سوري وباختصار
سوري وباختصار
● مقالات رأي ١٨ يناير ٢٠١٧

سوري وباختصار


لا يهتم السوري اليوم بما يحدث، أو بما سيحدث في آستانا، ولا يهمه أنها مدينة أنشأها الديكتاتور “نزار باييف” منذ ربع قرن فقط، بعد أن كانت قاعدة عسكرية روسية. ولا يعنيه إن كانت هيئة التفاوض موجودة ضمن التجمع الجديد الذي يتحدثون عنه في الأخبار للتفاوض باسمه، أم لم تكن موجودة، وآخر ما يُفكّر به هو من وافق من الفصائل العسكرية عن طيب خاطر بعدم ربط وقف إطلاق النار بإطلاق المفاوضات، ومن لم يوافق، ولا يتابع أخبار ضغط تركي أو روسي على هذا الطرف أو ذاك؛ للموافقة والرضوخ لتعليمات الدول، وأكثر من ذلك، ربما يستغرب المواطن السوري الذي لا يزال يعيش تحت السماء نفسها التي يعيش تحتها بشار الأسد، نقول ربما، يستغرب أن ثمة سوريين سيذهبون إلى آستانا، إذ ما جدوى ذهابهم ونقاشهم إن كانت الدول الراعية هي التي ستتفاوض، وتفرض أمرًا واقعًا إن توافقت مصالحها.

لا يهتم السوري بكلام “ينس لاركي”، المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة حول مؤتمر سيُنظّم لدعم سورية، ولا يعنيه تجاهل لاركي الإجابة عن سبب إقامة المؤتمر بفترة اجتماع آستانا نفسها، ولا يرغب في جمع أرقام ستنتج عن المؤتمر، وستأخذ صفة “مساعدة الشعب السوري”، فهو لن يرى شيئًا من هذه الأموال، التي سيأكل الفساد ثلاثة أرباعها، وسيصله منه فتات الفتات “إن وصله شيء”.

لا يهتم السوري اليوم بوصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، فأميركا؛ ومنذ اليوم الأول قالت، وبوضوح شديد “لا حل عسكري، لن نتدخل”، ومع أوباما أو ترامب أميركا هي أميركا. فما يعرفه السوري اليوم، أن معارضته التي كذبت عليه لسنين، وتحدثت عن تدخل خارجي أميركي سيقضي على بشار الأسد، ليست أكثر من مجموعة مراهقين وفاسدين، هم الفاسدين أنفسهم الذين رفعوا أيديهم فجأة، وصرخوا “كذبت علينا أميركا”، وأما أنهم لم يقرؤوا رسالة أميركا الواضحة منذ اليوم الأول فهي مصيبة، وإن هم قرؤوها وزوروها لشعبهم فالمصيبة أكبر، وكلتا الحالتين لا تهم السوري اليوم.

لا يهتم السوري اليوم بأن تنبري القنوات الإخبارية العربية للدفاع عن حقه بالحياة، فتلك القنوات تبنّت “داعش” و”النصرة” منذ اليوم الأول لظهورهما، فأخذت على عاتقها أن تتكلم عن أي جريمة يرتكبها التنظيم حتى لو كان ضحية الجريمة مجموعة أبقار في بستان، وتجاهل مجازر يتفنن الأسد وداعموه بارتكابها حتى لو تجاوز عدد الضحايا المئة إنسان.

لا يهتم السوري اليوم بخبرٍ يقول إن الائتلاف حوّل نائب الائتلاف سميرة المسالمة إلى التحقيق لأنها انتقدت أداءه، ولا يعنيه أن المسالمة نفسها انتقدت الكيان الذي بقيت فيه سنوات قبل أن تقرر انتقاده، ولا يستمع لتصريحات رياض حجاب، ولا يقرأ بيانات الائتلاف، ولا رغبة لديه في متابعة هيئة التنسيق، ولن يتذكر أسماء الكيانات النسائية التي طالبت بالحقوق السياسية للمرأة السورية، فالسوري اليوم لا يشبه سوري الأمس، امتلك الحاسة السادسة لكشف الكذب السياسي الفاسد.

لا يهتم السوري اليوم بجملة “الإسلاميون سرقوا الثورة”، فلم يكونوا هم من فتح البوابات، وأطلق الفتاوى، واشترط توزيع السلاح بالراية السوداء، وهلل لقدومهم على المنابر العالمية. ولا يملك السوري وقتًا ليفكر بمثقفين لم يروا من بين مئات آلاف ضحايا بشار، سوى أنهم خرجوا من المساجد، فأعلنوا براءتهم من تخلّف أهلهم؛ فالسوري كان يظن أن لديه نخبة من مثقفين وفنانين ومشاهير، سيسيرون بالكلمة الواعية أمامه، لكنه وجد أن ما لديه إما عراضات باب الحارة، أو جلدًا يوميًا؛ لأنه لم يقرأ كتب الجابري عن العقل العربي.

لا يهتم السوري اليوم بمناضل فيسبوكي يقفز بعد جولتي لعب بالطاولة، ليصيح: “سأناضل لآخر قطرة دم”، ثم يعود إلى مشواره في أزقة مدن غير سورية. ولا يهتم السوري بنجم فضائيات بليغ اللسان عالي الصوت، يوزع صكوك الوطنية والشرف على الطوائف والقبائل وزملاء الكار، ثم يحصد آلاف الإعجابات في صفحته الشخصية.

لا يهتم السوري اليوم بالحوادث الإرهابية التي تحدث في العالم، لأنه يُدرك أن ثمة جواز سفر أزرق سيظهر قرب الحادثة، وإن لم يظهر الأزرق سيظهر السوري نفسه مسؤولًا عن الإرهاب، إما أنه لاجئ جديد، أو قادم من أرض الإرهاب السورية.

لا يهتم السوري اليوم أن حزب الله ليس على قوائم الإرهاب العالمية، ولا يفكر بالانتحار شنقًا أو حرقًا لأن الدول التي طالبت بإسقاط بشار الأسد، هي نفسها الدول التي تتفاوض معه اليوم وتعتبره حليفًا في محاربة الإرهاب، فما جدوى الانتحار في بلد لا يوجد فيه غير الموت.

لا يهتم السوري اليوم بأن فضيحة الأمم المتحدة قبل أربعة أشهر ماتت بالتقادم السريع، ولا يخطر بباله أن دعمها للأسد وصرفها عليه ملايين الدولارات، وتقديمها الأموال لزوجة الأسد وابن خاله ومؤسساته وجنوده وآلياته، كل ذلك سيخضع للمحاسبة؛ فلم يسمع السوري أن موظفًا في الأمم المتحدة تقدم باستقالته على خلفية تلك الفضيحة التي فجرتها “الغارديان” قبل أشهر، ولم يرشح أي خبر عن تحقيق جرى فتحه حول المعلومات التي يبدو أنها لم تصدم أحدًا إلا السوري.

يهتم السوري اليوم بإحصاء شهدائه، وتوثيق الأسماء، وفي كل يوم يضيف خانة في شرح قصة الثورة السورية، لتصبح ما قبل وادي بردى، وما بعد دير الزور، ما قبل آستانا وما بعدها، ولتصبح الشاهدة التي يضعها على القبر، تحمل بدلًا من اسم الشهيد تأريخًا لموته: هنا يرقد شهيد آستانا، وشهيد وقف إطلاق النار، وشهيد الجوع، وشهيد الأمم المتحدة، وشهيد أميركا، وشهيد العالم الكاذب والكلام المعسول.

المصدر: جيرون الكاتب: هنادي الخطيب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ