سورية المحتلة والسوريون الضائعون
سورية المحتلة والسوريون الضائعون
● مقالات رأي ٢١ سبتمبر ٢٠١٦

سورية المحتلة والسوريون الضائعون

حين تمتلئ سماء سورية بطائرات عسكرية أجنبية، وأرضها بأسلحة وبمقاتلين من دول عدة، وحين تصبح لروسيا ولأميركا ولإيران وتركيا قواعد عسكرية في المدن السورية كافة، حين يحصل كل ذلك نجزم بأن سورية أصبحت محتلة.

طلب النظام من روسيا حمايته في مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة، منذ 2011، وكذلك فعلت المعارضة حينما طلبت كل أشكال الدعم والتدخل العسكري لتخليص سورية من المجزرة. لكن لا روسيا استطاعت إنهاء الثورة ولا أميركا نصَرَتْها. تطور الأحداث كان يَخضع للشروط الإقليمية والدولية، وكان لأميركا ولروسيا دور مركزي في تأجيل الحل السياسي وإدامة الحل العسكري، بقي الأمر كذلك حتى انهارت سورية بالكامل وأصبحت إمارات متقاتلة! دُمرت مدنُها وقُتل مئات ألوف الناس، وشُرد الملايين ونُهب الاقتصاد وأصبحت خسارتها أكثر من 250 مليار دولار.

بعد الهدنة الأخيرة، حدثت لقاءات بين كيري ولافروف وكُتبت وثائق، ومنها ما ظل سرياً، ورفضت القيادة الأميركية إعلانها، وهي بالتأكيد ستُعلن في وقت قريب. لكن هذا السلوك الامبريالي، الذي وافقتها روسيا عليه على رغم رغبتها في إفشاء السر، وبغياب المعارضة والنظام عنه، يؤكد مجدداً أن سورية محتلة.

النظام، ومنذ بداية الثورة، شعر أنها ستطيحه لا محالة كما حدث في تونس ومصر، فكانت الضرورة هذه تستدعي طلب التدخل الإقليمي والدولي. المعارضة أيضاً طالبت به، بسبب رؤيتها المشوشة للتموضعات الدولية والإقليمية، وأوهامها عن أن أميركا تريد نظاماً سورياً جديداً وبما يُكرر تجربة التدخل في العراق وليبيا، وبالتالي المعارضة والنظام أصبحا أدوات بيد الخارج. متانة الثورة وضخامة التدخل لمصلحة النظام، هما ما جمّد الوضع وأبقيا النظام، وفي مرحلة لاحقة لعبت أميركا دوراً مركزياً في ضبط كل العمليات العسكرية المناهضة للنظام.

أيضاً قوة الثورة، وعلى رغم كل أخطاء المعارضة، دفعت النظام والدول الإقليمية والعظمى لتسهيل دخول ألوف الجهاديين إلى سورية. وفي المقابل، فإن تلاشي قوة النظام العسكرية دفعه إلى الاستعانة بالميليشيات الطائفية التي تقودها إيران. عنف النظام ورداءة تحليل المعارضة للثورة والوعي الديني الشعبي هي ما سمح للجهاديين وللسلفيين بالوصول من الخارج أو الانبثاق من الداخل، وهذه فئات معادية للثورة أولاً، وللنظام ثانياً، وقد خاضت معاركَها بعد أن تمكنت من الشعب، أي قضت على منظماته السياسية والمدنية والإعلامية والإغاثية المستقلة، وبنت سلطتها الشمولية. والدقة تدفعنا للقول إنها خاضت معارك ضد النظام، وهي تُمكِن نفسها، لكنها ظلت معارك أقرب إلى صد هجوم قوات النظام، أو التدخل حينما تُنهِك فصائل الجيش الحر تلك القوات كما حدث في مناطق كثيرة في سورية.

الجهادية والسلفية ليستا من الثورة بشيء، وكذلك فالقوى السياسية المعارضة الحداثية لم تكن هي من أطلق الثورة، لكنها تساوقت مع بعض أهدافها وحاولت تسييد أهداف أخرى تراها ممثلةً للثورة. يعنينا هنا السلفية والجهادية، فهما تعلنان أن ثورتهما ليست من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل من أجل دولة إسلامية متخيَّلة ومن أجل استعادة المجتمع الإسلامي الذي هويته من هوية الأكثرية الدينية. أهدافهما هذه مناقضة لأهداف الشعب، الذي كرّر طيلة 2011 و2012 أن الشعب السوري واحد، أي أن أهداف ثورته هي من أجل كل السوريين.

في مطلق الأحوال، تمكنت الجهادية والسلفية من الثورة، وبالكاد نجد في 2016 تنظيمات عسكرية مستقلة أو سياسية، كما كانت في الأعوام الأولى للثورة، فأغلبيتها أصبحت خاضعةً لهذه التنظيمات.

على العموم، الدور السوري انتهى الآن، وسورية محكومةٌ بالتوازنات الإقليمية والدولية، وما يُعد من هُدنٍ أو اتفاقات علنية وسرية ليست لمصلحة السوريين. نعم كان السوريون ثائرين ضد النظام، والآن، أصبحت مهمّتهم الثورة ضد الاحتلالات المتعددة الأشكال.

ربما هذه المرحلة لم يحن وقتها لغياب أي دور فاعل للسوريين الوطنيين، لكن حينما تهدأ الجبهات سيجد السوريون أنفسهم مكبلين باتفاقات تضرّ بمصالح النظام والمعارضة معاً.

بكلمة واحدة، قاد الاستبداد البلاد إلى الاحتلال، وساعدته المعارضة الانتهازية في ذلك.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: عمار ديوب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ