فلاديمير بوتين... الحنين إلى الماضي
فلاديمير بوتين... الحنين إلى الماضي
● مقالات رأي ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧

فلاديمير بوتين... الحنين إلى الماضي

على رغم أن فلاديمير بوتين عندما تولى السلطة عام 2000 قال إن الحرب الباردة انتهت وأبدى إشارات عن استعداده للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، غير أن هذا لم يمنعه من القول إن انهيار الاتحاد السوفياتي كان أكبر خطأ استراتيجيي في القرن العشرين. وفسَّر مراقبون هذا باعتباره نوعاً مِن الحنين، ليس إلى النظام السوفياتي وأيديولوجيته، وإنما إلى ما كان يتمتع به الاتحاد السوفياتي مِن مكانة دولية. وهو ما جعل بوتين مصمماً على استعادة هذه المكانة، وأن تعامل روسيا باحترام وأن يكون لها دور في قضايا العالم.

غير أن ما أبداه بوتين من استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة والغرب قوبل بسياسات رآها مهددة للأمن القومي الروسي، مثل ما شرعت فيه واشنطن مِن بناء نظم صواريخ في عدد من دول شرق أوروبا، ثم تطور إلى محاولات اختراق جوار روسيا المباشر، وما عرف بالثورات البرتقالية بهدف إقامة حكومات معادية لروسيا والعمل على ضمها إلى حلف الأطلنطي. وجاء رد الفعل الروسي عبر التدخل العسكري في جورجيا عام 2010، ثم في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم عام 2015، وهو السلوك الذي ووجه من قبل أميركا والغرب بعقوبات اقتصادية موجعة، فضلاً عن تصعيد حلف الأطلنطي لمناوراته العسكرية على الحدود الروسية بما فيها دول البلطيق، الأمر الذي جعل المحللين يتحدثون عن حرب باردة ثانية.

إلى جانب تحركات بوتين دولياً لبناء تحالفات للرد على محاولات عزل روسيا، عمد داخلياً إلى إحياء «الروح الوطنية» والمشاعر القومية. وفي هذا ركَّز في أحاديثه على ثلاثة ميادين: التعليم، القوة العسكرية، والقيم المعنوية، مستحضراً التجربة السوفياتية في هذا المجال. استذكر بوتين أن هذه المهمة كان يتولاها قسم التوجيه الأيديولوجي في الحزب الشيوعي، متحسراً على أن روسيا بعد انقضاء العهد السوفياتي لم تعد تضم دائرة متخصصة في بلورة الروح الوطنية وتعزيزها في شكل ممنهج. ولكي يطرد بوتين الانطباع بأنه يريد نسخ التجربة السوفياتية حرفياً، شدَّد على أن الهيئة التي يدعو إليها لن تنشر أيديولوجيات أو تقيم آليات للدعاية السياسية، «فهذه أساليب لم تعد مقبولة وتعب الناس منها».

أما ما هو مطلوب من المناهج والبرامج المطروحة فهو «تقرير ما يوحد الروس بما في ذلك دياناتهم وانتماءاتهم القومية وتوجهاتهم السياسية والرغبة المشتركة في أن يعيشوا في بلد قومي». واستخلص بوتين أن «تشويه الوعي القومي والتاريخي والأخلاقي أدى إلى كوارث في عدد من البلدان، وأن الأساس لبناء روسيا المستقبل هو الروح الوطنية وهنا لا بد من الإفادة مِن تجربة روسيا الإمبراطورية والاتحاد السوفياتي، في مجال التربية والتعليم».

في المجال العسكري، أجرى بوتين تغييرات مع القيادات العسكرية، مشدداً على أن إحدى مهامه ستكون إعادة تسليح الجيش والأسطول. وكان بوتين بعد انتخابه حدَّد لإدارته هدف إعادة التسليح وتخصيص 550 بليون يورو للدفاع في السنوات العشر المقبلة، وأوصى رئيس الأركان بأن يؤسس شراكة جيدة ومستقرة مع أبرز المؤسسات الصناعية في مجال الدفاع. وفي خطابه عن حال الأمة في 2015، حذر بوتين مِن أن العالم يدخل في فترة من «التغيرات الأساسية بل وربما انتقاضات»، متنبئاً بأن الأرض ممهدة لصراعات جديدة ذات طابع اقتصادي، جيوسياسي وعرقي، وأن التنافس على الموارد سيصبح أكثر قسوة». واستخلص أن «مَن سيكسب القيادة ليس مَن سيصبح غريباً ويفقد استقلاله، وإنما مَن يعتمد ليس فقط على إمكاناته الاقتصادية، ولكن على قوة إرادة الأمة». وعلى هذا فإن روسيا، «يجب أن تكون بلداً ذا سيادة ونفوذ، ومن أجل هذا فإننا يجب ليس فقط أن نتقدم بثبات، ولكن أيضاً أن نحتفظ بقوتنا القومية والروحية. لا يجب أن نفقد أنفسنا كأمة». وعاد بوتين ليلاحظ في ذلك الخطاب أن روسيا اختارت طريق الديموقراطية، «ولكنه بالتأكيد طريق قوة الشعب الروسي بتقاليده، وليس طريق تحقيق المستويات المفروضة علينا من الخارج». والواقع أن ما يثيره حديث بوتين من تأكيد للهوية الروسية ورفضه النموذج الغربي، إنما يثير مجدداً الإشكالية الممتدة منذ العهد القيصري إلى العهد السوفياتي لجهة علاقة روسيا بالغرب. وهي الإشكالية التي كانت موضع جدل على المستويين الفكري والفلسفي من تيارات روسيا الثقافية وتبلورت حول النزعتين السلافية والغربية، إذ رأى دعاة السلافية أن محاولات التحديث على النموذج الغربي التي بدأها بطرس الأكبر في القرن السابع عشر، هي خيانة للأساس القومي الأصيل الذي تقوم عليه الحياة الروسية.

أما أصحاب النزعة الغربية فاعتبروه السبيل الوحيد لتنوير روسيا وربطها بالمدنية الغربية. فهل نستطيع القول إزاء ما عبر بوتين عنه مِن رفض «المستويات المفروضة من الخارج»، أنه ينتمي إلى المدرسة الأولى، وإن كان ذلك لا يعني أنه يريد فصل روسيا عن الغرب وعدم بناء علاقات تعاونية معها؟

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: السيد أمين شلبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ