"سورية بدها حرية" ولا تزال
"سورية بدها حرية" ولا تزال
● مقالات رأي ٩ أبريل ٢٠١٨

"سورية بدها حرية" ولا تزال

لو توفرت فرصة مخاطبة العالم، التي هيأها مجلس الأمن الدولي بكل خبث وتواطؤ لمندوب نظام الأسد، بشار الجعفري، لأي مخلوق، حتى غوبلز، كي ينفث هراءه المسموم؛ لتواضع قليلاً. يريد الجعفري، في خطبته أخيرا أمام مجلس الأمن، أن يحرّر الجولان، في وقتٍ لا يخرج رئيسه من المخبأ إلا بحماية روسية - إيرانية. كَم يتمنى السوريون أن يتحرّر الجولان السوري. المسألة ليست بوعد التحرير المؤجل من نصف قرن، ولا بالاحتفاظ بحق الرد الذي لم يأت ولن يأتي؛ بل بتفريخ الاحتلالات التي لم يولّدها أحد إلا الذين يعدون بالتحرير أنفسهم.

إضافة إلى الجولان، يريد الجعفري أن يحرّر كل شبر من الأرض السورية. وذلك يشمل الشمال الشرقي والجنوب والشمال والوسط السوري من التحالف وأميركا وتركيا وغيرهم. السوريون، والذين يستمعون إلى هذر الجعفري، يعرفون أن الأمكنة الوحيدة التي تستطيع منظومة الاستبداد التي ينتمي إليها الجعفري أن "تحرّرها" هي بيوت السوريين من سكانها. والأمثلة حيّة وكثيرة. أما الشمال والشرق والجنوب، فهذا غير ممكن؛ لأن مَن جلب الاحتلال لا يمكن أن يكون محرِراً.

تماماً كما كانت مساهمة منظومة الاستبداد بإيجاد الإرهاب والتسلُّح به ذريعةً لقتل السوريين، كان استدعاء الاحتلالات. نهاية الإرهاب هي نهاية مشروع القتل بالنسبة للمنظومة. ومن هنا، كان إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية "داعش" مؤلماً للنظام؛ فتراه يعيد حساباته ويتراجع عن إعلان "نصره" في حميميم. هكذا حال الاحتلالات التي يتحدث الجعفري "بغوبلزية" عن إنهائها، وهو يعرف أن نهاية الاحتلالات هي نهاية للمنظومة التي ينتمي إليها. فعلها الخياني هو الذي استدعاها؛ فكيف سيناضل لإخراجها؟!

يعيدنا هذا إلى حديثه عن تحرير الجولان الذي ينطبق عليه الفعل والسلوك الحالي للمنظومة تجاه الاحتلالات، ويدفعنا باتجاه تفسير قصة الجولان واستنتاجها ككل. أليس منطقياً أن يسأل المرء كيف ولماذا كان تسليم الجولان لإسرائيل أساساً؟ وهل كان ذلك غير ثمن لسلطة الأسد الأب في السلطة؟

كل الذين يستمعون إلى الجعفري يعرفون ما يهذر به، والأخطر يعرفون أبعاده. لا يستطيع الجعفري أن يقول غير ذلك. إنْ فَعَلْ، هناك إخلال بالمهمة. ما كان ليُسْمَح لتلك المنظومة أن تقتل وتشرّد وتدمّر وترتكب تلك الجرائم، لو لم يكن مستمعو الجعفري يعرفون تلك الحقائق. واحد بالألف من الجرائم التي ارتكبتها المنظومة في أي مكان في الدنيا تودي بفاعلها وبوقت قياسي. وما كان الجعفري أصلاً ليُسمَع أو يجد له مكاناً في محفل عالمي، لو لم يكن النظام الذي يمثله مأجوراً خائناً ورخيصا. من هنا يأتي عدم تواضع الجعفري؛ من هنا تأتي بلطجيته.

وهكذا هو الحال مع السوريين، أي حقائق يمكنهم الاستفادة منها، لكي يعيدوا بلدهم إلى الحياة ويخلّصوه من براثن هذا الوباء؟ ليس اختراعاً أو اكتشافاً القول إن هذا النظام يكذب كما يتنفس؛ أناني؛ متوحش؛ يسجن، يشرّد، أو يقتل مَن يقول "لا". السوري الرمادي تحت المراقبة والخوف؛ والموالي العبودية المطلقة، أو يلتحق بزميليه. السوري متيقّن أن النظام الذي لم يوفر سلاحاً إلا واستخدمه في معركته على السوريين؛ ولن يتردد باستخدامه ثانية؛ فلا يزال شعار "أحكمها أو أدمرها" هو الأثبت، بكل ما فعله أو سيفعله.

يدرك السوري أن خدمات هذا النظام بلا حدود للأقوياء، وعلى حساب أي مبدأ يرفعه ويتبجح به. محتل الأرض (إسرائيل) هو سر بقائه. خدَم أميركا في كل وساخاتها في المنطقة كأجير أمين؛ والأمر ذاته تجاه مختلف أجهزة المخابرات العالمية. تحالفه استراتيجي مع إيران؛ ليس على أسس أيديولوجية، بل سياسية بامتياز؛ فلا تعني الشيعة أو التشيُّع له أو لإيران أكثر ما تعنيه الديمقراطية أو شرعية نظام الأسد لبوتين.

بخصوص داعمي النظام الأساسيين؛ روسيا وإيران، على الرغم من تناقض مصالحهما أو توافقها أو تنافرها، إلا أن تحالفهما الاضطراري هو السائد، والمستفيد الأساس منه في بقائه هو منظومة الاستبداد. ولن ينزاح هذا الحلف غير المقدس عن كاهل السوريين إلا بفعل دولي، وبرباطة جأش وعمل دؤوب وعقل سوري.

ما تم الاصطلاح عليه "أصدقاء سورية"، إضافة إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها، إن لم يكونوا غير صادقين أو جادين مع القضية السورية، فهم عَجَزَة أمام المؤامرة الكبرى الخبيثة مع منظومة الاستبداد العميلة أو متواطئون.

والحال هكذا، ماذا تبقى للسوريين ليستعيدوا حياتهم وبلدهم في ظل هذا الهيجان المتلاطم الداهم على أرواحهم؟ وأي استراتيجية يرسمون للخلاص؟ بداية، ما يُقال إن أسلمة الثورة السورية وعسكرتها كانتا المقتل ليس إلا أمراً مُبالغاً به، وناتجاً عن ضيقٍ يبحث عن أسباب للكبوات أو عدم إنجاز الثورة أهدافها. كانا عاملين اضطراريين تم الشغل الحثيث عليهما من الآخر بقدر ما تم شغله على آلة القتل والدعاية والإعلام. وفي عجز مؤسسات الثورة والمعارضة وفسادها وتقصيرها وتعثرها، يمكن قول الكثير الكثير؛ وما من مرافعة أو قوة يمكن أن تبرّر ذلك. حتى القول إن السوريين يعدمون الخبرة، لأنهم لم يقوموا بثورة بعد ثورتهم على الاحتلال الفرنسي ليكونوا خبراء بالثورات، لا تشكل تبريرا.

الهزيمة الفعلية هي الاستكانة والتسليم بالواقع الجائر. الكبوة لا تقتل. والسوري يجب ألا يموت قبل أن يأتيه الموت. كل ما حدث لا بد من دراسته بعمق، واستخلاص الدروس والعبر منه.

هناك 12 مليون سوري اقتُلعوا من بيوتهم، وتبعثروا في أربع أصقاع الأرض، لم يتبخروا، ولا تزال سورية الحرة عنوانهم؛ وعودتها إلى الحياة حرة من القمع والاستبداد مطلبهم. هناك اعتراف دولي بمنظومات المعارضة (على الرغم من ضعفها وتشوّهها) لا يمكن التفريط به. هناك قرارات دولية لا يمكن أن تسقط بالتقادم أو الشيطنة. هناك ملفات إجرام لا يستطيع نظام مهما قوي أن يهرب منها. هناك سجل إجرامي للنظام وداعميه لا يستطيع أحد أن يطويه. هناك نظام خرب ودمر ويقع عاجزاً اقتصادياً، ومفلساً سياسياً، ومقعداً أخلاقياً يعيش على سيروم دموي روسي إيراني.

هناك صامتون ستكون ثورتهم بلا حدود لحظة إحساسهم بضعف سطوة منظومة القمع. هناك من يبحث عن الخلاص من المغطس السوري أكان من الداعمين، وخصوصا روسيا؛ أو من دول العالم التي لا بد تستشعر حريق القصة السورية. والأهم هناك داخل سوري غضبه بلا ضفاف، وتصميمه على الخلاص من القمع والاستبداد بلا حدود. ومن هنا، لا بد من وضع هذه الحقائق نصب الأعين، والتداعي إلى انطلاقة جديدة لثورة سورية، من أجل استعادة وطن حر كريم، لا مكان لبشار الجعفري وأسياده فيه.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: يحيى العريضي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ