لماذا إدلب
لماذا إدلب
● مقالات رأي ١٩ سبتمبر ٢٠١٦

لماذا إدلب

بعيداً عن العواطف الجياشة والعادات التي يتميز بها اهالي محافظة إدلب من إغاثة الملهوف والمهجر، وبعيداً عن إكرام الضيف الوافد إلينا من محافظات الجنوب والوسط السوري، والتي باتت إدلب المقصد والقبلة الوحيدة التي يختارها نظام الأسد ويجبر عليها المهجرين لتكون المكان القادم لإقامتهم بعد أن دمرت أرضهم ومنازلهم وأجبرهم الحصار على تركها مجبرين إلى إدلب، وبعد تكرار عمليات التهجير التي باتت واضحة للعالم أجمع عن نوايا نظام الأسد الخبيثة ومن خلفه إيران للتغيير الديمغرافي في سوريا، بدأت ترتاد للأذهان تساؤلات كثيرة لماذا إدلب .....؟ وما سبب اختيار نظام الأسد محافظة إدلب تحديداً لتكون الموطن الثاني لهؤلاء المهجرين.


صحيح أن محافظة إدلب كانت ثاني محافظة تحرر من قبضة نظام الأسد، وأول محافظة تخرج عن سيطرة تنظيم الدولة بعد أن سيطر عليها، على الرغم من بقاء ورقة الضغط الأكبر ضد المحافظة وبيد الأسد وإيران وليس كما يظن البعض أنها ورقة رابحة بيد الثوار والفصائل وهي "كفريا والفوعة" والتي غدت الدافع الأكبر والقضية الوحيدة لتجييش الشيعة وكل الميليشيات في سوريا لنصرة قضية أهل الفوعة والمحاصرين، وبالتالي تهديد المحافظة في الوقت الذي يرونه مناسباً للضغط عليها والدافع موجود.


وصحيح أيضاَ أن محافظة إدلب باتت أحد أهم أعمدة الثورة السورية والتي باتت تتمركز فيها القوة الأكبر من الفصائل الفاعلة في الساحة، والنظام يعي جيداً ان القوة التي تواجهه في الساحل وحماة وحلب جلها تنطلق من إدلب، ويعي جيداً أن المهجرين لاسيما الثوار منهم والذين وصلوا للمحافظة سيكونون جزءاً من هذه القوة وسيعودون لمواجهته من جديد على جبهات أخرى، ومع ذلك يتعمد ويصر نظام الأسد على تهجير مناطق الجنوب والوسط باتجاه إدلب.


وبدأت عمليات التهجير الأولى من أحياء حمص ثم القصير ويبرود و ريف دمشق فمضايا والزبداني وداريا والتحضير يتم لتهجير الوعر ومعضمية الشام وبلدات الغوطة الشرقية وربما مناطق أخرى ليست في حسابات المعارضة وقوى الثورة يجهز لها نظام الأسد عمليات التهجير ويحضر لها الخطوات والترتيبات التي اتبعها في كل منطقة تبدأ بالتضييق والحصار والتجويع والقصف والتدمير ليصل الأهالي لمرحلة لا يطيقون كل هذه الانتهاكات ويقبلون بالتسوية والخروج من مناطقهم وهم يترقبون العودة إليها بسقوط الأسد.


هذه الخطط الممنهجة والعمليات التي باتت الأمم المتحدة شريك أساسي فيها تنذر بخطر كبير يحدق بالثورة السورية، من خلال تجميع كل الطاقات والقدرات في مكان واحد وضربها جواً وربما تتطور لعلميات برية قد تحاصرها لاسيما بعد المعلومات التي تصل عن نية قوات الأسد وروسيا التقدم باتجاه جسر الشغور ومخاطر الوحدات الكردية في عفرين التي تتطلع للوصول لباب الهوى والمعابر الرئيسية، أضف على ذلك سيطرة الميليشيات الشيعية على الريف الجنوبي لحلب والتي باتت هي المتحكمة في المنطقة التي تشكل الوجهة الشرقية لمحافظة إدلب.


في هذه المرحلة الحساسة وبعد كل عمليات التهجير والتي مازالت مستمرة إلى إدلب، باتت التكهنات المحذرة من تحويل إدلب لسجن كبير موضع دراسة وشبه واقع ملموس بات واضحاً وبشكل كبير، وسط تواطئ أممي ودولي خصوصاً أصدقاء الشعب السوري منهم قطر والسعودية الذين بات صوتهم بعيداً هذه الفترة، وسط سعي تركي كبير لتغيير المعادة على الأرض ضمن عملية درع الفرات التي تقوم بها بدعم الجيش الحر، إلا أن الموقف التركي لا يمكن التعويل عليه بشكل كبير، فهي الدولة التي تحاك ضدها كل المؤامرات وتواجه مخاطر كبيرة لكسرها وإنهاء قوتها في المنطقة، وهي التي تسعى جاهدة لضمان أمن شعبها وحدودها في المرحلة الأولى وحسب ما تقتضيها مصلحتها في البداية.


ولعل إغلاق الحكومة التركية الحدود بشكل كامل عبر بناء الجدار العازل على طول الحدود من الغرب حتى الشرق، واتباع اجراءات معقدة للدخول إلى أراضيها أبرزها امتلاك جواز سفر رسمي صادر عن نظام الأسد، الذي لايمكن الغالبية العضمى في الثورة من الحصول عليه، أضف على ذلك التقارب التركي الأيراني الروسي والكل يعلم أن روسيا وأيران هما من يقود العمليات العسكرية في سوريا ومن تدعمان نظام الأسد، ولكن بالمحصلة تركيا تريد مصلحتها وتريد بناء تحالفات تضمن استقرارها وأمن حدودها، وقد ترغم في وقت من الأوقات وضمن تفاهمات أو ضغوطات على إغلاق حدودها مع سوريا وبالتالي خنق إدلب بشكل كامل، وهذا غير مستبعد في حال وصلت تركيا لخيارات صعبة تهدد أمنها واقتصادها واستقرارها.


هذه التخيلات أو بالأحرى التنبئات التي باتت كواقع ربما يحصل في أي وقت وبشكل مفاجىء من شانه تحويل إدلب لسجن كبير ليس لأهالي إدلب فحسب، بل لكل من هاجر من أرضه وبلده مجبراً مرغماً بفعل الحصار والتجويع واستوطن في المحافظة وبين أهلها، وهذا مايجب أن يتداركه الجميع وتتحمل الفصائل العسكرية بالدرجة الأولى المسؤولية الكاملة، وهي التي تقبل بما تمليه الدول الغربية من هدن واتفاقيات ثم تهجير ولاتحرك ساكناً أو تعمل على تغيير الواقع من خلال الضغط على النظام بمعركة أو بسيطرة على منطقة حساسة أو برفض هذه الاتفاقيات وتحمل التبعيات كاملة عبر حلفائها وداعميها وعبر التوحد في كيان واحد ربما يكون له كلمة فصل ويجبر الجميع على سماعه ليكسبه ويامن صفه باعتباره بات قوة كبيرة موحدة.

الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ