كَسْرُ العقد و كَسْرُ القيد: إنها سنة الطبيعة
كَسْرُ العقد و كَسْرُ القيد: إنها سنة الطبيعة
● مقالات رأي ١٨ نوفمبر ٢٠١٤

كَسْرُ العقد و كَسْرُ القيد: إنها سنة الطبيعة

في محن الدول، تجد أي منظومة قيادية نفسها أمام جملة من الخيارات التي يمكن حصرها في اتجاهين: تحصين الوطن أو تحصين الذات. الأول يقوم على تحصين الوطن والمواطن وتعزيز الذات القيادية والرابط بينهما؛ والثاني يتمثل بتحصين وتصليب الذات القيادية حتى ولو كان ذلك على حساب الاتجاه الأول. يستلزم الأول الصدق والشفافية في مخاطبة الرعية إضافة إلى زرع الثقة وتعزيز القوة وتزخيم المعنويات لدى المكونات الشعبية وتفعيل دورها في مواجهة الخطر الداهم وتأمين مستلزمات الصمود اقتصادياً وثقافياً ونفسياً.

في الحالة السورية، ساد المذهب الأول؛ فانحصر الهاجس بتحصين الذات السلطوية على حساب أي أمر آخر؛ حتى ولو اقتضى ذلك تدمير الوطن والمواطن، وحتى ولو استلزم الأمر مد اليد لخارج الوطن والاستعانة بأعداء الوطن والمواطن.

كان المواطن الذي لم يتمكن من التحوّل إلى عبد أو آلة مطواعة منزوعة الكيان والشخصية والكرامة هو العدو وهو المستهدف بالقتل والدمار والاعتقال والإلغاء عبر تشريده نزوحاً أو لجوءاً خارج الوطن. وكان ذلك الذي لم يكن أمامهأي خيار إلا التحوّل إلى حالة منزوعة الإنسانية تأكل وتشرب وتتوالد بالكفاف وتستظل بسطوة سلاح الرعب والخوف الذي يشهره النظام .

كان استقواء النظام باعداء الوطن؛ وكان الانتحار وبيع الوطن والمواطن مقابل بقاء الكرسي. وكان شراء الوقت على طريقة “فاوستس”.

من يقول إن النظام لا يعرف ما يفعل واهم جداً. إنه يعرف أنه مقدم على الانتحار من اجل بعض سويعات إضافية في كرسي السلطة، علّ معجزة ما تحصل وتذهب الأمور باتجاه آخر بعد أن نجا مما لا يمكن لأي نظام أن يهرب منه؛ ليس بقوة ذاتيه بل بإرادة اقتضت ان يعيش كل هذا الوقت.

لقد كُسر ذلك العقد بين الحاكم والمحكوم؛ وعلى أحدهما ان يغادر الساحة. المسالة بين خمسمائة مخلوق يمكن لطائرة واحدة أن تحتويهم جميعاً وترمي بهم خارج جغرافيا الوطن، وبين ملايين لا بد من رميهم خارج الجغرافيا وحتى التاريخ كي يعيش النظام؛ وهذه معادلة مستحيلة.

لم يقم النظام بأي إجراء يحصن الوطن وسيادته. والسيادة التي لا يتوقف عن الحديث فيها مستباحة بامتياز؛ وهو يعرف ذلك تماماً. فرجاؤه أن يُعلَم أو يُخبَر فقط بقصف طائرات الحلفاء للأراضي السورية كان أقصى ما قام به لما دعاه سيادة. إنه يعرف أن لا سيطرة له على أي معبر من معابر الحدود السورية إلا ما تمكن به حزب الله من الجانب اللبناني؛ وحتى ذلك المعبر يتم تحديه من قبل مجموعات أذاقت حزب الله الويلات.

كُسر العقد عند أول كذبة وردت على لسان هرمه وألسنة مستشاريه حول ما يجري في سورية

كُسر عندما استنفر جيشاً إلكترونيا بتدريب إيراني-لبناني ليشوّه صرخة أهل سورية بالحرية

كُسر العقد بالمطلق عندما توجه النظام بسلاح الى صدور السوريين… سلاح دفعوا ثمنه دمهم ودموعهم بذريعة استرداد أرضهم المحتلة.

كُسر عندما نُصبت أول خيمة سورية لاستقبال لاجئين سوريين في بلاد الجوار

كُسر عند اغتصاب أول معتقل أو معتقلة في سجون لا إسم لها إلا مقابر الأحياء.

كُسر عندما نقل شخص صور 11 ألف معتقل قضوا تعذيباً في تلك المقابر

كُسر العقد بالمطلق عندما استخدم أسلحة محرمة دولياً كي يُخضع من خرج على طاعته

كُسر عندما أضحى لافروف الناطق باسمه؛ وعندما كان يصف لافروف السوريين بالإرهابيين ، ولا يرف للنظام جفن.

كُسر عندما أصبح قرار قتل الإنسان السوري وتدمير حياته بيد الإيراني الذي أخذ سورية رهينة ليصافق على ملفات مستعصية تعيشها بلاده.

لا؛ لم تكسر العقد صرخة حرية خرجت من أحزمة الفقرالتي سوّرت حياة الرفاهية لسلطة ما رأت في مواطنيها إلا جراثيم وفضلات يجب أن يتم التخلّص منها.

لا؛ لم ينكسر عندما طلب شباب سورية فسحة حرية فيها نسبة ضرورية من الأوكسجين للبقاء.

أمانة لم يحافظ النظام عليها معتقداً أنه بكسرها يمكن أن يحسم الأمور ويبقى؛ وهذا أمر استحالته مثبته. وما تبقى ليس إلا استعصاء قهري انتقامي يذهب الوطن ثمناً له؛ والنظام يدرك أن هناك من يريحه ذلك، فيبقى على أمل أن يستمر جشع الآخرين وأهدافهم الإجرامية السقيمة. ويبقى الأمل في أن يضجر هؤلاء من لعبتهم الدموية أو يستشعروا امتداد اللهب إلى جنباتهم؛ وهذا قادم إن لم يشبعوا. كسر العقد لا بد أن يتبعه كسر القيد. إنها سنة الطبيعة.

المصدر: كلنا شركاء الكاتب: د. يحيى العريضي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ