عن حساسية الأردن تجاه حدوده الشمالية
عن حساسية الأردن تجاه حدوده الشمالية
● مقالات رأي ٨ يوليو ٢٠١٨

عن حساسية الأردن تجاه حدوده الشمالية

وقف إطلاق النار، تفادي كارثة إنسانية، مساعدة المدنيين داخل الأراضي السورية، العودة إلى الحل السياسي، الالتزام باتفاقية خفض التصعيد. .. هذه عناوين رئيسية لموقفٍ أردني عن الوضع المتفجر في جنوب سورية، عبّر عنه وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الأيام القليلة الماضية وفي منابر مختلفة، بما فيها المؤتمر الصحافي مع وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، في موسكو الأربعاء 4 يوليو/ تموز الجاري.

الأردن هو البلد الأكثر تأثراً بما يجري، حتى أن قذائف سقطت في مدينة الرمثا المتاخمة لحدود البلاد الشمالية. ويشكل تدفق اللاجئين قريبا من الحدود الأردنية بالفعل ضغطا نفسيا على الأردن، إذ لا يستطيع تجاهل محنة هؤلاء المهدّدين بالهلاك، ولا يملك، في الوقت نفسه، إدخال عدد هائل منهم لا يُمكن استيعابه لوجستياً واقتصاديا، علاوةً على الجوانب الأمنية للمسألة. لكن هذا الضغط النفسي، وحتى الشعور بقدر من الحرج مع دعوات الأمم المتحدة إلى فتح الحدود جرت مواجهته باتخاذ موقف صائب بالمبادرة إلى تقديم يد العون للمدنيين المشرّدين داخل الأراضي السورية.

وحسناً فعل الجانب الروسي، مُتعهّد الحرب على المعارضة وعلى المدنيين، بعدم اعتراضه على الجهد الأردني الإنساني الرامي إلى تقليص المخاطر، وإنقاذ من يمكن إنقاذهم من العائلات المنكوبة. على أن هذا الجهد يبقى مُهدداً أن لا يؤتي ثماره إذا استمر المُتعهد الدولي الروسي في اندفاعه للقضاء على المعارضة المسلحة، مصحوباً بمليشياتٍ، مثل أبو الفضل العباس وكتيبة الرضوان التابعة لحزب الله، وبقية المليشيات التي تخوض حربا طائفية. ولهذا، تأتي الدعوات لوقف إطلاق النار، فلا يُعقل أن تستخدم موسكو اتفاقية خفض التصعيد لشن حملة عسكرية تلو أخرى، بمشاركة كثيفة من مليشيات إيران: العراقية واللبنانية والأفغانية، فضلاً عن كتائب "المستشارين" الإيرانيين!

والراجح ان موسكو لن تتوقف عن حملتها هذه، فقد باتت أكثر حماسة من النظام نفسه لاعتماد الخيار العسكري التدميري (الأرض المحروقة) بعدما جرى في حلب والغوطة الشرفية، مع ذرّ الرماد في العيون، بتصريحاتٍ عن أهمية الحل السياسي، وحتى عن أهمية انعقاد مؤتمر جنيف. (كان عنوان لقاء الرئيس فلاديمير بوتين وبشار الأسد في سوتشي قبل نحو شهرين: آن الأوان لإطلاق العملية السياسية..).

وعلى الرغم من علاقات الصداقة التي تربط موسكو بعمان، إلا أن سلوك الأولى يفيد بأنها لا تنشغل كثيرا بمصالح الأردن، مقارنةً بانشغالها بمشروعها لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في سورية، وكما كانت عليه قبل أزيد من سبع سنوات، أو مقارنة بتفاهمات موسكو مع تل أبيب. ويستوقف المرء أن الجهد الأردني يبدو منفرداً بغير إسناد سياسي مستحق من دول شقيقة أو أطراف دولية، فيما لا ترى واشنطن في سورية سوى "داعش" وقوات سورية الديمقراطية (قسد) الكردية، وتحاول اختزال المعضلة بدعم الأخيرة ضد "داعش" الإرهابي بتفاهمات حدٍّ أدنى مع تركيا بشأن المسألة الكردية دون سواها.
ويكمن القلق الأردني في الشعور بأنه يُراد الحؤول دون عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وإضافة أعداد كبيرة جديدة إليهم، وذلك وفق مخطط إعادة الهندسة الديمغرافية للمجتمع السوري الجاري على قدم وساق. فيما تسعى موسكو، كما يُفهم من تصريحاتٍ أطلقها لافروف أخيرا، إلى جعل مسألة اللاجئين ورقة للمساومة، تتضمن ما يشبه وضع "شروط" على البلدان المستضيفة للاجئين، وخصوصا تركيا والأردن ودول الاتحاد الأوروبي، للبدء بعودتهم. فيما يبدو الأردن مرناً لبحث المسائل السياسية، على أن تتوقف، في الأثناء، مفاعيل الكارثة الإنسانية، ويصار إلى وقف إطلاق نار ضمن تسويةٍ آنية تفتح الباب أمام عودة الحل السياسي بالفعل، وليس ترديد العبارات بشأن هذه المسألة للتغطية على النشاطات العسكرية التدميرية بحق المدنيين والعمران والبنى التحتية والطبيعة، والتي تغلق حُكماً الباب أمام العملية التفاوضية. وهو ما لا تخفيه طهران، مثلا، التي لا تنفكّ تتحدّث، بعد كل حملةٍ عسكريةٍ، عن ضرورة أخد الوقائع الميدانية في الاعتبار! وللأسف الشديد، ليست موسكو بعيدة عن هذا المنطق الذي يقضي عملياً بجعل التفاوض يدور عبر إطلاق الصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة.

أمام هذا المسرح الذي تنفجر فيه نوايا غير سلمية بمحاذاة الحدود الأردنية الشمالية، فقد أخذت أصوات ترتفع تنادي بإقامة مخيمات داخل الأراضي السورية تحميها المنظمة الدولية (مقال الكاتب جميل النمري في صحيفة الغد 3 يوليو/ تموز الجاري). وهي مسألة تستحق أن توضع على الأجندات السياسية. ليس فقط من أجل تفادي موجات لجوء جديدة، بل لتمكين اللاجئين الذين بارحوا بلدهم من العودة إليها بحماية الأمم المتحدة. وهو أمر كان يستحق العمل من أجله منذ سنوات من طرف بلدين، هما تركيا والأردن، وذلك حين اتضح الحجم الهائل للاجئين، مع نوايا النظام المكشوفة في التخلص الدائم منهم، واعتبارهم كتلة اجتماعية غير مرغوب بها. ومن الواضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجةً للوضع المتفجر الحالي، فسلسلة الكوارث لا تتوقف، ومليشيات إيران لن ترعوي عن الفتك بالمدنيين العزل، كجزء من جهادها المقدس على طريق التغيير الديمغرافي، وهي التسمية الملطفة لعملية التطهير الطائفي. والخشية أن تتواصل الحملة المليشاوية بتغطيةٍ من الطيران الروسي، وأن تتسع هذه الحملة، في الفترة الراهنة، حتى قمة ترامب وبوتين في 16 يوليو/ تموز الجاري.

في مباحثاته الشاقة مع موسكو، يستحق الأردن دعما واضحا جديا، يحول دون تدفق اللاجئين المذعورين نحو حدوده الشمالية، ومن دون تسلل مليشيات إيران نحو هذه الحدود، وحتى لا يتم الانتقال من وضع متفجر إلى وضع آخر يحمل نذور التفجر، إذا ما تمركزت قرب الحدود مليشياتٌ لا تكتم عداءها للأردن، ولأبناء منطقة حوران، وتهجس بجعل تلك المنطقة إقليماً شبه إيراني، مع حرمان اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم، وتحت طائلة التهديد الماحق لحياتهم. وبالتأكيد، فإن التفاهمات وأوجه التعاون السابقة بين القيادتين، الأردنية والسورية، بحاجة لأن تمتد إلى الوضع في حنوب سورية، وحتى لا تتحول هذه المنطقة إلى بؤرة تفجر دائم، وإلا فإن من حق الأردن الدعوة إلى منطقة عازلة، تضم مخيمات اللاجئين، وتطفئ عوامل الانفجار، وتضع حداً لمشاريع إقليمية توسعية، يُراد لها أن تحاذي الأردن، وتتسلل إليه.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمود الريماوي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ