عن المعارضة السورية
عن المعارضة السورية
● مقالات رأي ١٤ ديسمبر ٢٠١٥

عن المعارضة السورية

 
بعد ثلاثة أيام من البحث والمشاورات في الرياض، اتفقت المعارضة السورية على رفض أي دور للأسد في "مستقبل" سورية، وهو الموقف الثابت لها منذ بداية الثورة، غير أن الصياغة الجديدة التي تبنتها المعارضة تشبه كثيراً تلك التي اختارتها الدول الغربية قبل أشهر، عند الحديث عن بقاء بشار الأسد أو رحيله، فقد تبدل فيها الإطار الزمني لرحيل الأسد من "فوراً"، أو "قبل أي حوار"، إلى "المستقبل". وهذه من تجليات التغير "الإجباري" الذي بدأ يظهر على مواقف المعارضة السورية، أخيراً. أخذاً في الاعتبار أنه تغير لم يرتبط بمؤتمر الرياض زمنياً أو موضوعياً، وإنما هو صدى تحولين مهمين استجدا على معطيات الأزمة، أولهما التدخل الروسي العسكري المباشر الذي غيّر موازين القوى على الأرض، ومن شأنه أيضاً تغيير مفاعيل الأزمة سياسياً، ومن ثم مبادئ التسوية وملامحها. ثانيهما ليس تغير، وإنما انكشاف الموقف الغربي. الذي لم يتحرك، يوماً، بشكل عملي لإزاحة الأسد، أو حتى التضييق عليه، ولو بحصار بحري، أو حظر جوي، لحرمانه من واردات السلاح الذي يضرب به السوريين المدنيين.
على هذه الخلفية المزدوجة، وبفضل عامل آخر مسكوت عنه، شهد لقاءا فيينا 1 و 2 إقراراً إقليمياً ودولياً ببقاء الأسد إلى أجل غير معلوم. ومن ثم فإن جديد المعارضة بشأن مصيره هو تراجع عن الموقف الأصلي، وليس تأكيداً له. وبالتالي، التفاوض الذي يفترض أن يتم في يناير/كانون ثاني المقبل بين فصائل المعارضة و"ممثلين" عن النظام هو، في جوهره، بل وفي شكله، حوار مع النظام. أما بقية ما تضمنته اجتماعات الرياض من نتائج، فهي لا تغير كثيراً من محصلة جانب المعارضة في معادلة الأزمة وموازين أطرافها، فربما كانت "الهيئة العليا للتفاوض" أكثر شمولية في تمثيلها فصائل معارضة من الائتلاف، الذي كان هو أيضاً أوسع نطاقاً من المجلس الوطني السوري، لكنها تظل غير ممثلة لكل فصائل المعارضة، فضلاً عن تحديد دورها في إدارة العملية التفاوضية. والجديد السلبي، هنا، أن اتساع نطاق التمثيل والعضوية، قابله اختزال الدور والصلاحيات، ما يعني انتهاء فكرة تمثيل المعارضة للشعب السوري، أو تجميدها، إلى أجل غير مسمى. وبدلاً من أن يحل "الائتلاف الوطني السوري" معضلة دمج الفصائل السياسية الأخرى معه، ويسعى إلى التنسيق مع الفصائل المسلحة، وتوحيدها، لتصبح ذراعاً عسكرياً له، إذا بصيرورة العلاقة بين أطياف المعارضة ككل تختلف وتؤول إلى فصل السياسي عن العسكري، بشكل عام، والتنكر لبعض الفصائل المسلحة، تجنباً لشبهة "الإرهاب" الفزاعة التي تتذرّع بها موسكو لانتقاء المعارضة التي يُسمح لها بمحاورة النظام. ولم تألُ الفصائل المشاركة في مؤتمر الرياض جهداً في إبراز مساوئها، بالاختلاف حول الأسماء المختارة، سواء في وفد التفاوض (15 عضواً) أو في الهيئة العليا (32 عضواً). وعلى الرغم من تجاوز الخلافات في النهاية، والتوافق على الأسماء المختارة، إلا أن ما جرى يؤكد استمرار منطق المصالح الضيقة، وبقاء العقليات نفسها التي أضاعت فرصاً كثيرة على الثورة السورية، من دون تغيير. هذا هو المسكوت عنه، إنه انقسام المعارضة السورية المستمر منذ خمس سنوات، من دون تقدير لتضحيات ملايين السوريين، ذلك الانقسام الذي أفضى، في النهاية، إلى التعويل على حل سياسي، لن يخرج عن بضعة حقائب وزارية وانتخابات في ما تبقى من مناطق لم تدمر. تلك المعارضة متعددة المشارب والولاءات والأجندات، المنقسمة في داخلها، والمختلفة دائماً على المقاعد والأسماء، لم تنجح لا في إقناع العالم بإسقاط بشار ولا في التوحد أمامه. حريّ بها السقوط، ولينتظر الشعب السوري معارضة جديدة، جديرة به وبتضحياته.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: سامح راشد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ