غزة سوريا.. اخلع نعليك فترابها من دمائنا
غزة سوريا.. اخلع نعليك فترابها من دمائنا
● مقالات رأي ٤ أبريل ٢٠١٨

غزة سوريا.. اخلع نعليك فترابها من دمائنا

حدث في حي وادي النسيم بمدينة إدلب، أن شاباً لم يتجاوز الخامسة والعشرين ينظر بألم مرير إلى أنقاض بناء أحلامه حيث دُفنت زوجته ومستودع آماله، ووارت الحجارة جوهر نفسه، وحقيقة ذاته، وشق فؤاده، هناك امتلك كل شيء، وهناك فقد كل شيء أيضاً، هي صورة واحدة من نماذج آلام المجتمع السوري التي أُريقت على جنباته دماء الإنسانية جمعاء، سينظر كل شخص منا إلى هذه المعاناة بعين مأساته الخاصة، وإنسانيته الخالصة أو ربما بعين الاعتياد القاسي والتأقلم الكافي، لكن ذلك لن ينفي أن نياط القلوب تقطعت، وأن الأرواح تمزقت، وأن مآقي العيون جفت، وأن المآسي تعددت، وأن الأجساد كهُلت لفرط ما لاقت وتحملت، لكن عجلة الحياة لن تقف وستمضي هذه الأيام، وبعد مرور عشرات الأعوام وحلول الأمن والأمان وانتصار الثورة وتحقيق الغايات وتنفيذ المأرب وعودة من صان العهد وحافظ على الوعد ورجوع من خان الدم وباع الدمع، وعلى مشارف شامنا ستصفر الرياح وتغلق الأبواب ويصيح الصبية والفتيان: "اخلع نعليك.. فترابها من دماء شبابنا وشيابنا.. نسائنا وفتياتنا.. كبارنا وصغارنا.. اخلع نعليك فترابها من دمائنا".
 
كُتب لمدينة إدلب الخضراء أن تحيا بماء الحرية لتُثمر عطاء وتنمية، أن تواجه الموت والحياة في آنٍ معاً، أن تُسطِر بطولاتها في لقائها اليومي مع الموت ورحلتها الدائمة مع الحياة كغزةٍ لسوريا التي تعددت سكاكين طُغاتها وتنوعت أساليبهم وتعددت طرقهم، لكنها بقت صرح الحرية التي تتكسر على جنباتها عواصف الظلم والطغيان، اكتست إدلب بالأخضر لتكون عنوان الحرية والإباء ومبدأ النصر والانتصار ومنتهى العزة والإيمان، فالطغاة ما زالوا يحاولون إلى يومنا هذا جعلها ملطخة بالأحمر القاني، ولكنها تأبى أن تكون مدينة للموت وظلال الحياة، وأن يحيا أفرادها أشباه مواطنين على ثُرى المنية، فكانت الحياة في سبيل الله غاية الطريق، ومنتهى الأهداف وأنبل المأرب وأصعبها على الإطلاق، فَلَو أن مدينتنا العظيمة اختارت ثوب الحداد وهي حرة تختار ما تشاء، لعاش أفرادها بين سندان الشقاء ومطرقة التعاسة والآلام..

لكن غزة سوريا تخوض التجربة الأصعب، وتنفض الركام، وتتنفس الصعداء، وتكنس الآلام من طرقاتها وتقشع الدخان من سمائها مُبديةً ثغرها الملائكي لأهل الأرض جميعاً "أن هُنا إدلب.. هنا الحرية والحياة".. الرغبة العارمة والتوقُ الكبير للمعيشة الكريمة ألقى بظلاله على أحرار سوريتنا، مما جعل سير ثورتنا في طرق متوازية تتباين سرعتها لكنها في كليهما ماضية، البناء والهدم، الموت والحياة، الفضيلة والخداع، العلم والجهل، الأمل والألم، تمضي ثورتنا مكللة بالهمم والعزائم في هذه الطرق لتعطي درساً مهيباً بليغاً، في إمكانية النهضة في حين الدمار، فيُسرى أحرارنا وحرائرنا تنزع ألغام الطاغوت وأحقاده ويمناهم تزرع فسيلة الأمل وحق الوجود الذي لن يأخذه منا سوى واجد الوجود جل وعلا..

هذا هو سبيل الثائرين إيمان واجتهاد، تضحية وحياة ومن ثم بلوغ المراد والفوز بمعركة الحرية والحياة، أما عن سبيل المجرمين الظالمين المعتدين فهو من بدء البشرية وبداية الإنسانية لم يختلف، فها هو أمية بن خلف يتكلم بلسان طغاة العالم وطواغيت الأرض فيقول "إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا بعودة هذا العبد الآبق إلى ملتنا!".

لكن الشمس لم تغرب قط باستسلام الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه وأرضاه- بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها وحماة الوثنية فيها وشياطين الظلم التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور، تتجدد حملات القصف الهمجي على الأنحاء المحررة بالدم والدمع لكن ذلك لا يزيد أهلنا إلا تمسكاً بالحق وإقبالاً عليه وإدباراً عن أتباع أمية بن خلف فلن تغرب شمسُ الحق في أعين الثائرين ولكن الشمس ستغرب كل يوم على الطاغوت وأذنابه وهم يتقاسمون الخسران والحسرات كما تقاسم أصحاب أمية العذاب والتعب والخيبات من تعذيب بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه فهم المعذبون المنهكون وهو المؤمن حق اليقين الذي يقول في عظمة القديس أنشودته الخالدة (أحد.. أحد) الشعار الذي هتفت بها جموع أحرارنا "مالنا غيرك يا الله" من هناك ابتدأ وإلينا وصل، ومنتهاه في دمشق حيث مثوى الصحابي بلال بن رباح.
 
تدور الحرب عنيفة قاسية ضارية، وبلال هنالك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها في الإسلام، غزوة (بدر) تلك الغزوة التي كان شعارها (أحد.. أحد)، الكلمة التي كان يرددها بالأمس تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها!، تلاحمت السيوف وحمي القتال، "لا نجوتُ إن نجا" الصرخة التي دونت تاريخ ثأر الأحرار من طغاتهم، والقصاص من مجرميهم، وعودة الحق لأصحابه، (لا نجوت إن نجا) ستهتف غزة سوريا مُعلنة أن أشقاءها وشقيقاتها من (الغوطة الشرقية) إلى باقي المناطق الأبية لن تستكين ولو طالت السنين، وستأخذ ثأر الأيامى واليتامى والمساكين من الطغاة المجرمين، وستدوي صرخات "الله أكبر.. الله أكبر" مزلزلةً لعروش الظالمين، أخذة بهم إلى الديّان حيث لن ينفع المال ولا البنين.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: لبابة عبد الناصر حليمة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ