سورية بين الخروج السوفياتي والانتداب الروسي
سورية بين الخروج السوفياتي والانتداب الروسي
● مقالات رأي ٧ فبراير ٢٠١٧

سورية بين الخروج السوفياتي والانتداب الروسي

لنفترض أن هناك ضغوطاً سياسية أو عسكرية نجحت في إخراج روسيا وأتباعها من سورية، ولنفترض أن الدول التي مارست الضغوط السياسية أو دعمت الضغوط العسكرية هي من تولت رعاية المكوّنات السورية (السياسية والمسلحة) بعد خروج الروس! ما هو السيناريو المتوقع للمستقبل السوري؟

هل ستتحول سورية إلى واحة سلام؟ هل سيرمي الجميع السلاح ومخازن السلاح ويذهب مباشرة إلى قوائم الانتخابات وصناديق الاقتراع؟ هل ستنعم البلاد بحكم ديموقراطي يُنسي أهلها عذابات السنوات الست الأخيرة، وإحباطات العقود الخمسة الماضية؟

التاريخ لا يتكرر، لكنه ينعطف المنعطفات نفسها بين وقت وآخر، فما هو يا ترى «المنعطف المكرر» الذي قد يمر به تاريخ سورية مستقبلاً؟

أفغانستان، الدولة الآسيوية المقفلة فقيرة الموارد، دخلها السوفيات عام 1979 داعمين للنظام الموالي لهم في كابول، وخرجوا منها عام 1989 بضغوط سياسية دولية وضغوط جماعات مسلحة محلية بدعم من أميركا ودول أخرى. دخلوها بحجة حماية نظام وطني في نظرهم، عميل في نظر الأفغان، وخرجوا منها لحماية نظامهم في موسكو، الذي بدأت تظهر عليه التصدعات. عقد كامل وهم على التراب الأفغاني، فماذا كانت النتيجة؟

خلال عشر سنوات 1979-1989 تغيّرت طبيعة الشخصية الأفغانية. وتخلى المجتمع المحلي عن ازدهاره وتنوعه وفنونه وثقافاته المتعددة و (تشككه الإبداعي). تخلى عن ألوانه وراح يسير بخطى (الجاهل الذي يؤكد) إلى اللونين الأبيض والأسود. انقلبت الحال الأفغانية رأساً على عقب، وذهبت الأرض المقفلة قبل 1979 إلى سجلات التاريخ، وخُلقت أرض جديدة بمزايا وصفات جديدة!

قد يسأل قارئ: هل هذا التغيير ضد مسار الزمن؟ هل هو حال معزولة عن «علم اجتماع الحروب» و «ثقافة الاضطرابات المزمنة»؟ الجواب بالطبع لا، فما حدث في أفغانستان أمر متوقع، لكن السؤال المقابل لهذا الجواب هو هل نجحت أميركا في إعادة الشعب الأفغاني إلى طبيعته الأولى وساعدت في نمائه وازدهاره من جديد وحوت حيرته وضياعه بعد حروب السنوات الـ10؟ هل ساهم المنتصر على الأرض في ترميم ما خلفه انتصاره؟ هل مارست دورها الأخلاقي الذي جاءت من أجله كما أدعت؟

صحيح أن أميركا ومن خلفها العديد من دول العالم سهامت في إخراج السوفيات من أفغانستان لكنها إثر ذلك تركته وحيداً في مواجهة مصيره الأسود! سحبت كبريائها وغرورها من المنطقة وذهبت إلى مناطق أخرى في العالم! كان همها الرئيس تفويت الفرصة على السوفيات في الاستفادة من موقع قدم في آسيا الوسطى، وتحقق لها ما أرادت ثم أدارت ظهرها للمحرومين والفقراء والبائسين على الأرض، ما أنتج حرباً أهلية ما زالت تشتعل حتى اليوم!

خرج السوفيات مهزومين على وقع طبول انتصار أميركي، ودخلت أفغانستان من ذلك الحين في دوامة لا تنتهي.

على طرف الصدفة التاريخية المقابلة، تعيش سورية اليوم تحت رعاية القيصر الروسي غير المباشرة منذ الـ15 من آذار (مارس) 2011، وتحت احتلاله المباشر منذ الـ30 من أيلول (سبتمبر) 2015. جاءت القوات الروسية لدعم النظام الموالي لها في دمشق، متحدية الشعب السوري أولاً، ومنظمات العالم الأممية وغير الأممية ثانياً، وعدداً كبيراً من دول العالم على رأسها أميركا ثالثاً. وبقيت منذ ذلك الحين متحكمة وحدها على الأرض السورية، فهل من الحكمة في هذا الوقت أو المستقبل القريب أن يتم الضغط على روسيا عبر قنوات عدة للانسحاب من سورية في وجود هذه القوى العبثية والمتضادة على الأرض أم أن الواقع السياسي يفرض على المحبين لسورية والداعمين وحدتها وصمودها أن يعيدوا استذكار التاريخ الأفغاني القريب؟

روسيا ستخرج عاجلاً أم آجلاً. هذه مسألة منتهية، ويبقى على القوى الإقليمية في المنطقة المعنية بعذابات الشعب السوري والصديقة للكرملين أن تضغط من أجل تأمين خروج ناجح للروس يختلف تماماً عن طريقة خروج السوفيات من أفغانستان. لا بد من أن يخرجوا بطريقة تُبعد أميركا تماماً من المشهد أولاً، وُتحصّن الشعب السوري ضد الانزلاق في فوضى الفراغ الأمني المفاجئ ثانياً!

في الحال السورية لا تُمكن القوتين العظميين أن توجدا حلاً مشتركاً واحداً. فعلى رغم أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يقول في كل سانحة إن علاقته جيدة بقيصر روسيا فلاديمير بوتين، وعلى رغم الإشارات الديبلوماسية التي ترشح بين حين وآخر بين البلدين بإمكان الاتفاق حول الملف السوري، إلا أنه لا أحد على هذه الأرض يؤمن بإمكان حدوث واستمرار الشراكة الروسية الأميركية للأبد. هذا أمر يخالف السنن الكونية ويتعارض مع نظريات توازن القوى عبر التاريخ.

إما أن تخضع روسيا لأميركا أو أميركا لروسيا ويعيش العالم في قطبية واحدة، وإما أن تتضاد القوتان العظميان لتوازنا روح العالم، وإما أن تميل روسيا باتجاه أميركا لتوازن الدولتان وجود الوحش الصيني في الطرف المقابل، وهذا أمر مستبعد في الوقت الحالي. أما أن تتفق الدولتان العظميان في مثل هذه الظروف التي نعيشها كما يقول ترامب فهذا أمر مستحيل، وسيخضع للاختبار قريباً... ويفشل!

ستعود أميركا بعد أشهر قليلة وربما أسابيع لمناكفة روسيا في المنطقة والالتفاف من جديد حول القوى الإقليمية لتأمين خروج روسي ذي طابع سوفياتي، ثم ستدير ظهرها من جديد للمنطقة وتبحث عن صراعات أخرى جديدة في العالم من أجل إدارتها وصرف أرباحها في العمق الأميركي.

اجتماع آستانة كان فاتحة الحلول، وبقي أن يصنع محبو سورية وأصدقاؤها أدوات ضغط فاعلة تجبر الروس على فرض حكومة سورية جديدة مقبولة شعبياً، وتولّي رعايتها وتأمين حضورها محلياً وأممياً ومحاربة أعدائها في الداخل حتى القضاء عليهم وإعادة السلم من جديد بغطاء رعوي دولي.

ليذهب بشار الأسد أولاً (هذه مسألة غير قابلة للمزايدة) ولتبقى روسيا في «حال انتداب» لأجل مسمى ثانياً، ثم ليخرج بعد ذلك القيصر بعد أن يحقق مطلبين مهمين: إبعاد الأميركي وتأمين الحكومة الجديدة ضد منزلقات الحرب الأهلية!

هل هذا هو الحل الأكثر صحة والأكرم أخلاقاً؟ لا... لكنه الحل الأمثل.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: عبدالله ناصر العتيبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ