قصف لتقوية الأسد
قصف لتقوية الأسد
● مقالات رأي ١٨ أبريل ٢٠١٨

قصف لتقوية الأسد

بعد تغريدات نارية، وتحشيدات كبيرة مع حلفائه الغربيين، قصف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مواقع تابعة لنظام بشار الأسد، مع كل من بريطانيا وفرنسا، وذلك في ردّه الذي طال انتظاره على قصف الأسد دوما بأسلحة كيميائية قتلت 150 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، واختنق عشرات.

لا تبدو الضربة الأميركية، الجراحية كما وصفها بعضهم، خارجةً عما كان متوقعاً لها، فالكل يعلم أن ترامب لا يبدي حماسةً كبيرةً للتدخل بشكل أكبر في الصراع السوري، وهو الذي أعلن، قبل وقوع الهجوم الكيميائي، رغبته بسحب قواته من سورية، على الرغم من تحفظات كبار القادة العسكريين في إدارته، كما أنه ما زال يحاول أن يكبح جماح عجلة التحقيقات التي تسير بقوة نحو إدانة فريقه في السماح للتدخل الروسي في الانتخابات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.

الضربة العسكرية التي شاركت بها أميركا وبريطانيا وفرنسا، وحظيت بمباركة دولية، لم تُصمم لإسقاط نظام الأسد، كما أعلنت الدول الثلاث، ولم تكن معنية بدكّ القواعد الجوية والمطارات والمواقع العسكرية للنظام التي غالباً ما تستخدم في شن هجمات على المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بل ركزت على محاولة إضعاف البنية التحتية لمنظومة الأسلحة الكيميائية التي في حوزة النظام، بمعنى أن المجتمع الدولي لا يعتقد أن الوقت قد حان لإسقاط نظام طاغية الشام.

يقول ترامب، في تغريدة له على "تويتر" فجر السبت، عقب الضربة "لقد أنجزت المهمة"، من دون أن يوضح طبيعة هذه المهمة. هل يعتقد أن تدمير مخزون الأسد من السلاح الكيميائي سيجعله عاجزاً عن الحصول على كمياتٍ جديدة من هذا السلاح في ظل رعاية روسيا وإيران؟ هل يعتقد ترامب أن الأسد، حتى وإن عجز عن الحصول على كيميائي لضرب شعبه، لن يلجأ إلى قصف هذا الشعب بالسلاح التقليدي؟ وقد أوقعت ضربة واحدة ببراميل متفجرة على مدينة سورية ضحايا أكثر بكثير ممن سقطوا جرّاء استخدام الكيميائي، فلماذا هذا الاستخدام محرّم وغيره من السلاح لا؟

ليست هذه السطور بصدد الإجابة على هذه التساؤلات التي باتت تطرح بقوة، ولكن أي ضربة لنظام الأسد لا تنهيه، ولا تخرجه من لعبة الحكم، ستقوّيه، وتقوي داعمَيه، روسيا وإيران، بل إن ضرباتٍ كالتي حصلت السبت الماضي أثبتت من جديد أن المجتمع الدولي ما زال يرى في الأسد رئيساً لسورية، وأن الأسد إذا ما تخلى عن سلاحه الكيميائي، فإن المجتمع الدولي لا يمانع من إعادة تلميع وجه هذا النظام القبيح.

قد تؤشر الضربة العسكرية الثلاثية على مواقع النظام السوري إلى رغبة أميركية وغربية بإعادة التوازن للصراع في سورية من خلال التصدي للنفوذين، الروسي والإيراني. لكن حتى هذه الرسالة التي قرأها بعضهم لا تبدو دقيقة، خصوصاً وأن الضربات لم تستهدف مواقع تابعة لإيران في دمشق ومحيطها، كما أنها تجنّبت الوجود الروسي في سورية، ناهيك عن أن التواصل الأميركي الروسي لم ينقطع قبل الضربة وفي أثنائها، وأفيد بأن واشنطن أخفت قائمة الأهداف عن موسكو، وليس معلوماً مدى دقة هذا الكلام.

لقد ربط ترامب أي ضربة عسكرية لنظام الأسد باستخدام النظام السلاح الكيميائي، وهي رسالة بالغة الخطورة، يبدو أن الأسد استلمها منذ قصف أميركا مطار الشعيرات قبل عام، عقب قصف النظام بلدة خان شيخون بالكيميائي. وبالتالي، قد نشهد حرباً ضروساً يستعد لها النظام ومليشياته على مدينة إدلب، وهي التي توعد بها مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، في زيارته سورية التي سبقت الضربة الغربية.

تنذر هذه الرسالة الخطيرة التي تلقاها نظام الأسد وحلفاؤه بموقعةٍ دمويةٍ جديدةٍ بانتظار الشعب السوري في إدلب، وربما في القلمون قبل ذلك. ووقتها، لا يبدو أن ترامب وحلفاءه الغربيين سيكونون معنيين بالتصدّي لدموية الأسد، إذا أحجم عن استخدام الكيميائي ضد إدلب أو غيرها.

بالنسبة لأميركا، ما يعنيها من سورية تحديداً، بالإضافة إلى مناطق وجودها الغنية بالنفط، هو الحد من النفوذ الإيراني في سورية، ويبدو أن إدارة ترامب التي ترفض التورّط في نزاعات الشرق الأوسط ستترك هذه المهمة لسلاح الجو الإسرائيلي الذي باغت دمشق بضربة على مطار التيفور، يبدو أنها أصابت قوات إيرانية هناك.

الضربات العسكرية على نظام الأسد، والتي لا تضع تنحية الأسد وإبعاده عن السلطة هدفاً لها، ستعمل على تقويته، فالمجتمع الدولي الأعور لم يعد يمانع كثيراً ببقاء هذا السفاح على رأس النظام، ولعل ما قاله ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خير دليل على ذلك، فهو لا يرى في بقاء الأسد مشكلة، فالمهم أن لا يكون دمية بيد إيران.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: إياد الدليمي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ