سليماني... إيران وصناعة البطل
سليماني... إيران وصناعة البطل
● مقالات رأي ١٧ مارس ٢٠١٥

سليماني... إيران وصناعة البطل

هكذا تحاول إيران أن تسوق قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي ما انفك يتنقل بين سوح القتال، في العراق وسورية، فهي اليوم، ومن خلال سليماني، تريد أن تكسب مزيداً من الشيعة العرب إلى صفها، وإلى جانب مشروعها الإمبراطوري، الذي ما انفكت تروجه.

طبيعة العلاقة المعقدة بين العرب والفرس، وليس إيران، لها ما لها، فهي لم تستقر على حال، منذ انكسرت إمبراطورية فارس على يد العرب المسلمين، قبل أكثر من 1400 عام، وبقيت هذه العلاقة الإشكالية تحدد طبيعة مصير المنطقة، فهي تارة في انصهار ووحدة إسلامية، انعكست، إيجاباً، على مجمل الحضارة العربية والإسلامية، وتارة أخرى في صراع، يخفي وراءه ما يخفي، ولعل الصراع القديم على المنطقة والنفوذ، هو من يتحكم في طبيعة مخرجات كثيرة لتلك العلاقة في حال توترها.

تدرك إيران، جيداً، أن الصراع في المنطقة لا يمكن أن يكون صراعاً طائفيا، بين سنة وشيعة بحكم القومية التي تربط أبناء المذهبين، لكنها تدرك أيضا، أن إمبراطوريتها الموعودة، وكما كانت على مر التاريخ، لا يمكن لها أن تقوم إلا عبر الطائفية السياسية. ومن هنا، كانت التغذية الصادرة من طهران، حيثما وجد الشيعة، بأنها راعية للمذهب وحامية حمى الطائفة، ولن تدخر جهداً لحماية شيعي واحد في أقصى مجاهل إفريقيا.

كانت الحرب العراقية الإيرانية، إبان ثمانينيات القرن الماضي، التي سعت فيها طهران إلى تصدير ثورتها، قد فشلت، على الرغم من أنها اعتمدت وقامت على مجموعة دعايات، في مقدمتها دعاية تصدير الثورة، وتحرير فلسطين، وفقدت إيران في تلك الحرب الكثير، ومن يومها أدركت طهران أن أفضل طريق للوصول إلى أهدافها، بتصدير الثورة وتحقيق حلم الإمبراطورية، أن تقاتل بجنود الآخرين، فكان الشيعة العرب، وقود إيران لتلك الأحلام، وإنها ستبقى تحارب تحقيقا لمشروعها، حتى آخر جندي عربي شيعي.

الانتصار الإيراني الذي باتت ملامحه تتشكل عبر السيطرة على أربع عواصم عربية، باعتراف ساستهم، ما كان ليتم إلا بتسخير المذهب، خدمة لحلم الإمبراطورية، واليوم، تسعى إيران من خلال نموذج سليماني، لتصويره بأنه حامي حمى الشيعة العرب.

قائد مثل سليماني، وبهذه الأهمية، محاط بدرجة عالية من السرية في تنقلاته وتحركاته، فهو، وفق معلومات أمنية عراقية، محاط بخطين دفاعيين، من الإيرانيين التابعين للحرس الثوري، ويحيط نفسه وتحركاته بسرية تامة جداً، فحتى حلفاؤه من العراقيين لا يعلمون به، وبالتالي، لم تأت عملية تصويره بهذا الشكل من فراغ، أو عفو الخاطر وابنة اللحظة ، كما قد يعتقد بعضهم، وإنما هي عملية مبرمجة، يراد منها صناعة النموذج، المخلٌص للشيعة العراقيين من خطر تنظيم الدولة الإسلامية ، داعش، التي تريد ذبح الرافضة، كما تشير إلى ذلك أدبياتهم.

مشاهدة بعض القنوات العراقية، الشيعية الممولة من إيران، وبعض صفحات "فيسبوك" العراقية، تجعلك تدرك حجم التجهيل الذي يمارس بحق الشيعة والسنة على السواء، فهذه القنوات لا تنفك وهي تصور بطولات ما يسمى الحشد الشعبي، غالبيته من الشيعة، كما أنها لا تنفك تتحدث عن بطولات قاسم سليماني، ودوره في تحقيق النصر، مع العلم أننا لم نشهد أية معركة شارك بها سليماني وانتصر، فمشاركته في حوران السورية، أدت إلى تكبد قوات النظام والمليشيات الإيرانية خسائر كبيرة جداً وقاسية، ومشاركته في العراق، سواء في إمرلي شمال العراق، أو في جرف الصخر في جنوب بغداد، أدت إلى محرقة بحق المدنيين، حتى تمكنت تلك القوات من دخول تلك المناطق، علماً أن إمرلي شهدت انسحابا مبكراً لداعش، حتى قبل أي اشتباك، أما معركة تكريت التي يخوض رحاها سليماني، فإنها، وبعد مرور أسبوعين، لم تحسم بعد.
"لن يكون غريباً ترشح سليماني لرئاسة إيران في الدورة الانتخابية المقبلة"

ضخمت إيران، ومعها وسائل إعلامها، وأيضا، وسائل إعلام غربية، خطر داعش، حتى صورتهم بأنهم سيدخلون وبغداد ومدن الجنوب، وربما يصلون إلى إيران، ومنها جاء دور سليماني الذي يظهر بصورة المنقذ.

يريدون أن يقولوا لعرب العراق الشيعة إنه ليس لكم من ملاذ أو مخلص، سوى إيران وأبطالها، وفي مقدمتهم سليماني، وهنا، أشير إلى ما كتبه حسن هاني زاده، رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية للأنباء، ونشره يوم الاحد الماضي، حينما دعا العراقيين إلى الاتحاد مع إيران، وأن يتركوا "العروبة المزيفة الجاهلية"، بتعبيره.

ليس غريباً أن نجد سليماني، بطل إيران القومي، في صنعاء بضيافة الحوثيين، فهو، اليوم، يسعى إلى أن يكون حاضراً في قلب كل حدث، ليس كصانع لهذا الحدث وحسب، وإنما أيضا كصورة تسعى إيران لتكريسها، عن بطلها الذي يراد له أن يكون بطلاً، كما أنه لن يكون غريباً ترشح سليماني لرئاسة إيران في الدورة الانتخابية المقبلة، فالأغاني التي بدأت ترددها قنوات تابعة لإيران، وصفحات التواصل الاجتماعي، تفيد بأن الدور المقبل لسليماني سيكون كبيرا، هذا إذا تركته أرض المعركة التي يخوضها، ليمارس دوره المرسوم له مستقبلا.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: إياد الدليمي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ