلا حسيب ولا رقيب. أفعال ليست سرمين وأطفالها القتلى إلا جزءاً منها، في ظل حال التخلي التي يتعاطى فيها العالم مع المأساة السورية. تخلٍ يذكّر بالشعارات التي كانت ترفع في التظاهرات، حين التقط الناشطون السوريون سوء الموقف الدولي وحال الخذلان الذي يتعامل به مع الأزمة. كان الشعار "يا الله ما إلنا غيرك يا الله" يعبّر عن اليأس من الآخر، من دون أن يعني الاستسلام للواقع.

لم يعد قتل السوريين فعلاً للنظام وحده. بات الجميع مشاركاً في إهدار الدم السوري، سواء بالصمت أو الدعم أم التعتيم. النظام يقتل بترسانته الآتية من روسيا والصين وإيران، والغرب يتفرج، ويتسابق للحديث عن حوارات خرافية لنقل السلطة. وأصبح الإعلام العربي والغربي معتاداً على نزيف الدم السوري، سواء بالأسلحة التقليدية أو الكيماوية. لذا، كانت سرمين مجرد سطر انتهى مع موعد النشر.

"كم كنت وحدك"، عبارة قالها محمود درويش في قصيدته "مديح الظل العالي"، ليصف حال الفلسطينيين بعد اجتياح بيروت. عبارة يمكن إسقاطها على الوضع السوري الذي ما عاد حتى يثير الحسرة في الرأي العام العربي والدولي، الشعبي والرسمي، فالموت السوري بات عادة، والجرح النازف لا يوجع إلا أصحابه، بينما نحن نكتفي بالفرجة.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: حسام كنفاني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ