عام "الإجازة" الروسية
عام "الإجازة" الروسية
● مقالات رأي ٢٢ أغسطس ٢٠١٧

عام "الإجازة" الروسية

دخلت روسيا مرحلة الركود السياسي الذي لن يجعلها تبادر في أي ملف، مكتفيةً بإدارة الأزمات شرقاً وغرباً، وهو ما تدركه الولايات المتحدة والدائرة القضائية المتحركة في الكونغرس، على خلفية التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

سببان يمنعان روسيا من القيام بأي مبادرةٍ، أو تسيّد جدال سياسي ما عاماً كاملاً تقريباً. السبب الأول مرتبط بالانتخابات الرئاسية الروسية، المقرّرة في ربيع 2018. انتخابات لم يعلن فيها الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، ترشّحه رسمياً لها، محتفظاً بالإعلان الرسمي حتى إشعار آخر. ربما حتى موعد المؤتمر الصحافي الكبير التقليدي السنوي، والذي يقام في النصف الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام. وفي غياب أي منافسٍ جدّي، فضلاً عن حملة الاعتقالات المتلاحقة للمعارضة الروسية، فإن نجاح بوتين في كسب ولاية رئاسية رابعة، تمتد حتى 2024، يبقى حقيقة أكيدة.

السبب الثاني مرتبط باستضافة روسيا كأس العالم لكرة القدم، بين 14 يونيو/ حزيران و15 يوليو/ تموز المقبلين، وهو ما يستدعي استنفاراً روسياً واسعاً، أمنياً كان أم سياسياً، خصوصاً أن التعامل مع المشجعين الآتين من مختلف أصقاع العالم سيكون التحدّي الأكبر لموسكو، المعروفة بعنصرية جماهيرها، تحديداً بعض الأندية الموسكوفية، وبشغب هذه الجماهير الذي تجلّى في بطولة الأمم الأوروبية العام الماضي في فرنسا.

حتى ذلك الحين، أمام روسيا ملفات عدة تستدعي "التجميد". الأول مرتبط بالشرق الأوروبي، من بحر البلطيق إلى أوكرانيا وصولاً إلى البحر الأسود. في البلطيق، قد لا تخرج الطائرات الروسية للتحليق فوق أجواء بعض البلاد الاسكندنافية، كما اعتادت في السنوات الثلاث الأخيرة. كما ستزداد الدعوات إلى عقد اجتماعات "رباعية النورماندي" (روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا)، المخصّصة لمناقشة الملف الأوكراني، في ظلّ هدوءٍ مفترض في جبهة حوض دونباس (منطقتي لوغانسك ودونيتسك).

الملف الثاني متعلق بسورية. هناك، ستعمل روسيا على تكريس الاتفاقيات الحاصلة حتى الآن مع الأميركيين، بما يتعلق بمناطق "خفض التوتر"، محتفظةً بتأجيل أي بحثٍ جذري في الوضعية السياسية، تحت شعار "الأمن أولاً". لن يقوم الروس بأي هجومٍ عسكري حاسم، لا في دير الزور ولا في غيرها، يشابه ما فعلوه في 30 سبتمبر /أيلول 2015، حين تدخلوا لمنع النظام السوري من السقوط.

الملف الثالث مرتبط بمسألة جزر الكوريل في أقصى الشرق الروسي والآسيوي، والمتنازع عليها بين روسيا واليابان. بات الملف في طور التهدئة، بعد اتفاقٍ سابق بين موسكو وطوكيو تمّ منذ أشهر، يقضي بالتعاون الاقتصادي في المنطقة حالياً، من دون التطرّق إلى ملكية أيٍّ من البلدين للجزر. بالتالي، فإن التطور الاقتصادي يهدف إلى التهدئة في تلك المنطقة وجوارها، تحديداً في ملف كوريا الشمالية الذي انتهى بأقلّ خسائر ممكنة، بعد أسبوعٍ عصيب، وتهديدات متبادلة بإطلاق الصواريخ بين الأميركيين والكوريين الشماليين، وذلك في انتظار تجدّد المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وبيونغ يانغ. وكان الروس معنيين مباشرة في منع أي صدام عسكري.

ماذا بعد التهدئة القسرية روسياً؟ اعتاد بوتين على "الضرب" بعد كل مناسبة انتخابية أو رياضية، تبقى هي السائدة. ففي عام 2014، وبعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، على البحر الأسود، قام الجيش الروسي بعملية عسكرية خاطفة، ضمّ على أثرها شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا. وقبلها، اجتاح الجيش الروسي جورجيا، في أغسطس /آب 2008، بعد الانتخابات الرئاسية في ربيع العام عينه.

وإذا أراد بوتين "توحيد" الشعب الروسي حول قضيةٍ ما، بعد انقسام انتخابيٍّ مفترض بعد الانتخابات الرئاسية، فإنه قد يتجه، في العام المقبل، إلى تفعيل "فعل المبادرة" الروسية، من سورية إلى أوكرانيا، وصولاً إلى البلطيق. وقد تكون خطواته المقبلة أكثر تحرّراً من الخطوات الحالية، خصوصاً ميدانياً. كما أن مصير ندّه الأميركي، دونالد ترامب، يكون قد اتضح.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: بيار عقيقي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ