سوريا.. السجن الكبير وغرفة التعذيب المظلمة!
سوريا.. السجن الكبير وغرفة التعذيب المظلمة!
● مقالات رأي ١١ سبتمبر ٢٠١٨

سوريا.. السجن الكبير وغرفة التعذيب المظلمة!

ما تزال سوريا في أوج العاصفة وفي نزيف حاد يتقطر منها الدماء من كل منحى جغرافيتها مقطعة مقسمة، مجتمعاتها مفتتة، بلى فيها الإنسان والحياة وطُمست الحضارة والعراقة وفُقد التراث وضاع التاريخ بين ركام بيوتها الذي بات غطاء أشلاء شعبها، كل شيء مُلطخاً بالدماء، حياة حمراء تجلى فيها الرعب والخوف وأنين الألم، اغتيلت الطفولة وتفشى الجهل وانحسر التعليم وماتت الأحلام وضاع المستقبل ومَنْ ذا الذي سيحمل على عاتقه رسم حاضر اليوم تاريخاً يُفتَخر به على مر السنين!

تموضعت في ذاكرتنا ساعة زوال الألم وانتهاء المأساة وعيش نشوة الانتصار التي باتت أشبه بالمستحيل، سبعة أعوام وسوريا في نفق مظلم بلا نهاية ويكثر في هذا النفق الجلادون والجزارون ولكلٍ له فرائسه تقضم من أجسادنا وتشرب من دمائنا ثم تندد وتستنكر ثم يمشي هؤلاء مشيعون في جنائزنا، حدودنا لم تكن سوى أبعد من حدود بلادنا في حين كان فخري البارودي يكتب والشعوب تردد ما كتبه.. بلاد العرب أوطاني، عذراً يا فخري فليس لدي سوى وطن أول وأخير وهو ذلك الكفن بهمة ونخوة من أغلقوا كل منافذ الفرار من الجحيم الذي يفعله الغزاة والمحتلون في بلادنا وأهلنا، في حين كانوا عاجزين عن إغاثتنا ودعمنا، ليجثو الجميع على ركبتيه ويرفع يديه إلى السماء ويصرخ يا رب مالنا سواك وكل الأبواب أُغلقت إلا بابك مفتوحاً لا يرد خائباً.. فرج كربتنا.

لقد خنقت سوريا خنقاً وحوصرت حصاراً وكان الأسد كفيلاً بأن يعيد تاريخ عائلته في الإجرام ويحوّلها إلى مسلخ بشري وسجن كبير وغرفة تعذيب حمقاء لا يمكن أن يُغادرها حيّ، فالتاريخ لا يمكن أن يُمحى وفي صفحاته تأرخت دكتاتورية آل الأسد وإجرامهم، مدينة حماة التي غرقت بالدماء والدمار سنة 1982 كانت كفيلة بأن تُظهر مدى إجرام هذه العائلة، مجزرة حماة أو مجزرة العصر كما يقال عنها كانت بكفالة بيت الأسد الذي لم يتوانى حينها حافظ الأسد بقتل عشرات الآلاف في غضون 27 يوما والتي كانت فترة المجزرة حينها، عندما قام بحملة عسكرية كبرى قامت بها المخابرات وجيش الأسد والمخابرات الجوية والتي منحها الأسد الأب حينها كامل الصلاحيات في توجيه الضربات للمعارضين حينها واجتثاثهم وقتل حتى المتعاطفين معهم، لقد كانت مجزرة مُرعبة ألقت تعتيماً إعلامياً ولكن! ما الفائدة من الإعلام إن كان الأسد الابن اليوم ارتكب وما زال يرتكب مجازراً أكثر عنفاً ودموية مما فعله أبوه في حماة وعلى مرآى العالم وكما يُقال وعلى عينك يا تاجر، حتى أثبت هذا العالم مدى تخاذله واستهانته بدماء الشعوب البريئة التي أيقظت ربيعاً عربياً في المنطقة ولكن نالت الشعوب أكثر مما تَوَقَّعتْه.

قبل فترة ليست بالبعيدة شاهدت عدة رسومات لفنان سوري يُدعى نجاح البقاعي والرسومات تُجسد حقيقة ما يحدث في داخل السجون والمعتقلات الأسدية والتي أُطلق على أكبر السجون فيها مسمى المسلخ البشري وهو سجن صيدنايا العسكري، ويحاول البقاعي من خلال هذه الرسوم أن يروي معاناة المعتقلين في سجون الأسد مع التعذيب وعكس واقع هذه السجون من الداخل وتوضح الرسومات أيضاً مدى الإجرام الذي فاق أي إجرام يحدث في أية سجون في العالم وحقيقة ما يحدث فيها من تعذيب للمعتقلين وإذلالهم وحتى إجبارهم على العمل الشاق.

إحدى الرسوم لم تغادر ذاكرتي لفظاعة الألم فيها والتي كانت عبارة عن رسم فكيف لو كانت بالحقيقة!، لم يكن الأسد شجاعاً بكل هذه الدرجة لو لم يكن يعلم يقيناً أنه لن يقف أحداً في وجهه ويردعه ويحاسبه على جرائمه، أتذكر أحد العناوين الذي قرأته في إحدى الصحف العربية ويقول ما كان يفعله حافظ بالخفاء يرتكبه بشار اليوم بالعلن، عنواناً في مضمونه آلاف الكلمات بل تستطيع أن تكتب كتاباً منه لفظاعة ما يفعله الأسد اليوم بدون رادع! أين المحاكم الدولية! ماذا فعل مجلس الأمن الذي حصّنه بـ 12 فيتو برعاية روسيا، ماذا تفعل الأمم المتحدة! هي متحدة ولكن على كل شيء ضد الشعوب التي تريد أن تمارس حقوقها الطبيعية في بلادها وهذا يُظهره جلياً أفعالها التي انعكست اتجاه الشعوب التي عانت وتعاني من القمع والاضطهاد والقتل على أرضها، هكذا حوّل الأسد سوريا بلد الياسمين إلى سجن كبير لا يمكن الخروج منه ويحاول تعذيب وتصفية كل من قال لا في وجه عنجهيته وغطرسته.

سجن صيدنايا العسكري سيء الصيت قرب العاصمة دمشق الذي بات يُعرف بالمسلخ البشري بعد تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية تحت عنوان المسلخ البشري والذي كشف عن حملات نفذتها سلطات الأسد بحق المعتقلين وهي حملات إعدام خارج القانون بحق هؤلاء الذين لا يحملون أية تهمة سوى التظاهر أو التكلم وحتى البعض بلا أي تهمة، والذي كان لا يمر يوما فيه إلا ويتم اعدام فيه عدد من المعتقلين والذي أقام نظام الأسد بذات السجن محرقة لجثث المعتقلين بعد تصفيتهم وهذه الأدلة كشفت عنها الخارجية الأمريكية بحسب تقرير للجزيرة في 2017.

ولا يمكن أن ننسى الـ 13 ألف ضحية الذين قضوا في هذا السجن إعداماً وشنقاً خلال ما يقارب خمسة سنوات ثم تم دفنهم في مقابر جماعية، في حين يُلقي في ظلاله العالم على هذه الجريمة التي ارتكبها هتلر العصر بشار الأسد بالتنديد والاستنكار يستمر الأسد بالقتل بكل أنواعه ولا أذكر صراحة إن استخدموا فعلاً حينها هذه الخطوات الجدية التي أربكت الأسد ونظامه التي لا تتخطى التنديد ولا يمكن أن تصل حتى التحذير.. وأسفاه بِتنا مجرد أرقام تتناقص ولا كأن الذي يضمه التراب أجساد فارقتها الروح بعد عناء التعذيب والتنكيل بدون أي ذنب، جريمتهم وتهمتهم كانت المطالبة بالحرية والكرامة فقط.

ما ذكرته قد يكون لا شيء أمام ما يجري فعلياً ووصف بسيط للقليل مما يحصل والذي أعرفه أنا أو نحن أو ما تعرفه الصحافة وتنشره ولكن أثق تماماً أن هناك أفعال وأمور لا أحد يعلم بها وتجري في غياهب هذه المسالخ بشكل خاص وما يجري على الارض السورية عامة ولكن لا يوجد عدسة كاميرا توثقها، عدا النهج الذي يستخدمه المحتلون والطغاة ضد الشعب والذي بات روتيناً يومياً من القصف المدفعي والصاروخي من السماء والأرض والذي يستهدف المراكز الحيوية والمشافي والنقاط الطبية والمدارس، مما أدى إلى ازدياد المعاناة أكثر وتوليد حركة النزوح والتهجير إلى حدود البلاد المجاورة والتي كانت سد منيع في وجه أهلنا في كل وقت مما جعلهم دائماً تحت سماء تُمطر قذائف وصواريخ روسية أسدية تحاول إجبارهم على الخنوع والرجوع إلى زريبة الطاعة الأسدية التي لا تميز بين رجل أو امرأة أو طفل ليكون مصيرهم إلى غرفة التعذيب المظلمة ليعاني ويعاني حتى يُسجّى جسده بالتراب.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: حذيفة المحمد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ