لاريجاني وفاعلية حزب الله
لاريجاني وفاعلية حزب الله
● مقالات رأي ٣ يناير ٢٠١٥

لاريجاني وفاعلية حزب الله

قبل أيام، قام رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، بزيارة خاطفة إلى لبنان، قادماً إليه، كعادته من دمشق عبر الحدود، بعد أن التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد. وفي ساعات النهار القصيرة، جال لاريجاني على قيادات القوى (الشيعية) "الممانعة"، بدءا بنظيره ورئيس حركة أمل، نبيه بري، وانتهاء بزعيم حزب الله، حسن نصر الله. وبين اللقاءين، استدعى لاريجاني مسؤولي الفصائل الفلسطينية والإسلامية الملحقة بمحور "الممانعة"، إلى أفخم فنادق العاصمة اللبنانية، فينيسيا، ليملي عليهم خطة "الولي الفقيه". ثم زار في لقاء رفع العتب رئيس الحكومة، تمام سلام.
تنقل رئيس برلمان إيران، البلد الديمقراطي بامتياز، في وسط بيروت بين مقر إقامة رئيس المجلس ورئاسة الحكومة، ثم توجه إلى الجامعة اللبنانية (الرسمية)، في الضاحية الجنوبية من العاصمة معقل حزب الله، حيث ألقى على طلاب العلوم السياسية محاضرة بمثابة دروس في "الوطنية والمقاومة والحرب على التكفيريين".
وقد أدت تنقلاته هذه إلى حبس اللبنانيين في سياراتهم على الطرقات، ساعات وساعات، تحت الأمطار الغزيرة، بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، وتحويل خطوط السير من أجل تسهيل حركة الضيف، وتوفير الأمن والحماية له. وقد ذكّر تصرف لاريجاني اللبنانيين بصلف سلفه اللواء السوري، غازي كنعان، يوم كان الحاكم المنتدب على لبنان، في زمن الوصاية السورية، وحين كان يجول على القيادات السياسية والمسؤولين الرسميين مصدراً تعليمات رئيسه الأسد.
لم يجد المسؤول الإيراني المحافظ والمتشدد أي حرج في القول للبنانيين إن هناك تيارات تبدو فاعلة أكثر من الدول، مثل حزب الله. أي إنه أراد أن يقول لهم إن حزب الله، صنيعة إيران، هو أقوى و"أفعل" من دولتهم، والدليل، مثالاً لا حصراً، قيامه منذ سبعة أشهر بشل الدولة ومؤسساتها، بالتضامن والتكافل مع حليفه "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه الجنرال السابق، ميشال عون، بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو/أيار الماضي.

" ذكّر تصرف لاريجاني اللبنانيين بصلف سلفه اللواء السوري، غازي كنعان، حين كان يجول على القيادات السياسية والمسؤولين الرسميين مصدراً تعليمات رئيسه الأسد "

فعن أي "فاعلية" يتكلم لاريجاني؟ هل عندما ذهب حزب الله ليقاتل في سورية، دفاعاً عن نظام الأسد في وجه الشعب السوري المنتفض، فيما الدولة اللبنانية غير قادرة على أن تحمي حدودها من لهيب النار السورية، بسبب مشاركة حزب الله نفسه في استباحة هذه الحدود. وهل لأن هذا الحزب قادر على تحرير أسراه عبر التفاوض مع من يحاربهم في العلن، على أساس أنهم تكفيريون وإرهابيون، بينما ظل "يمانع"، ويرفض فترة طويلة، هو وحليفه العوني، من داخل الحكومة، ومن خارجها، أي عملية تفاوض أو مقايضة مع هؤلاء التكفيريين والإرهابيين أنفسهم، من أجل تحرير العسكريين الأسرى لدى هذه التنظيمات.
وهل هو الدور "الفاعل" الذي يقوم به حزب الله منذ نحو عشر سنوات، مباشرة بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، عندما انسحب من الحكومة غداة اغتيال النائب والصحافي، جبران تويني، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2005، احتجاجا على قرار الحكومة الطلب إلى الأمم المتحدة تشكيل محكمة خاصة بلبنان للتحقيق ومحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري. وهل استكمل هذا الدور "الفاعل"، عندما احتل وسط بيروت، وحاصر السراي الحكومي، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2006، أي بعد أسبوع على اغتيال الوزير والنائب، بيار الجميل. وبقي ناصباً خيمه مع حلفائه "الممانعين" (عون وبري) ستة أشهر في ساحات وسط بيروت، ما أدى إلى شلل الحياة الاقتصادية، وتسبب بإغلاق مؤسسات ومحال تجارية كثيرة وإفلاسها. وقد ترافقت عملية الاحتلال تلك مع تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس الأسبق، إميل لحود (أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2007)، في تكرار للسيناريو الذي نشهده اليوم، من المعطلين أنفسهم، أي "التيار العوني" و"حزب الله". وذلك كله، في الأمس كما اليوم، بهدف فرض ميشال عون رئيسا للجمهورية، إلا أن محاولة الفرض هذه لم تحصل؟
يبدو أن لاريجاني غير ملم بهذه الوقائع، أو يتجاهلها عن قصد، بدليل أنه، أيضاً، وفي زيارته الخاطفة، حمّل المسيحيين مسؤولية عدم انتخاب الرئيس (المسيحي)، وطالبهم بـ "بذل الجهود وأن يتضافروا فيما بينهم"(!). وكان الأجدر به أن يطلب من حزب الله، بكل بساطة، أن يكف عن مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس التي يدعو لها حليفهم بري، رئيس مجلس النواب، ويشارك في انتخاب الرئيس الذي يريد.
وهذا غيض من فيض، وإذا أراد الضيف الإيراني شواهد أخرى على نوع آخر من "فعالية" الحزب في شل الدولة ومؤسساتها، ففي الوسع إيراد وقائع تؤكد الأدوار التي يقوم بها بعض كوادر هذا الحزب وقيادييه، من إهدار للمال العام ونهبه، ومن عمليات فساد وإفساد لحياة اللبنانيين. فقبل سنة ونصف السنة، ضبطت وزارة الصحة مصنعاً يملكه شقيق نائب ووزير حالي في حزب الله، لتزوير الأدوية الفاسدة أو المنتهية صلاحيتها وبيعها، ويومها كان وزير الصحة حليفاً له من حركة أمل.
ولاحقاً، تم ضبط معمل في البقاع، يشرف عليه شقيق أحد نواب الحزب، لتصنيع حبوب "كابتاغون" المخدرة بكميات ضخمة، يتم تسويقها وتصديرها إلى الخارج. كما اكتشفت، أخيراً، شبكة يقف على رأسها شقيق آخر للنائب "الحزبللاوي" نفسه، لسرقة السيارات وتفكيكها وإعادة تركيبها لتهريبها والاتجار بها.
وقبل هذه وتلك، وغداة اندلاع الثورة في سورية، ضبط نجل أحد المسؤولين الكبار (وهو عالم دين معمم) يهرب كميات من السلاح الذي يمتلكه الحزب ويبيعه لـ"الجيش السوري الحر". وأخيراً، وليس آخراً، اعتراف حزب الله نفسه، وعلى لسان أمينه العام، باكتشاف شبكات تجسس، بين عامي 2011 و2012 مؤلفة من كوادر في الحزب لصالح إسرائيل والمخابرات الأميركية.
هل هذه هي "الفاعلية" التي يتكلم عنها لاريجاني؟ إلا إذا كانت "الفاعلية"، هنا، تعني "ممانعة" قيام الدولة التي يقيم حزب الله بداخلها، وبموازاتها، دولته وجيشه ومؤسساته ومصالحه وحساباته. الفاعلية الحقيقية تعني أن يضع حزب الله إمكاناته بتصرف الدولة، وفي مقدمها تسليم ترسانة السلاح الذي بحوزته إلى قوى الدولة الشرعية.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: سعد كيوان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ