"سوتشي" مقصلة الثورة السورية
"سوتشي" مقصلة الثورة السورية
● مقالات رأي ١ يناير ٢٠١٨

"سوتشي" مقصلة الثورة السورية

يتداول السوريون بيانات وعرائض، منذ عدة أيام، لجمع مليون توقيع ضد مؤتمر سوتشي الذي حددته روسيا في نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل، ووافقت معها إيران وتركيا بوصفها الدول الضامنة. وتم الاتفاق الثلاثي على موعد المؤتمر، وترتيباته، في ختام اجتماع أستانة 8 أعماله، الأسبوع الماضي، من دون نتائج على صعيد الإفراج عن المعتقلين لدى النظام السوري، وهم الذين يقارب عددهم 200 ألف، بينهم آلاف النساء والأطفال.

وكانت روسيا قد ضربت موعداً للمؤتمر في بداية الشهر الحالي، لكنها غيرت رأيها بعد أن لمست معارضةً من قوى الثورة والمعارضة. وقي ذلك الوقت، أعطت موسكو للملتقى الذي تريده حاشداً، ويحضره قرابة ألفيْ شخص، اسم "مؤتمر شعوب سورية"، الأمر الذي أثار ردود فعل سلبية وانتقاداتٍ في أوساط السوريين حيال تقسيمهم إلى أمم، وهم شعب واحد، على الرغم من تعدّده الإثني والطائفي. وحين أدركت الأجهزة الروسية أن الحكاية أعقد من حساباتها عادت إلى تغيير الاسم، وتأجيل الموعد من أجل ضمان نجاح المؤتمر. ومع أن أخطاء التحضيرات كثيرة لكنها ليست السبب الرئيسي وراء التأني والتأجيل الذي يعود إلى أخذ موسكو في الحسبان موقف المعارضة الرافض للحضور على أساس الأجندة الروسية لإعادة تعويم الأسد.

وعلى الرغم من أن العرس الروسي يبدو على درجة كبيرة من الاحتفالية، فإن المطلوب، من هذا المؤتمر، أمر واحد لا غير، هو رأس الثورة السورية. ويحاول الروس الضغط بشتى الوسائل من أجل أن تحضر الثورة إلى المؤتمر، وتضع رأسها تحت المقصلة الروسية، وأعلنوا أنهم أنجزوا المهام التي كانت تنتظرهم في سورية، ولم يبق لديهم سوى هذا الهدف الذي يعلو على سواه من حيث الأهمية، ويشكل السبب الأساسي لتدخلهم العسكري المباشر، إلى جانب النظام في سبتمبر/ أيلول 2015، والذي بدأوا يكشفون أسراره شيئاً فشيئاً، ومن ذلك أن حجم القوات الروسية التي قاتلت من أجل منع النظام من السقوط كانت 50 ألفاً من شتى صنوف الأسلحة الجوية والبرية وحتى البحرية.

تعبّر العرائض والبيانات التي يتم تداولها عن تحرّك ضروري، من أجل حشد الرأي العام السوري لرفض المشاركة في سوتشي، لكن الأمر لا ينتهي عند عدم المشاركة وبقاء الوضع على ما هو عليه، لأن الروس لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وسيكون ردّهم، كالعادة، مزيداً من الغارات والدمار والقتل. وفي هذه الحالة، ليس أمام السوريين سوى طريق واحد، هو أن يستعيدوا الثورة التي فرّطوا بها، وأضاعوها، وانشغلوا عنها بمسائل غير جوهرية، وتشكلت من بين الفصائل إمارات حرب، وأخرى تشتغل لحساب الأطراف الخارجية ومصالحها.

ويجب عدم الاستهانة بالمواقف التي صدرت، حتى الآن، لإسقاط "سوتشي"، أو عقده حسب شروط الثورة والمعارضة لجهة رحيل الأسد، وكلما صلّبت الثورة من موقفها، وشدّت صفوفها كلما تراجع الروس. وكانت المفاجأة، يوم الإثنين الماضي، حين أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن مؤتمر سوتشي سيكون تحت رعاية الأمم المتحدة، وهذا تراجع في التفكير الروسي، لأن مسار سوتشي اخترعه الروس، أصلاً، من أجل إنهاء عملية جنيف باعتبارها مساراً أممياً، ولا تفسير لهذا التحول سوى التحرّك الذي بدأ يوم الأحد، الخامس والعشرين من الشهر الحالي، بإطلاق عرائض وإصدار مواقف تدعو إلى مقاطعة سوتشي.

لا توجد لحظة في حياة السوريين أصعب من لحظة اليوم. ويكاد الموقف يشبه في تعقيده ودقته، إلى حد كبير، البدايات، حين انطلقت الثورة في مارس/ آذار 2011، وكانت شعبيةً، ولم يكن أحد إلى جانبها، وشقّت طريقها بتضحيات الشعب الذي لا يزال واقفاً، ولم ينكسر في كل الأرض السورية من الجنوب إلى الشمال، ومن الغرب إلى الشرق.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: بشير البكر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ