في ذكرى الثورة السورية
في ذكرى الثورة السورية
● مقالات رأي ٦ مارس ٢٠١٥

في ذكرى الثورة السورية

في الأسبوع المقبل تدخل الثورة السورية عامها الخامس، وقد بات السوريون يخشون أن تمر السنون، كما مرت على الفلسطينيين، والمفارقة أن أعداد المشردين السوريين تفوق بأضعاف أعداد الفلسطينين يوم تعرضوا للتشرد على مدى سنوات النكبة والنكسة، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن عدد المشردين والنازحين، واللاجئين السوريين يزيد على أحد عشر مليوناً، وهذا رقم مثير، وهو يشكل عبئاً كبيراً على دول الجوار ودول اللجوء وبخاصة الأوروبية، التي باتت تضيق بكثرة الأعداد المتدفقة، والمفجع أن كثيراً من اللاجئين أو الهاربين هم من التكنوقراط، الذين يشكلون الطبقة المتعلمة العليا، فهناك -مثلاً- أكثر من ثلاثين ألف طبيب من مختلف الاختصاصات هاجروا في السنوات الأربع الماضية، وربما وصل العدد اليوم إلى أربعين ألفاً، وهؤلاء إضافة لآلاف الأطباء السوريين، الذين سبقت لهم الهجرة من سنوات مضت، حيث يقدر عدد الأطباء السوريين في ألمانيا وحدها بنحو عشرين ألفاً، وفي الولايات المتحدة يزيد العدد على ستة آلاف حتى مطلع العالم الماضي، ويضاف إلى الأطباء الصيادلة والقضاة وأساتذة الجامعات والمحامون وعشرات الآلاف من الموظفين ذوي الخبرات، ومئات الآلاف من أصحاب المهن، فضلاً عن رجال الأعمال الذين تعرضت منشآتهم للتدمير، أو سرقت أموالهم ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل ممن تمكنوا من نقل استثماراتهم إلى الخارج، وتشكل هذه الهجرات خسارة كبرى لسوريا -فضلاً عن مئات الآلاف ممن قتلوا أو اعتقلوا وانتهت طاقاتهم- لأن كثيراً من هؤلاء المهجّرين قد يستقرون في بلاد اللجوء مع امتداد زمن المحنة، فتخسر سوريا كوادرها المقتدرة.

أما أبناء الطبقات دون المتوسطة علمياً فمنهم من هاجروا عبر مغامرات أسطورية عبر البحار إلى أوروبا وكثير منهم تعرضوا للغرق في البحر، حيث يقوم المهربون بنقلهم تكديساً في قوارب صغيرة لا تتحمل الوزن الزائد، وقد توفي الآلاف منهم غرقاً في تغريبة ملمحية لم تشهد البشرية لها مثيلاً لشعب متحضر، كل جريمته أنه طالب بتخفيف القبضة الأمنية التي كانت تخنقه.

ولم تعد قبضة النظام وحلوله العسكرية وحدها تخيف السوريين الهاربين الباحثين عن ملجأ أو مأمن، فقد باتت بعض فرق المعارضة المسلحة مصدر رعب وخوف مماثل مع خروجها عن أهداف الشعب البسيطة المتمثلة في (الحرية والكرامة وبناء دولة ديمقراطية، كما كانت تعلن شعارات الثورة) فقد ظهرت الكتائب الإسلاموية المتطرفة بشعارات باعدت بينها وبين مطالب الشعب، وباتت تبحث عن تطبيق الشريعة حسب فهمها المنحرف، هذا فضلاً عن ظهور «داعش» المريب وإعلانه «الخلافة» المزعومة وقيامه بقطع الرؤوس بحد السيف وتهجيره بعض الأقليات، مما استدعى قيام تحالف دولي لمكافحة الإرهاب يعلن أنه بحاجة إلى عشر سنين كي ينهي حروبه، وتوجهت كل الأنظار إلى «داعش» وأخواتها، وتم إهمال الملايين من الشعب المشرد، الذي بات عليه أن يعاني مأساته الفجائعية إلى أجل غير مسمى.

وكان من سوء حظ السوريين أن كل الصراعات الدولية الراهنة انعكست على قضيتهم، فقد وجدت إيران فرصتها لضم سوريا إلى إمبراطوريتها، وإلى حل قضيتها النووية، وقد صارت سوريا ورقة تفاوضية لصالحها. ووجدت روسيا فرصة تمكين حضورها الدولي، ولا سيما بعد ما تعرضت لهزة قاسية في أوكرانيا، ووجدت إسرائيل فرصة تاريخية لرؤية سوريا مدمرة، كما دمر العراق من قبل. ووجدت الولايات المتحدة فرصة «صيد الذباب» وتحالفت قوى كثيرة من أجل تحويل طبيعة الصراع في المنطقة من «صراع عربي - إسرائيلي» إلى «صراع سني - شيعي». وكانت فرصة نادرة أيضاً استفادت منها قوى كثيرة حين وقع «حزب الله» في خطيئة قاتلة عندما غرق في مستنقع الدم السوري، ومن المحال أن يخرج منه ويستعيد مكانته. وبدا أن الشاة السورية التي تتعرض للذبح وللسلخ، باتت وليمة دولية كبرى، وأصبح الحديث عن تقسيمها متاحاً بوصفه تركة الرجل المريض.

ولا يغيب عن أحد أن سقوط سوريا بيد إيران بعد العراق، فضلاً عما يحدث في اليمن، سيعني تهديداً خطيراً لمستقبل العرب جميعاً، كما أن خروج الشعب السوري من محنته سيكون مفتاح النجاة.

المصدر: الاتحاد الإمارتية الكاتب: رياض نعسان أغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ