سياسة ترقيع أميركية
سياسة ترقيع أميركية
● مقالات رأي ١٩ ديسمبر ٢٠١٤

سياسة ترقيع أميركية

كارثة سياسية واقتصادية وإنسانية، لم يعرف لها العالم مثيلاً من قبل، كارثة لم تقتصر على سورية، بل تجاوزت ذلك إلى دول جوارها، ليكون الرئيس السوري، بشار الأسد، صاحب الصفحة الأكثر سواداً في التاريخ العربي الحديث. الكارثة التي أصابت سورية والجوار لم تكن إلا تراكمية مناورات قاتلة، من أجل الحفاظ على السلطة، ويبقى الحديث عن مسوغاتٍ، من قبيل المؤامرة وشرك الثورات التي ما هي في الحقيقة سوى فخاخ، الغاية منها النيل من هذه الأنظمة المقاومة والممانعة، مثلما يحب أو يحلو لبعضهم التوصيف، متناسين أن المؤامرة الجوهرية على الشعوب هي وجود مغامرين يقايضون بقاءهم في السلطة، ولو على حساب كوارث سياسية. أثبت التحالف الدولي على الإرهاب فشله، وازدادت الأزمة الاجتماعية والإنسانية والمعيشية حدة، وباتت تنذر بما يشتهيه النظام، وبات التحالف أمام البنى الأهلية السورية، تحديداً السُنة، أصحاب المظلومية منذ قدوم الحكم العلوي إلى سورية، في بداية ستينيات القرن المنصرم، الحامي الأول والأخير للنظام. لذلك، لا بد للتحالف الدولي لصرف أنظارهم عن إيجاد حاضنة شعبية للتطرف، من الاشتغال على القضاء على الإرهاب لا على احتوائه، وذلك بقوة حقيقية جوية وبرية، تقضي على الإرهاب بأشكاله كافة، منطق قوة يلجأ إليه التحالف في وجه نظام الأسد، والإرهاب الخاص به، الذي أوجده في سبيل إعادة إنتاج نظامه، بوصفه يواجه إرهاباً سنيّاً.

سياسة الترقيع التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية حيال ملفات المنطقة الساخنة بعد حرب العراق، حيث فشلت فشلاً ذريعاً في العراق، ولم تستطع، إلى الآن، فرض حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وترددت كثيراً حيال أزمة سلاح حزب الله في لبنان، والذي بات معوقاً لحل ملفاتٍ كثيرة، أشياء تجعل النظام السوري يفكر بمناورات جديدة، تجعل الولايات المتحدة مرتبكة حيال مساومة النظام، ومماشاة روسيا والصين وإيران حول بقاء الأسد ونظامه في مقابل تسوية ما، والقبول بحلول غير جذرية.

" في سورية والعراق، حيث الأنظمة الطائفية الحاكمة تتلقى أموالاً طائلة ودعماً عسكرياً وسياسياً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية "

المؤامرة التي يواجهها الشعب السوري اليوم، بتدبير من النظام وخصومه الظاهريين/ أصدقائه الباطنيين، لا يتحمل وزرها سوى البنى الأهلية، وخصوصاً السُنة. لذلك، يبقى الحديث عن مناورات داخلية، وأخرى خارجية، وخلط للأوراق، تهويمات بغرض فرض حلول وسط لا مكان فيها للداخل المتحمل لكل شيء، ليس بغرض فرض حلول تضمن للنظام بقاءه، بل رحيله مع رموز الدم.

تعيش الولايات المتحدة، اليوم، حالات من الضعف لم يشهد لها التاريخ السياسي الأميركي المعاصر مثيلاً، حيث باتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على بوابة مناطق نفوذها في الخليج العربي، حيث السيادة الأميركية للطاقة، بينما الولايات المتحدة منشغلة بالملف النووي الإيراني، الذي لا يقدّم ولا يؤخر كثيراً، حيث المطلوب إضعاف إيران كلياً، والبوابة السورية جزء من سياسة القمع السياسي ككل. لذلك، ستكون الانتخابات الأميركية المقبلة فرصة جد مناسبة لتوجيه صفعة لإيران، تخرجها نهائياً من مناطق نفوذ الكبار. تبقى الولايات المتحدة المسؤولة عن المأساة التي وصل إليها السنة في سورية والعراق، حيث الأنظمة الطائفية الحاكمة تتلقى أموالاً طائلة ودعماً عسكرياً وسياسياً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دعماً موجهاً ضد السنُة، بغرض المضاعفة من أزمتهم السياسية والاجتماعية والإنسانية، بغية فرض واقع سياسي وديموغرافي جديد، لا يقيم وزناً للمساواة والتعددية. لا يمكن الحديث، اليوم، عن بقاء قطب واحد بعد الحرب الباردة، ظهور الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية، وصعود الصين قوة اقتصادية وعسكرية طامحة في النفوذ، وملاحقة روسيا حلمها بعودة امبراطوريتها المنهارة، أمور تفترض واقعية الضعف الأميركي. وتالياً، التعامل بواقع مع المنطق الذي يفرضه النظام: إما الانتحار مع الشعب أو البقاء. لذلك، على أميركا والكبار مراعاة مصالح السنُة، ورحيل النظام لضمان بقاء سيادة نفوذها أمام تهديد دول من قبيل إيران.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: أحمد صلال
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ