سورية بعد قمّة هلسنكي
سورية بعد قمّة هلسنكي
● مقالات رأي ٢٩ يوليو ٢٠١٨

سورية بعد قمّة هلسنكي

تلاشت أحلام كثيرة بعد قمة هلسنكي بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، فقد توافقا على تعويم النظام السوري، وأن يتم ذلك بإعادة تفعيل اتفاقية وقف الاشتباك بين سورية وإسرائيل، وفق ما كان قبل 2011 ومنذ 1974، وسحق ما تبقى من فصائل معارضة في المنطقة الواقعة تحت السيطرة الروسية، وتأكيد أن تلك الحماية تتطلب إخراج إيران من سورية. لم يتم طرح المسألة علانيةً بخصوص إيران في القمة، ولكن حجّ كل من مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى بوتين، أفضى إلى تثبيت هذه القضية، والتي يتشكل حولها إجماع روسي أميركي إسرائيلي وتركي، وكذلك سوري. إذن، تعيد هلسنكي تعويم الأسد، وتتحدث عن إخراج إيران من كل سورية، وليس من جنوبها فقط!

تزداد إيران ضعفاً، فهي تتعرّض لحصار دولي وإقليمي، وتهدّدها داخلياً تظاهرات شعبية ما تنفكّ تتجدد، وكلما أخمد النظام مدينةً ثارت أخرى، وبشكل متصاعد منذ بداية 2017. إيران التي دفعت المليارات والقتلى، وشكّلت المليشيات، لم تستطع، كما يبدو، شن معركة ضد إدلب، فإدلب برأيها فيها مركز إرهابي كبير، وعكس ذلك، فقد اتفقت كل من روسيا وتركيا على نزع حجته بوجود بلدات "شيعية"، حيث تم تهجير أهاليها لسد الذريعة تلك، ولكن كذلك ليتم فرض سيطرة تركية كاملة على إدلب، بينما يسيطر النظام على بقية سورية، بما فيه المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد. إذاً هناك مناطق نفوذ تُرسم على وقع التحالف التركي الروسي بشكل خاص؛ تكرّر أميركا مراراً أنها ستخرج من سورية، وهذا يبدو أنه متفق عليه بصفقة مع روسيا، وتتضمن دعم الأخيرة أميركا في العراق، وإخراج إيران من كل المنطقة العربية، وترك أميركا لروسيا حرية التصرف في سورية. أكذوبة دعم الثورة، ثم الحرب على الإرهاب ثم مناطق خفض التوتر وقضمها، كلها ساعدت على إنهاء الثورة والفصائل، وتمكين روسيا وإعادة تعويم النظام، وبالتالي هناك اتفاقيات ستظهر تباعا بين الدولتين، وستُطبق ما ذكرت أعلاه.

إذا روسيا هي المتحكّمة في سورية؛ تركيا المتضرّرة من أوروبا وأميركا، كما حال روسيا، وبالتالي لديهما جملة مصالح، تستدعي تثبيت سيطرة كلتيهما في سورية، مع دور أكبر للروس. تجد إيران التي استدعت روسيا إلى سورية، نفسها بوضعية حرجة كما قلنا، وبالتالي، ستناور لتعويض خسائرها باستثماراتٍ اقتصادية، والحماية لمناطق دينية تخصها، قبالة إخلائها مليشياتها من سورية، وهذا سيكون اضطرارياً؛ فإسرائيل لم تتوقف عن قصفها وقصف مراكز عسكرية لها، ويشكل الدور الروسي المتزايد في الإشراف على معارك الغوطة ودرعا، ومحاولة نشر جنودها في مدينة القصير، وسوى ذلك عناصر واضحة لتقليص كبير للوجود الإيراني. يضاف هنا أن النظام يعلم أن من حَماهُ من السقوط 2015 هي روسيا تحديدا؛ روسيا التي جاءت بمعاهدات واتفاقيات مع النظام، بينما تغطي وجود إيران اتفاقية عامة للتعاون العسكري، وهي اتفاقية أقرب إلى الدبلوماسية.

يتزايد التقارب بين النظام وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، حيث هناك تسريبات تؤكد إعادة النظام إلى مراكزه الأمنية في كل مناطق سيطرة هذا الحزب، وكذلك استعداد هذا الحزب لفتح مراكز له في كل المدن التي يسيطر عليها النظام. ويتعزز هذا التقارب على خلفية الإعلان المتكرّر عن الانسحاب الأميركي، والتخوف من استغلال تركيا الفراغ في حال قرّرت أميركا فعلياً ذلك الانسحاب؛ هذا يعني أن لا معركة ستحصل مع الأكراد. تضاف إلى هذه الفكرة العلاقات التركية الروسية القوية، والتي تشكلت لأكثر من سبب، وبما يخص سورية، فهي بدأت منذ الانقلاب في تركيا 2016، وتعمقت مع إسقاط حلب، وسحب الفصائل منها، للمشاركة في معركة درع الفرات وغصن الزيتون وتشكيل مناطق نفوذ في أكثر من منطقة، وقبالة ذلك تأخذ روسيا الغوطة ودرعا والقلمون ومناطق كثيرة من دون حروب حقيقية؛ وتقول هذه الوقائع إن إدلب لن تتعرّض لحملة عسكرية.

أصبحت عقدة إدلب بيد كل من روسيا وتركيا، وحجة إيران بوجود بلدات شيعية سُحبت، كما ذكرنا، إذًا ما العمل مع هذه المدينة، وقد اكتظت بالسلاح والجهاديين، وتشملها اتفاقية خفض التوتر. نقول: ما العمل، لأن شرق سورية أصبح محسوماً، وبالتالي لا بد من الانتهاء من إدلب، وإعادة تشكيل النظام بعد تعويمه؛ ستتعرّض إدلب هذه، لضغوط كبيرة من الروس والأتراك، وستُجبر على إخراج الجهاديين الأجانب والعرب والآسيويين منها، وهذا سيستدعي بالضرورة تصفياتٍ تشمل القيادات المتشدّدة في كل التنظيمات، ولا سيما في هيئة تحرير الشام؛ المجبرة على حل نفسها، فهي تصنف لدى روسيا وأميركا وتركيا هيئة إرهابية. ولكن، كيف سيتحقق ذلك؟

حاولت هذه الهيئة تسيير اتفاقية خفض التوتر؛ فلم تشارك فعلياً في المعارك التي شنها النظام، ووصلت قواته إلى مطار أبو الضهور، وكذلك استعاد النظام مناطق واسعة من أرياف حماة واللاذقية، وأيضاً حمت طلائع القوات التركية التي نصبت نقاط مراقبة وفقًا لتفاهمات أستانة، أي حاولت أن تقدم نفسها أداة للنفوذ التركي. ليس كل ما فعلته الهيئة كافياً لبقائها وشرعنتها؛ فالممكن الوحيد كما تمّ في مناطق درع الفرات وعفرين، أي تشكيل قيادة موحدة من الفصائل، وربما جيش يجمع الجميع، وتصفية الجهاديين من إدلب، أي أن روسيا وأميركا لن تقبلا بأقل من فرض تركيا نفوذها كاملًا على إدلب. وبالتالي، على هيئة تحرير الشام الرحيل؛ وهذا سيكون مدعوماً ومرغوباً من أهالي إدلب والفصائل، وفي هذا سيتم إلغاء أو إعادة تشكيل كل من حكومتي الإنقاذ والمؤقتة. ستكون المناطق تحت سيطرة تركيا مناطق لوجود المعارضة مستقبلاً.

قلت إن شرق سورية سيتم إيجاد صيغة له، والآن هناك تقارب بين قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادي) والنظام. وبالتالي، تبقى منطقة إدلب، فكيف ستعاد إلى النظام مجدّداً؟ هناك تسريبات تؤكد أن جيش النمر وجيش أحمد العودة وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، بالإضافة إلى اللواء الخامس الخاص بالروس، ستشكل جيشاً تحت القيادة الروسية، وربما تتشكل أيضاً قوات عسكرية من الفصائل، تحت السيطرة التركية وتكون جزءاً من هذا الجيش.

ما يجري ذكره هنا تكثر حوله التسريبات؛ ويضاف إليه تفكيك روسيا المليشيات التي شكلها النظام منذ 2011، وهو ما حدث أخيرا في كل من اللاذقية وحماة، وسيحدث في دمشق، وبأغلبيتها تابعة لإيران. والسؤال: بعد كل هذه المعطيات، هل سيبقى النظام المُعوّم على حاله؟ تفترض هذه النقطة إعادة تشكيل النظام المعوّم ذاته، فروسيا الآن تحتل سورية، وأمامها إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين وتأمين بيئة مستقرة، وهناك إلحاح أميركا وأوروبا بضرورة الاستقرار، أقول إن كل هذه النقاط تستدعي تغييراتٍ كبرى في الجيش والأمن ورجالات النظام الأوائل.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: عمار ديوب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ