شراء الضمير.. لعبة الطغاة لتضليل الشعوب!
شراء الضمير.. لعبة الطغاة لتضليل الشعوب!
● مقالات رأي ١٧ مارس ٢٠١٨

شراء الضمير.. لعبة الطغاة لتضليل الشعوب!

من المتعارف عليه في علم التجارة أن التسويق والإعلان أي "التلميع": هو من أهم مقومات نجاح المنتج، حتى لو كان بالي وفاسد وعديم القيمة، مثل إعلانات السيجار وبعض أنواع المشروبات الكحولية، وهذه المنتجات لا تختلف عن الطغاة العرب إلا ببطئها في الفتك والقتل، فمن أهم مقومات صمود الطغاة على مدى سنين طويلة: هو شرائهم لضمير الآلاف من الكتاب والإعلاميين والفنانين، فقد كسروا قلم الكاتب وثبطوا تفكيره، وسرقوا ريشة الرسام وقيدوا تعبيره، وهيمنوا على حرية الإعلام وأوقفوا هديره، ولعل أفضل مثال عن هذا هو عائلة الأسد بطاغيتيها الأب والابن، الذين حكما سورية على مدى 50 عام.

كان العام 1973 البداية الفعلية لتهافت "الملمعين" و"المطبلين" كما يسميهم السوريون لرضى الأسد الأب، خاصة بعد حرب تشرين "أكتوبر" التي خرج منها مطأطأ الرأس خالي الوفاض، فقد حوّلوا هزيمته نصراً وذله عزاً، ونقش النقّاشون صوره في كل زاوية، وخلّد المؤرخون أقواله المأثورة في صفحات التاريخ السوري كأنها قرآن منزل ودرّس المعلمون بطولاته وإنجازاته الوهمية للأجيال، ولحن وغنّى الفنانون أناشيده الإقصائية، وصاغ الشعراء أبيات شعرهم من بريق عينه الكاذب.

لقد كان كتاب الصحفي البريطاني "باتريك سيل" الصراع على الشرق الأوسط، أهم حملة تسويق غربية لعائلة الأسد، بعد أن دفع حافظ الأسد مبلغ 300 ألف دولار أمريكي لقاء هذا الكتاب ذو الصورة الوردية، الذي لم يترك تفصيلة حميدة إلا وذكرها عنه، فقد تحدث بقسميه الإثنين: عن طفولة الأسد الأب وشبابه، وعن تنقله في الرتب العسكرية ووصوله للحكم وحركته التصحيحية المزعومة، وتحدث مطولاً على أن الطائفة العلوية لم تستغل منصب الأسد الأب أبداً، بل أن شبابها جدوا وكدوا وتمسكوا بحقهم في التعليم، حتى وصلوا إلى أعلى مناصب الدولة حسب تعبير الكاتب باتريك سيل، الذي رسم بذلك صوراً بيضاء بالدم، ونحت هياكل الكبرياء بالوهم، وترك في طيات صفحات كتابه، بطلاً هلامياً شرى ماضيه ومستقبله بدماء السوريين .


حقبة الأسد الابن "بشار"
لم يخرج الطفل المدلل عن نص أبيه في هذا المجال بل على العكس تماما، فقد طوّر كثيراً من الأساليب وواكب الحداثة وأضاف طرق جديدة، واستعان بالمنجمين، الذين أوهموا الشعب السوري بأن القائد المفدى خليل النصر الدائم، ذو التاج المكلل بالنجاح باقٍ إلى الأبد، لن تزحزحه نسمة عابرة من مجلس الأمن، ولا نفحة هواء من المجتمع الدولي؛ وحارب أيضا منابر الإعلام الحر كـقناة الجزيرة وغيرها، وجيّش جيشه الإلكتروني لتلفيق التهم ولنشر الإشاعات ضد كل من يخالفه الرأي، وحديثا كان استخدامه لضمير الرياضيين في المنتخب السوري لكرة القدم، لتوطيد شرعيته وتأكيد مكانته افضل مثال حي يذكر.

لقد استغل الأسد الابن نجاح الدراما السورية استغلالا باهراً، فقبل الثورة السورية جعلها تصرف النظر عن الأوضاع الداخلية المزرية إلى مؤامرته الكونية، وإلى نضاله القومي الفلسطيني المزعزوم، ومع بداية الثورة كانت الدراما السورية سلاحه الفتاك، الذي صوّر فيه نسف المدن فوق رؤوس ساكنيها بالنصر، واغتصاب نساءها بالعزة، وإذلال كبارها بالانتقام، وسعى جاهداً مع مخرجه الوفي نجدت أنزور، لصرف نظر الناس عن الكلب المسعور وعن الغصن المبتور، إلى ذبابة داعش وإلى الفصائل الإسلامية المتشرذمة، وأنشأ أيضا القنوات الإخبارية لمواكبة أحداث حربه وأخبار ميليشياته، واستكتبَ الشعراءَ والكتابَ عن بطولات جيشه وعن صموده الطويل، فتحولت سوريا بعد العام 2011 إلى مزرعة مغلقة، كل أحداثها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطاغيتها الأسد، وقد وصف الكبير الدمشقي نزار قباني هذه المزرعة وصفاً معبراً جداً في قصيدته المحظورة "عنترة" حين قال:
هذي بلادٌ يمنح المثقفون -فيها- صوتهم، لسـيد المثقفين عنترة...
يجملون قـبحه، يؤرخون عصره، وينشرون فكره...
و يقـرعون الطبـل فـي حـروبـه المظـفرة ..
لا نجـم - في شـاشـة التلفـاز - إلا عــنترة..
بقـده الميـاس ، أو ضحكـته المعبـرة ..
يـوماً بزي الدوق والأمير ... يـوماً بزي الكادحٍ الفـقير...
يوماً على دبابة روسيـةٍ ... يـوماً عـلى مجـنزرة..
يـوماً عـلى أضـلاعنـا المكسـرة..

ما أقبح من يبيع ضميره ومهنته! وما أسوأ من يطعم أطفاله طعاما قد جبل بدماء الشعوب! وما من رزيةٍ أشدُ وطأةً من رزيةِ وطنٍ مطعونٍ بسكينِ خذلانِ ولدهِ، الذي رباه وكساه وآواه وأعطاه شيب سنينه فما شفعَ لهُ وما نجاه.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: مهند الصالح
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ