لماذا فشلت خطة «ديمستورا»؟
لماذا فشلت خطة «ديمستورا»؟
● مقالات رأي ٢٠ فبراير ٢٠١٥

لماذا فشلت خطة «ديمستورا»؟

لم يكن مطروحاً أمام المعارضة السورية سوى مبادرة المبعوث الدولي ديمستورا التي قدمت رؤية لتجميد القتال في شطر من حلب، ولكي تعطي هذه الرؤية المحدودة بعداً شمولياً قالت «إنها خطوة أولى يمكن أن تعمم على باقي المناطق المشتعلة»، وعلى رغم أن غالبية أصحاب الرأي في المعارضة السياسية لم يتفاءلوا بمبادرة المبعوث الدولي الجديد إلا أنهم لم يرفضوها عامة. بعضهم تمسك بها كما يتمسك الغريق بقشة، وبعضهم رأى ألا تبدو المعارضة سلبية في تلقي المبادرات الأممية، ورأى آخرون أن تمسّك المباردة برؤية جنيف -وهي الورقة الرسمية الوحيدة- يمكن أن يعطي دفعة أمل نحو إنجاز حل سياسي، بينما حذر آخرون من أن تكون المبادرة بديلاً عملياً عن رؤية جنيف المجمدة قبلها. وفي حين ارتارب بعض المعارضين في هدف المبادرة لكون حكومة النظام وافقت عليها نظرياً فقد رأى بعضهم أن موافقة النظام قد تفتح بوابة حوار، فالمهم عند غالبية المعارضة أن يتوقف القتال، وأن تتجنب سوريا مزيداً من الدمار، وأن يحقن بعض الدم السوري. وأعلن آخرون تخوفهم من أن تكون المبادرة مهلة للنظام كي يستكمل تطويقه لحلب بينما يفقد المعارضون العسكريون تماسكهم ويفقدون ما يلقون من إمداد، ويتفرغ النظام لاستعادة بقية المناطق التي لن تشملها خطة التجميد بسهولة.

وتساءل محاورو «ديمستورا» من سيحمي الاتفاقية المقترحة؟ وهل ستكون هناك قوات حماية دولية؟ وانتقد المحاورون اسم «التجميد» في وقت تحتاج فيه المبادرات إلى «تحريك» ينهي القضية بدل أن يجمدها! وجاءت تصريحات المبعوث الدولي الأخيرة التي قال فيها إن الأسد جزء من الحل لتثير انتقادات واسعة في بيانات المعارضة التي رأت المبعوث الدولي متحيزاً، وطالبت بحل سياسي يتناسب مع مكانة مبعوث يمثل الأمم المتحدة.

ويبدو أن المبادرة انتهت تماماً بعد الهجوم الأخير على قرى «ريتان» و«الملاح» و«باشكوي» في ريف حلب -وما يزال القتال مستمراً- وقد بدأته قوات النظام بمشاركة «حزب الله» ومقاتلين إيرانيين ومرتزقة أفغان، وقد قاموا بعمليات ذبح بالسكاكين راح ضحيتها أكثر من عشرين شخصاً من المدنيين بينهم أطفال من أسرة واحدة. وقد قام مقاتلون من المعارضة بصد هذا الهجوم فقتلوا وأسروا عدداً كبيراً ونشروا الكثير من مقاطع الفيديو للجثث المنتشرة. كما قتل عدد كبير من مقاتلي المعارضة المسلحة. ولم يعد ممكناً الاطمئنان إلى قدرة مبادرات جزئية مضطربة على تحقيق حل سياسي، رغم أن جميع تشكيلات المعارضة وفيها ممثلون عن المقاتلين قد أعلنوا قبولهم بالحل السياسي وسعيهم له، ولكن لا توجد إلى الآن أية بوادر توحي بالأمل.

وقد كان فشل مؤتمر موسكو في تحقيق اختراق باتجاه الحل السياسي قد جعل المحبطين يتمسكون بالحل العسكري وقد ازدادوا يقيناً بأن النظام يريد استسلاماً وليس سلاماً. وقد تابعت ما يكتب الشباب السوريون في مواقع التواصل الاجتماعي فوجدت تعريضاً كبيراً واتهامات بالتخاذل لكل من شاركوا في مؤتمرات القاهرة وموسكو، والسبب أن النظام قام بتصعيد عملياته القتالية بعد هذين المؤتمرين بدل أن يلتقط اللحظة المناسبة. وأعتقد أن مؤتمر القاهرة كان فرصة كبيرة للبدء في خطوات عملية نحو الحل، لأن أكثر شرائح المعارضة وقعت على بيانه واتفقت على نقاطه العشر، التي رسمت خريطة طريق واضحة ولم ترفع سقف المطالب على أمل أن تحظى بنجاح وبقيت تدور في أفق بيان جنيف الذي أهمله صانعوه.

ولقد تخيلت لو أن النظام أعلن قبوله بهذه النقاط العشر التي حددها بيان القاهرة لتجاوز مبادرة «ديمستورا» وسواه، وتم إيقاف القتال والبدء الفوري بإطلاق سراح المعتقلين كبادرة إيجابية توحي برغبة جادة من قبل النظام في إيجاد حل ينتظره ملايين السوريين الذين لم يعودوا يطيقون تحمل المزيد من المآسي والفواجع، ولتم التوجه إلى المؤتمر العام الذي دعا إليه مؤتمر القاهرة في أبريل القادم بدوافع الثقة والأمل بدل حالة اليأس والإحباط التي جعلت الباحثين عن حلول سياسية في موقف ضعيف، بينما تعزز رأي من يعتقدون مجبرين أن الحل العسكري بات هو الحل الوحيد لأن النظام هو الذي اختاره من البداية، والمفجع أن ثمن ذلك سيكون مزيداً من الضحايا ومن طوفان الدم السوري.

المصدر: الاتحاد الإمارتية الكاتب: د. رياض نعسان أغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ