سيمفونية طفولة سورية..
سيمفونية طفولة سورية..
● مقالات رأي ٢١ يونيو ٢٠١٨

سيمفونية طفولة سورية..

المقطع الأول: بلا عنوان
لو قرأت هذا العنوان فيخطر في بالك أصوات تلك السيمفونية التي تتعلق بأصوات طفل أخرج من تحت أنقاض طفولته أو صمت طفل مات ببراميل العذاب أو أصوات أطفال يناشدون العالم والعرب بالتدخل لإنقاذهم، ولخطر ببالك أيضا مشاهد تتخيل فيها طفلا يلبس ثياب العمل متجها ليجني قوت أهله، أو صورة طفل ينظر بحرقة لأطفال ذاهبين إلى المدرسة، أو ترى ما تراه من آلام فيعتصر الغصص جوانحك ويخالط مشاعر قلبك أنينا متكسرا، هذا ما يرتسم من سيمفونية طفل سوري عاين الحرب وتلوع منها وفقد من يلوذ به فاتجه ليختصر الزمن إلى الرجولة أمام ما يواجهه وحده مع ما تبقى من ألمه وحياته.


المقطع الثاني: مونولوج
تبا لك أيتها الخيمة لقد كرهتك ومللت هذا المخيم وتلك الحصى والطرق.. تبا لي لأني أعيش فيك يا مخيم.. كم مرة مللتك وكرهتك وتراني أمسك ترابك وأقبله، تركني كل العالم واحتضنتني أنت بما فيك من ويلات، لن أنساك ولن أنسى عذابك سأنتقم منك.. بل سأنتقم ممن هجرني وأحرق طفولتي الجميلة. لقد تعبت أناملي من العمل واحترق وجهي من الشمس وتلك الإصابة في كبدي من القصف الأخير على المخيم.. تؤلمني متى سأطيب ومتى أكبر أكثر ..


المقطع الثالث: من إنسان
وتكبر أيها الطفل وتصبح رجلا وأنت بعمر الصغار، تدمع الفؤاد وتعلو معانيك النبيلة في تاريخ الطفولة وترسم لوحة مجروحة بالعار على جبين الإنسانية، وتكبر ويكبر معك الألم ويصغر العالم تافها أمام ملامح البؤس والشقاء بوجهك، تكبر وتكبر .. ويزهر الأمل.


المقطع الرابع: من طفل إلى طفل
ليتني مثلك وليتني أموت ولا أراك حزينا، لعل حياتنا تكون أفضل بطفولتك، في المدرسة أنا وأصدقائي كثيرا ما نتكلم عنك وأحكي لهم ماذا تفعل وكيف يشتد القصف وكيف تهدم منزلكم وانتقلتم للمخيم، وأنك تدرس في الخيمة، وحكيت لهم عن استشهاد صديقك بالقصف وكيف أثر فيك موته وكيف نجوت من آخر قصف قبل أن تهجر من منزلك الذي تدمر فوق رؤوسكم، يومها قلت لي: لم يبق على قيد الحياة سوى أنت وابن جيرانكم، ووالد عائلة في الطابق الرابع كان خارج منزله.
 
كثيراً ما أتذكر صبرك وخاصة عندما أغضب أو يحدث معنا مكروه أو صعوبة، أتخيلك تقول الحمد لله على كل حال، رسمت صورتك في ذاكراتي عندما توفي والد صديقي في منطقتنا، كنت تقول لي اصبر وكن مع صديقك وقولا الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون، أتذكرك تصبر على القصف والتهجير والعيش مع الموت فأصبر مثلك وأستفيد منك.


أحبك يا صديقي وأتعلم منك كن قويا لأجلي، تعلم لأجلي فأتعلم منك، علمتني معاني الحرية، دروسك أنت والأطفال من حولك التي أشاهدها على شاشة التلفاز تؤرقني وتبعث في نفسي الأمل والعمل، .. أحبك قدوتي يا صديقي.


المقطع الخامس: حوار طفلين
الأول: هل ذهبت إلى المدرسة.
الثاني: نعم، أذهب كل يوم إليها لكي أستطيع الحياة متجاوزاً إصابتي.
الأول: وكيف تتجاوز في المدرسة ذلك؟
الثاني: أشعر بقوة الإرادة في داخلي عندما أفعل ما يفعله الأصحاء.
الأول: وكيف تذهب؟
الثاني: أجد كل يوم من يسحب لي الكرسي المتحرك إلى باب المدرسة.
الأول: وعائلتك؟
الثاني: صمت.

المقطع السادس: رسالة طفل

أعيش حياة مليئة بالأمل مزينة بالابتسام إلا أنها تخلو من السلام؛ فقد تدمر بيتي وهُدمت مدرستي، وأنا اليوم أعيش في خيمة أتلقى فيها بعض الدفء والكثير من المعاناة والألم والعذاب والويلات، أتجول في الطرقات وأبيع البسكويت والمناديل لكيلا أسأل الناس من عطائهم شيئاً، وبين فينة وأخرى يتناهى إلى مسمعي استشهاد أطفال آخرين هنا وهناك، وإصابة أطفال أيضاً جراء القصف، وتشرد أطفال وحدهم أو مع أهاليهم، عدا عن موتنا الذي نعيشه مرغمين في حياة تشبه كل شيء إلا حياة الأطفال، ولكننا ندثر بالأمل ونغفو بانتظار أن تشرق شمس يومٍ ما.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: بلال خليفة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ