عناصر "المصالحات" وقود لحرب النظام ضد الثوار شمال سوريا
عناصر "المصالحات" وقود لحرب النظام ضد الثوار شمال سوريا
● مقالات رأي ٣٠ مايو ٢٠١٩

عناصر "المصالحات" وقود لحرب النظام ضد الثوار شمال سوريا

خرج منذ عام آخر الثوار في دمشق وريفها من منطقة جنوب دمشق "بلدات-يلدا-ببيلا-بيت سحم"، لم يكن عدد الخارجين يساوي عدد المقاتلين وغيرهم من الفعاليات المنتمية للثورة أو المتحدثين باسمها أو المتسلقين على أكتافها والمستثمرين في أروقتها، في بداية التفاوض من أجل الخروج مع الفصائل كان العدد المقدر أكثر من ثلاثين ألف مواطن يتضمن الثوار وعائلاتهم، وخلال التفاوض أوعز نظام الأسد إلى عملائه لتثبيت أكبر عدد ممكن من سكان المنطقة وشرع بإرسال التطمينات أن الذي يبقى في المنطقة يعود كما ولدته أمه خالياً من "الذنوب" وسيسقط عنه كل تهم "الإرهاب" الموجهة له ولو قتل ألفَ ألف من عناصره، واستطاع استخدام جل مشايخ ووجهاء البلدات لإقناع الشباب بالبقاء في "حضن الوطن" مستغلين الوضع المتوتر في الشمال السوري واللعب على وتر تخويفهم من "الشيعة" في حال خروج معظم سكان الجنوب الدمشقي ستصبح لهم وسيستوطنون بها على غرار "ضاحية بيروت الجنوبية" التي يسيطر عليها حزب الله اللبناني، وكأن بقائهم سيمنع ذلك في حال أراد نظام الأسد وحليفته "إيران" ذلك.

في بداية التفاوض كانت اللجنة المكلفة بذلك تقول إن بين الثلاثين والأربعين ألفاً يرغبون بالخروج إلى الشمال السوري، وكلما أقترب موعد بدء الخروج كان العدد يتقلص وينقص بين الساعة والتي تليها، فكان السؤال الأكثر طرحاً عندما تلتقي أحدهم "طالع أو لا" وللمفارقة أنك ترى أحدهم وتسأله فيخبرك أنه خارج ثم تراه بعد دقائق ليقول لك أنه سيبقى.

كما المشايخ كان تأثير العائلات كبيراً جداً على بقاء عدد كبير من أبناء البلدات الذين كان جلهم مقاتلين في صفوف الجيش الحر، ومجرد علمهم أن أحد أفراد عائلاتهم ينوي الخروج مع الثوار يذهب إليه "كبارية" العائلة ويستخدمون معه شتى أساليب الترغيب والترهيب من أجل أن يبقى، حتى أن بعضهم أنزلوا أبنائهم من باصات التهجير وأخرين قبلوا أيدي وأرجل أبنائهم من أجل الا يخرجوا، وعند إحصاء العدد النهائي للذين خرجوا إلى الشمال السوري تبين أن العدد أقل من 10 ألاف بقليل.

البعض من المقاتلين الذين كانوا في صفوف الفصائل نقلوا البندقية مباشرة إلى الكتف الأخر وأضحوا يتفاخرون بانضمامهم لتشكيلات جيش الأسد "الفرقة الرابعة وقوات النمر والحرس الجمهوري وغيرها" ويصورون أنفسهم وهم يتبادلون ألفاظ البذائة والتشبيح ظناً منهم أن مسارعتهم بالتشبيح مع الأسد سيعطيهم ميزات إضافية ويحميهم من خطر الاعتقال أو الموت، وباشروا استثمارهم مع هؤلاء كما كانوا يستثمرون مع الثورة.

أما القسم الأخر استفاد من وجود القوات الروسية في الستة أشهر الأولى التي كانت تحد من قمع قوات الأسد للسكان وتتلقى الشكاوى بخصوص ذلك وغالباً ما تستجيب وتعاقب المنتهكين منهم.

في المرحلة اللاحقة بدأت الملاحقة الأمنية لمعظم أهالي المنطقة وخاصة الشباب وزجهم في صفوف جيش الأسد في أبسط الأحوال وتعتقل أخرين في حالات أخرى حتى من الأشخاص المحسوبين عليها الذين ساعدوها في إتمام وتسريع السيطرة على المنطقة.

الخطر الأكبر على الشبان في البلدة في البداية لم يكن من نظام الأسد بجميع أجهزته بشكل مباشر، إنما من سكان المنطقة المنخرطين معه الذين أثروا العيش في مناطق سيطرته أثناء تبعية المنطقة لفصائل الثورة، وبمجرد دخولهم للمنطقة بدأوا يدبرون المكائد ويكتبون التقارير للجهات الأمنية المختلفة، بحكم علاقتهم القوية بأجهزة النظام الأمنية ومعرفتهم بقاطني المنطقة وقدرتهم الحصول على معلومات إضافية عمن وقف مع الثوار أو كان معهم.

تباعاً قامت قوات الأسد بالعديد من عمليات الدهم والاعتقال والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

قبل شهرين تقريباً استهدف الأمن العسكري بكمين له كل من "رامز حامد" الملقب أبو سليمان و"عبد الرحمن حامد" الملقب بـ سبيرو، تمكنت خلاله من القبض على الأخير وسوقه إلى الخدمة الإلزامية بعد عدة أيام من التحقيق معه، فيما تمكن رامز من بالفرار مع العلم أنه التحق بقوات الأمن والجيش من قبل خروج الثوار من جنوب دمشق وساعدهم مع أخرين في عملية القضاء على تنظيم "داعش" في جنوب دمشق وقاتل إلى جانبهم.

عمل رامز خلال فترة الثورة في تحويل العملات من الداخل إلى الخارج وبالعكس وحقق أرباح طائلة إلى جانب التجارة بقطع السلاح والذخيرة، وفي نهاية العام 2017 قام بتشكيل مجموعة مقاتلة من أولاده وأقربائه وانضم إلى الجيش الحر "جيش الأبابيل" من أجل حماية تجارته وتحصيل بعض الأموال العالقة له مع خصومه بالقوة.

اما "سبيرو" فكان كثير التحريض على الجيش الحر في الفترة الأخيرة "قبل التهجير" وقام بتدبير العديد من الاحتجاجات ضده وجعله في مواجهة الأهالي بتدبير المكائد وتحريف الحقائق وإلقاءه اللوم على الجيش الحر لما آلت إليه الأوضاع، وكل ذلك بأوامر مباشرة من "الشيخ صالح الخطيب" رئيس لجنة المصالحة" السابق عن بلدة يلدا.

كما داهم الأمن منزل الشاب "سامر سبيناتي" الذي كان يعمل مع فصيل أجناد الشام اثناء تمضية إجازته مع العلم أنه خضع للتسوية والتحق بصفوف الخدمة الإلزامية.

وفي بلدة "يلدا" أيضا في وقت سابق اعتقل "محمد البقاعي الملقب بـ "أبو رسلان" الذي كان يشغل نائب رئيس المجلس المحلي لبلدة يلدا، كما أفرج عن القيادي السابق في جيش الأبابيل اللواء الأول قبل أيام "مصطفى القصير" الملقب "أبو راتب القصير" بعد اعتقال دام شهر تقريباً بتهمة تزوير أوراق رسمية بالتعاون معقب معاملات من بلدة يلدا يدعى "سامح الغندور" ومصطفى تنقل في صفوف تشكيلات الجيش الحر بين "شام الرسول" بداية وانتهاءً مع "جيش الابابيل" كقائد كتيبة في اللواء الأول فيه، وكان سيء السمعة عرف باعتدائه على المدنيين مرارا، وانخرط في صفوف الفرقة الرابعة قبل خروج الثوار بأيام وضم العديد من الأشخاص معه تحت رايتهم.

واليوم تناقل ناشطون خبر إعدام الشاب "محمد ابو كحلة" ميدانياً في بلدة يلدا بسبب تهربه من الالتحاق بالخدمة الإلزامية غير مرة.

وفي بلدة "بيت سحم" عثر السكان مؤخراً على عبوتين ناسفتين وضعتا في أوقات متقاربة بجانب منازل قيادين سابقين في الجيش الحر والكتائب الإسلامية من الذين خضعوا للتسوية، بهدف قتلهم أو ارغامهم الخروج من البلدة، الأمر الذي يمنعه ارتباطهم المباشر مع ضباط من الأمن العسكري يمنعون باقي الأجهزة والتشكيلات من اعتقالهم أو الاقتراب منهم.

كما سجل أيضاً العديد من حالات الاعتقال أبرزهم كان "أحمد جعارة" الملقب بـ "أبو عماد بيكا" كان قائد مجموعة لدى "هيئة تحرير الشام" في نقطة المسبح بين بلدة يلدا ومخيم اليرموك، كما تعرض زميله في الذي كان شرعياً في الهيئة "فهد فتيحة" الملقب بـ "أبو صبحي" إلى إطلاق نار من دورية للأمن أدت إلى شلل في يده، كما اعتقل ثلاثة شبان أخرين عرف منهم "أبو عمر هاون" من مجموعة "بلال جعارة" الملقب بـ "أبو نعمان" الذي أثر البقاء في حضن الوطن مع أنه شغل منصب قائد كتيبة في البلدة وتنقل أيضاً بين عدة تشكيلات فمن جيش الإسلام إلى حركة أحرار الشام وجبهة النصرة وانتهاءً بجيش الابابيل، وللمفارقة عند انتسابه للأخير طلبت منه قيادة الجيش الرباط على محور "حي سليخة" لكن دون أن يطلق النار لوجود اتفاق تهدئة مع قوات الأسد في ذلك الوقت، فرفض معللاً رفضه أنه لا يستطيع أن يرى جنود الأسد دون أن يقتلهم.

حتى رئيس لجنة المصالحة مع قوات الأسد في ذات البلدة "عدنان جعارة" الملقب بـ "أبو سامر" لم يسلم من الانتقام رغم جهوده في إعادة البلدة إلى "كنف الدولة السورية" إذ قامت عناصر البلدية ترافقهم عناصر أمنية بهدم أربعة طوابق له في بنائين مختلفين كان قد بناها ضمن فترة سيطرة الثوار على البلدة.

الآن وبعد مرور عام وعلى وقع المعارك الطاحنة التي يخوضها الثوار مع نظام الإجرام وحلفائه بلغ عدد قتلاه أكثر من 300 عنصر وضابط في أقل من شهر وعشرات الجرحى، الكثير منهم ممن خضع لما يسمى بالـ "التسوية أو المصالحة" معه الذين بدأت وسائل التواصل المحسوبة على نظام الأسد أو المقربة منه بنعيهم.

أبرزهم "وائل جمال الدالاتي" الذي تنقل بين العديد من التشكيلات والتنظيمات بداية بجبهة النصرة مروراً بداعش ومن ثم جيش الأبابيل ثم قتيلاً على جبهات الشمال على يد الثوار، الأخير ظهر منذ عدة أشهر في تسجيل مصور مع مجموعة من مقاتلي الفرقة الرابعة في بلدة "يلدا" أثناء تجهزهم للصعود في باصاتها للذهاب إلى جبهات القتال متفاخراً بذلك يقول "الفرقة الرابعة تابعة لـ الله"، فيما جرح أخرين ظهروا معه في ذات الوقت منهم "أبو بكر الحموي" أحد عناصر فصيل "أجناد الشام" في بلدة يلدا سابقاً و"أبو أنس البقاعي" عنصر في جيش الابابيل وأخرين لم يتم التعرف على أسمائهم.

منذ بداية العام 2014 تاريخ بدء المصالحة في جنوب دمشق حظيت لجان "المصالحة" بدعم مباشر من نظام الأسد فرع الدويات على وجه الخصوص لأن المنطقة تضع ضمن قطاعه حسب التقسيمات الإدارية للأفرع الأمنية، وكانت هذه اللجان على تواصل مباشر رئيس الفرع ويقومون بزيارة مكتبه كلما دعت الحاجة لذلك، حتى أنهم أقاموا ولائم عديدة دعوا إليها العديد من مسؤولي نظام الأسد بعد خروج الثوار من بلدات الجنوب الدمشقي.

لجنة المصالحة قامت مؤخراً بزيارة فرع واللقاء مع رئيس الفرع الجديد، وخلال اللحظات الأولى من اللقاء سألهم بتهكم عن سبب الزيارة، فأجابوه أنهم لجنة المصالحة عن جنوب دمشق، ليرد عليهم أن المصالحة قد تمت بالفعل ولم يعد لديهم عمل في هذا المجال "أي يطلب منهم ضمنياً عدم زيارته مرة أخرى".

الكاتب: تيسير محمد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ